ثمة توقف
غير مفهوم لسلسلة التطورات المدهشة التي شهدتها الساحة
اليمنية، خلال الشهرين
الماضيين، وأفضت إلى مستويات غير مسبوقة من المحادثات
والتفاهمات بين المملكة
العربية السعودية والحوثيين، بإسناد من الجهود العمانية، لتتحول
السعودية نتيجة
هذه التطورات إلى وسيط محايد في الحرب بين جماعة الحوثي المتمردة، وبين السلطة
الشرعية، وكل ذلك خصمَ من مكانة ودور الأمم المتحدة المشهود في خضم الأزمة والحرب
اليمنيين.
وحده
المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبيرغ، مستمرٌ في محاولة إثبات أن الأمم
المتحدة على قيد الحياة، من خلال تحركات تدعو إلى الشفقة، وتترافق مع سيل من
التصريحات المتفائلة المبنية أصلاً عن الزخم الآتي من التحول في الموقف السعودي
تجاه جماعة الحوثي، والذي أحيا بدوره أحلام الجماعة الانقلابية في الخروج بمكاسب مغرية
من هذه الحرب.
والحقيقة
أن دور الأمم المتحدة وحتى دور الولايات المتحدة يتضاءلان، ليصبحا مجرد شاهدين غير
نزيهين على المسار الجديد للأحداث ترسمه السعودية، ويوازي تقريباً المسار الذي
رسمته الأمم المتحدة وتحقق حوله الإجماع الدولي، وتأسست لأجله مرجعيات مهمة.
دور الأمم المتحدة وحتى دور الولايات المتحدة يتضاءلان، ليصبحا مجرد شاهدين غير نزيهين على المسار الجديد للأحداث ترسمه السعودية، ويوازي تقريباً المسار الذي رسمته الأمم المتحدة وتحقق حوله الإجماع الدولي، وتأسست لأجله مرجعيات مهمة
الساحة
اليمنية اليوم في حالة هدنة كأنها صُممت سعودياً، لإجراء بعض التسويات الضرورية
على الأرض والهادفة إلى تكريس وقائع يمكن البناء عليها في توجيه مسار التسوية
النهائية المرتبط حصراً بالثقل السعودي، وبالأولويات السعودية، على نحو يدعو إلى
القلق بشأن مستقبل ما بقي من السلطة الشرعية، وقدرتها على حماية الدولة ومؤسساتها،
في ظل الاندفاع المسكون بغرور القوة، من جانب المتمردين والانفصاليين على حد سواء،
نحو الفتك بالجمهورية اليمنية، إما بالسيطرة عليها كما يخطط الحوثيون، أو بتقسيمها
كما يسعى إلى ذلك الانفصاليون.
ففي
العاصمة السياسية المؤقتة عدن، يمضي المجلس الانتقالي
في إدارة مشاورات بين المكونات
الجنوبية، تهدف إلى خلق إجماع حول قيادة المجلس للمشروع الانفصالي وفرضه ضمن أجندة
التسوية النهائية للصراع، وهو مسعى يُقابل بعنادٍ كبيرٍ من الكتلة الجغرافية
والسكانية والاقتصادية الأكبر في جنوب شرق اليمن، والمتمثلة في محافظة حضرموت التي
تحتفظ نخبها الثقيلة الوزن بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية وتتلقى دعماً
سياسياً واضحاً منها.
يأتي
ذلك فيما لا تزال الإمارات تحتفظ بنفوذ لا بأس به على جزء من نخبة حضرموت السياسية
والأمنية، بحكم تواجدها المؤثر خلال السنوات الماضية في ساحل المحافظة؛ حيث لا
تزال قواتها مرابطة في مطار الريان الواقع شرق مدينة المكلا، ودورها كذلك في قيادة
معركة استعادة مدينة المكلا من جماعة أنصار الشريعة، وهي المعركة التي يدور حول
مصداقيتها الجدل الكبير، مثلما دار الجدل حول قدرة تلك الجماعة أصلاً في السيطرة
على المدينة إبان الثورة التي اندلعت ضد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، الذي
كان يحتفظ بقوات كبيرة وبكامل جهوزيتها في حضرموت.
في
هذا السياق، وبعد ثمانية أعوام على الحرب، ظهر محافظ محافظة حضرموت مبخوت بن ماضي،
برفقة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش اليمني الفريق صغير بن عزيز، وقائد قوات
الدعم والإسناد التابعة للتحالف، اللواء في الجيش السعودي سلطان البقمي، ليعلن عن
اتفاق رعته السعودية يقضي بتسليم مطار الريان الدولي، من قبل القوات الإماراتية
للسلطة المحلية في محافظة حضرموت، وكان اللافت في هذا الحدث غياب عضو مجلس القيادة
الرئاسي فرج البحسني الذي يتحدث ناشطون حضارم عن صلته العميقة بالأجندة الإماراتية.
لهذا
النبأ أهميته في كونه يشير إلى حالة الغموض التي تكتنف التدخل العسكري لما يسمى
"تحالف دعم الشرعية" وأهدافه وأجنداته، وحجم السطوة التي يمارسها على
الدولة اليمنية ومقدراتها ومرافقها السيادية. فهذا المطار المدني والعسكري أيضاً،
تم تعطيله على مدى سنوات الحرب وحتى اليوم رغم جهوزيته الكاملة للتشغيل والبدء
بتقديم الخدمة لليمنيين، وحاجة اليمنيين الماسة له، ورغم أن الإمارات ساهمت في
إعادة تجهيزه بشكل كامل.
حالة الغموض التي تكتنف التدخل العسكري لما يسمى "تحالف دعم الشرعية" وأهدافه وأجنداته، وحجم السطوة التي يمارسها على الدولة اليمنية ومقدراتها ومرافقها السيادية. فهذا المطار المدني والعسكري أيضاً، تم تعطيله على مدى سنوات الحرب وحتى اليوم رغم جهوزيته الكاملة
يحتفظ
اليمنيون بذكريات رهيبة عن هذا المطار الذي تحول لمعتقل كبير تعرض فيه المئات للتغييب
والتعذيب، وربما للإعدام، وهي الممارسات التي قامت بها القوات الإماراتية وجهاز
الاستخبارات الإماراتي، تحت أنظار وكالة المخابرات الأمريكية والجيش الأمريكي اللذين
شكلا غرفة عمليات مشتركة تأسيساً على أولويات واشنطن في محاربة الإرهاب، ورغبة
الإمارات في توسل هذه الذريعة لخط مسار منفصل لتدخلها العسكري يوصلها إلى أهدافها
الجيوسياسية، ويعفيها من التبعات الإنسانية والأخلاقية المفترضة، الناجمة عن
الانتهاكات التي تورطت فيها في حضرموت وفي غيرها من المناطق اليمنية، التي تمركزت
فيها ولا تزال حتى اليوم رغم اعلان انسحابها العسكري من اليمن في تشرين الأول/ أكتوبر
2019.
ما إن
تم الإعلان عن قرب تسليم هذا المطار للسلطات المحلية في حضرموت حتى سارع أحد عدد
من الناشطين إلى الترحيب بهذا الخبر، ومنهم الناشط العدني الشهير عبد الفتاح
جماجم، الذي يتواجد حالياً خارج البلاد، حيث عبّر عن ابتهاجه بهذا الحدث، فقد كان
أحدث الذين اختطفوا وزُج بهم في هذا المعتقل، وفيه تلقى صنوف التعذيب وأجبر على
الإدلاء باعترافات غير واقعية.
دفع
الناشط العدني هذا الثمن الباهظ جراء مناهضته للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من
الإمارات، لا أقل ولا أكثر، وكان قام بهذا النشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن
خلال تنظيم الاحتجاجات المدنية، مما يشير إلى مدى ارتباط أجندة التعذيب الإماراتية
برغبة أبو ظبي في ممارسة الهيمنة على هذا الجزء من اليمن.
twitter.com/yaseentamimi68