تسلم مهمته وسط حالة من عدم اليقين على
وقع تآكل قدرة الدولة
السودانية الهشة أصلا في البحث عن أرضية مشتركة للحوار بين
الورثة الذي يتصارعون على تركة حكم الرئيس السابق عمر البشير.
لا يبدو متفائلا بمستقبل السودان إذ
تشير توقعاته إلى أن استمرار القتال سيؤدي إلى انهيار القانون والنظام في جميع
أنحاء البلاد، وتتبدد القيادة والسيطرة ويمكن أن يصبح السودان مجزأ إلى أكثر من
دولة.
يتمتع فولكر بيرتس، الذي ولد في عام
1958 في مدينة همبورغ بألمانيا، بخبرة تمتد لأكثر من 25 عاما في الأوساط الأكاديمية والبحث العلمي
والعلاقات الدولية والدبلوماسية وفي النزاعات الجغرافية السياسية الإقليمية.
حصل بيرتس على درجة الماجستير
والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة دويسبورغ في ألمانيا، وهو متحدث جيد للغات: الألمانية، والإنجليزية، والعربية.
عمل أستاذا بجامعة هومبولت ببرلين،
وأستاذا مساعدا في الجامعة الأمريكية في بيروت ما بين عامي 1991 و 1993، وترأس
مجموعة أبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو عضو في عدد من المجالس الاستشارية
العالمية بما في ذلك معهد شنغهاي للدراسات الدولية.
وكان يعمل بيرتس كبير المستشارين
بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والذي يقدم المشورة للحكومة الألمانية
الفيدرالية بشأن جميع مسائل السياسة الخارجية والأمنية.
وشغل منصب كبير مستشاري المبعوث الخاص
للأمين العام لسوريا خلال الفترة بين عام 2015 وعام 2018.
وحين قرر مجلس الأمن الدولي عام 2020
إنشاء بعثة
الأمم المتحدة لمساعدة الانتقال السياسي للسلطة في السودان (يونيتامس)
استجابة لطلب حكومة البلاد، فإنه وقع الاختيار عليه لهذه المهمة التي تسلمها في عام
2021.
تقول مصادر صحافية إن قرار تشكيل
البعثة الأممية جاء بناء على خطاب سري أرسله رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك
طالبا فيه تأليف بعثة أممية تعيد رسم المشهد السوداني في حاضره ومستقبله، وتمارس
الوصاية على مدى 10 سنوات تنتهي عام 2030، بموافقة البرهان نفسه.
ولم تكن مهمة بيرتس زاهية الألوان
ومقبولة من السودانيين بعد أن تلقى الشهر الماضي تهديدا باغتياله عندما ظهر رجل في
مناسبة عامة بالخرطوم يطلب فتوى للسماح له باغتيال المسؤول الأممي، كما أنه تلقى
تهديدات مماثلة بالقتل عبر الإنترنت قبل ذلك.
ورافق المهمة توترات عدة مع المجلس
العسكري الحاكم حين هدد الفريق أول عبد الفتاح البرهان بطرده بسبب
"التدخل" في شؤون البلاد، بعد أن قال بيرتس في خطاب أمام مجلس الأمن
الدولي إن السودان يتجه نحو "انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية
كبيرة" ما لم تستأنف الفترة الانتقالية بقيادة المدنيين الذين أطاح بهم
البرهان في انقلاب عسكري.
ووضع الجيش في عام 2019، حدا
لثلاثين عاما من حكم الرئيس السابق عمر البشير وفتح ذلك الطريق أمام مرحلة
انتقالية في السودان كان يفترض أن تقود إلى حكم مدني ديمقراطي.
غير أن هذه المرحلة الانتقالية قطعها
انقلاب قائد الجيش على شركائه المدنيين.
ثم اختلف العسكر الذين يحكمون البلاد
فيما بينهم، ما عقد من مهمة بعثة الأمم المتحدة التي خلص رئيسها بيرتس إلى نتيجة أن الطرفين
المتقاتلين "تجاهلا قوانين الحرب وأعرافها، إذ شنا هجمات على المناطق المكتظة
بالسكان بدون الأخذ بسلامة المدنيين والمستشفيات أو حتى السيارات التي تقل المرضى
والجرحى".
واتهم البرهان و"حميدتي"
بأنهما لم يتمكنا من الالتزام بشكل كامل بوقف تام لإطلاق النار أو تطبيقه، وأنهما
يواصلان تبادل الاتهامات وإصدار الادعاءات المتنافسة حول السيطرة على المنشآت
الرئيسية.
ويرى بيرتس أن هناك "سوء
تقدير" في إمكانية تحقيق نصر عسكري لأحد الطرفين على الآخر .
وفيما يستمر القتال، يزداد انهيار
النظام والقانون في أنحاء السودان الذي قد يصبح مجزأ بشكل أكبر ما سيخلف أثرا مدمرا
على المنطقة.. وحتى "لو انتصر طرف، فإن السودان سيخسر"، كما قال المبعوث الأممي.
وبدت احتمالات إجراء مفاوضات بين زعيمي
الطرفين واهية حتى الآن.
فقد قال البرهان في مقابلة إنه لن يجلس
أبدا مع "حميدتي" ووصفه بأنه "زعيم التمرد". وقال "حميدتي"
إنه لن يجري محادثات إلا بعد أن يوقف الجيش القتال.
ولا تخفي الدول الأفريقية قلقها من أن
انفجار الأوضاع في السودان سيؤدي إلى انفجار المنطقة بأكملها ما سيغير خريطة
المنطقة، وهو ما ذهب إليه بيرتس في كتابه "نهاية الشرق الأوسط الذي
نعرفه"، الصادر في برلين عام 2015 حين رأي أن الحدود التي وضعتها اتفاقية
سايكس بيكو في عام 1916 تبدو في حالة انحلال.
وتبدو مهمة هذا اليساري السابق فولكر
شبه متجمدة مع استمرار القتال، ولا يمتلك أي حلول سحرية لوقف التصعيد الذي يهدأ
لساعات على وقع وعود الهدنة الهشة ثم يثور من جديد، وتبدو أفريقيا مقبلة على كارثة إنسانية
جديدة إذا لم يغادر العسكر المشهد السوداني المدني.