في الحملة الانتخابية الحالية، يرفع الرئيس التركي شعار الاستقرار والاستمرار،
وترفع المعارضة وخصوصاً منافسه كليتشدار أوغلو شعار التغيير والتجديد. لكن في
العمق، يمثل النظام السياسي في البلاد أحد أهم محاور الخلاف والاستقطاب بين
الجانبين، حيث يرى الرئيس التركي وتحالفه ضرورة استمراره، بينما تعِدُ المعارضة
بتغييره والعودة للنظام البرلماني بعد تحسينه أو ما تسميه "النظام البرلماني
المعزز".
وعليه، فالانتخابات المقبلة في
تركيا هي من زاوية ما استفتاء على استمرار أردوغان
في الحكم من عدمه، وكذلك على
النظام الرئاسي الساري في البلاد. فما هي فرص عودة
النظام البرلماني بعد
الانتخابات؟
يرتبط الأمر ولا شك بنتائج الانتخابات المقبلة، لكن مجرد الفوز بها لا يعني
حتمية العودة للنظام البرلماني، إذ للأمر استدراكات وشروحات دستورية وسياسية عدة.
الانتخابات المقبلة في تركيا هي من زاوية ما استفتاء على استمرار أردوغان في الحكم من عدمه، وكذلك على النظام الرئاسي الساري في البلاد. فما هي فرص عودة النظام البرلماني بعد الانتخابات؟
يرتبط الأمر ولا شك بنتائج الانتخابات المقبلة، لكن مجرد الفوز بها لا يعني حتمية العودة للنظام البرلماني، إذ للأمر استدراكات وشروحات دستورية وسياسية عدة
ففي المقام الأول، يشترط الدستور لإجراء أي تعديل دستوري موافقة ثلثي أعضاء
البرلمان، وهي نسبة يُستبعد جداً أن يحصل عليها أي من الجانبين وفق التوقعات الحالية، حتى بجمع نواب حزب
الشعوب الديمقراطي -وتحالفه العمل والحرية- مع نواب تحالف الشعب المعارض. الاحتمال
الدستوري الآخر هو مرور التعديل المقترح من البرلمان بنسبة 60 في المئة من النواب
ثم عرضه على استفتاء شعبي، فإن أقره الاستفتاء بنسبة بسيطة تتجاوز 50 في المئة كان
واجب التنفيذ.
وعليه، يمكن استخلاص ما يلي من المسار الدستوري:
أولاً، أن الفوز بالانتخابات الرئاسية، وهي الأهم في
الاستحقاق المقبل، غير كافٍ بل ربما غير ذي صلة مباشرة بموضوع تعديل النظام
السياسي والعودة للنظام البرلماني من الناحية الدستورية والقانونية، فالأمر منوط
بالبرلمان وتركيبته المقبلة بشكل مباشر.
ثانياً، استمرار النظام الرئاسي سائداً في حال فوز
تحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان، وحصر احتمالية التغيير بفوز تحالف الشعب
المعارض بأغلبيته.
ثالثاً، صعوبة إقرار التعديل عبر البرلمان حصراً، بل
صعوبة إقراره باستفتاء شعبي، بسبب التوقعات ببرلمان شبه متوازن لا يحظى فيه أي طرف
بأغلبية كاسحة أو كبيرة.
لكن المسار الدستوري لا يكفي برأينا إطاراً تفسيرياً
واستشرافياً لاحتمالات التغيير مستقبلاً، إذ ثمة استدراكات سياسية من الأهمية
بمكان وضعها في الحسبان، وعلى الأغلب ستكون هي الحاكمة والمحددة.
ففي حال فاز مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليتشدار أوغلو
بالرئاسة وتحول من زعيم للمعارضة لرئيس يحكم بصلاحيات واسعة، كما هو حال أردوغان
اليوم، ما الذي سيدفعه للسعي لإعادة البلاد للنظام البرلماني؟ فهذه الخطوة تعني
ضمناً وعملياً تخليه عن صلاحياته كرئيس وتمكين حزب العدالة والتنمية من الفوز
مجدداً بعدِّه الأول بين الأحزاب السياسية في البلاد حتى اللحظة، ما يعني أن رئيسه
-أردوغان- سيكون على الأغلب المكلّف بتشكيل الحكومة وفق النظام البرلماني إن عاد.
فأين المنطق السياسي في الأمر؟
ليس من المفهوم أو المتوقع سياسياً أن يتخلى كليتشدار أوغلو عن الرئاسة ويعود بالبلاد للنظام البرلماني، ولعل من مؤشرات ذلك أن الطاولة السداسية حين صاغت "نص اتفاق السياسات المشتركة" وغيرها من الوثائق المرتبطة بالمرحلة الانتقالية لم تذكر مدة زمنية محددة للعودة للنظام البرلماني، وهو ما يحتمل عدم الإلزامية و/أو الرغبة، ويحتمل كذلك ترك فسحة زمنية لممارسة الحكم والتأثير في المشهد السياسي
إذن ليس من المفهوم أو المتوقع سياسياً أن يتخلى كليتشدار
أوغلو عن الرئاسة ويعود بالبلاد للنظام البرلماني، ولعل من مؤشرات ذلك أن الطاولة
السداسية حين صاغت "نص اتفاق السياسات المشتركة" وغيرها من الوثائق
المرتبطة بالمرحلة الانتقالية لم تذكر مدة زمنية محددة للعودة للنظام البرلماني،
وهو ما يحتمل عدم الإلزامية و/أو الرغبة، ويحتمل كذلك ترك فسحة زمنية لممارسة
الحكم والتأثير في المشهد السياسي، وبالتالي تعزيز حضور حزب الشعب الجمهوري وباقي
أحزاب التحالف وفرصهم لضمان الفوز في الانتخابات البرلمانية لاحقاً.
في المقابل، وبنفس المنطق، فإنه في حالة خسارة
أردوغان الانتخابات الرئاسية لصالح كليتشدار أوغلو، سيكون العدالة والتنمية أكثر
حرصاً من المعارضة على إعادة البلاد للنظام البرلماني بعدِّها فرصته للعود للحكم
بأسرع وقت وأيسر سبيل، لأنه -مرة أخرى- ما زال في قائمة ترتيب الأحزاب السياسية في
البلاد.
وفي سيناريو مثل هذا، أي فوز كليتشدار أوغلو
بالرئاسة، لن يكون مهماً بالنسبة للعدالة والتنمية أي التحالفين سيفوز بأغلبية
البرلمان، ففي كلتا الحالتين سيعلن عن تأييده للعودة للنظام البرلماني، بل ربما
يكون هو من يتقدم بمشروع القرار لرئاسة البرلمان، ولن يجد على الأغلب استجابة
سريعة من أحزاب تحالف المعارضة الحالي التي ترفع شعار النظام البرلماني المعزز،
لحسابات سياسية وانتخابية كما هو واضح.
لن يكون مهماً بالنسبة للعدالة والتنمية أي التحالفين سيفوز بأغلبية البرلمان، ففي كلتا الحالتين سيعلن عن تأييده للعودة للنظام البرلماني، بل ربما يكون هو من يتقدم بمشروع القرار لرئاسة البرلمان، ولن يجد على الأغلب استجابة سريعة من أحزاب تحالف المعارضة الحالي التي ترفع شعار النظام البرلماني المعزز، لحسابات سياسية وانتخابية كما هو واضح
وعليه، وبناءً على نتائج الانتخابات المقبلة وحسابات
السياسة المستقبلية، يبدو أننا أمام ثلاثة سيناريوهات لاحتمالية العودة للنظام
البرلماني: فوز أردوغان بالرئاسة بينما أغلبية البرلمان مع تحالف الشعب، أو فوز
كليتشدار أوغلو بالرئاسة وأغلبية البرلمان مع تحالفه، أو فوز كليتشدار أوغلو
بالرئاسة بينما أغلبية البرلمان مع تحالف الجمهور.
ورغم ذلك، فنحن لا نتحدث هنا عن سيناريوهات حتمية،
وإنما عن مسارات محتملة للسعي -مجرد السعي- في إطار دستوري لإعادة النظام
البرلماني للبلاد. وإلا فإن الأمر يتطلب أولاً أغلبية برلمانية مريحة لا يبدو أنها
ستتحقق وفق المعطيات الحالية، ويتطلب موافقة نواب الأحزاب التي تتبنى هذا الأمر
اليوم وهذا أمر غير مضمون بالكلية، وموافقة نصف الناخبين في استفتاء شعبي وهو أمر
غير معروفة فرصه في الشارع حتى اللحظة.
وعليه، ختاماً، فقد رفعت المعارضة فكرة إلغاء النظام
الرئاسي وتطبيق "نظام برلماني معزز" شعاراً لها في هذه الانتخابات،
لكنها ليست بالضرورة برنامجاً سياسياً ستتبناه بالنظر لعوائده السياسية المحتملة.
ولذا، تبقى فكرة تعديل بعض جوانب النظام الرئاسي الحالي ذات احتمالات لا بأس بها
في مرحلة ما بعد الانتخابات، بغض النظر عن الطرف الفائز بها.
twitter.com/saidelhaj