نشرت
صحيفة "
فايننشال تايمز" تقريرا أعدته راية الجلبي واندروا إنغلاند وسامر
الاطرش قالوا فيه إن الأسد الذي عومل لأكثر من عقد كمنبوذ دولي بسبب وحشيته ضد شعبه،
لكنه في الفترة الأخيرة بات يلعب دورا جديدا: استقبال الشخصيات العربية البارزة. فقد
شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الزيارات بعد 12 عاما من العزلة الإقليمية التي تقترب
من نهايتها بدون معالجة الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التابعة له وسحقه للانتفاضة
ومواجهة الحرب الأهلية التي تسبب بها.
وتقول
الصحيفة إن المسؤولين والمحللين في المنطقة يرون أن النقاش بات يدور حول معقولية إعادة
تأهيل الأسد وما يجب أن يقدمه من تنازلات مقابل هذا. ومن هنا يبدو التطبيع مع الأسد
محتوما حسب جوزيف ضاهر من معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا "ربما اختلفت الدول
العربية بعض الشيء، لكن الاختلاف تلاشى بشكل كبير في وقت زاد فيه الاهتمام المشترك
لتعزيز استقرار ديكتاتوري في المنطقة".
وبات يقود ركب التطبيع مع الأسد، كل من الإمارات
العربية المتحدة والسعودية التي التقى وزير خارجيتها الأسد في نيسان/ إبريل في أول
زيارة علنية من مسؤول سعودي منذ 2011. وجاءت الزيارة بعد زيارة وزير الخارجية السوري
للتباحث "بعودة
سوريا إلى محيطها العربي". في الوقت نفسه، يشعر الأسد بالثقة،
ففي لقاء لوزراء الخارجية لمناقشة عودة سوريا من جديد للجامعة العربية، قال المسؤولون
إنه لم يظهر اهتماما بتقديم تنازلات.
وقال
مسؤول: "السوريون يريدون تنازلا كاملا" و"يمزح البعض بأنه قد يطلب اعتذارا".
وهناك بعض الدول العربية مترددة بالتطبيع، من بينها قطر والكويت اللتان ترددتا بدعم
الخطط التي تقودها السعودية لدعوة سوريا لحضور القمة العربية هذا الشهر. إلا أن مسؤولين
بارزين من عدة دول عربية، بمن فيها السعودية والأردن والعراق ومصر بدأوا بالعمل على
قضايا لطرحها مع سوريا. وقال دبلوماسي إن المفاوضات هذه ستمتحن فيما إن كان الأسد
"جديا أم لا" حول عودته للحظيرة العربية.
وكانت
معظم الدول العربية قد قطعت علاقاتها مع الأسد في 2011، عندما بدأ بضرب وقصف وتعذيب
واستخدام الغاز ضد السوريين في محاولته لسحق التمرد الناشئ. وشردت الحرب أكثر من
14 مليون شخص في الداخل والخارج. إلا أن الدعم الذي حظي به من روسيا وإيران أدى لإنقاذ
نظام الأسد في النهاية واستعاد السيطرة على معظم المنطقة.
وبدأت
الدفعة للتواصل مع الأسد بقيادة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018
ثم البحرين. وقال أندرو تابلر، المسؤول السابق والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق
الأدنى إن الضغط من إدارة ترامب منع الآخرين من التحاور مع الأسد. وعند تلك النقطة
كانت المنطقة قد استهلكت بسبب التنافس السعودي- الإيراني ولهذا لم تكن هناك أية شهية
للتعامل مع الأسد. ودعمت دول الخليج المعارضة السورية ضد الأسد وعارضت الحضور الإيراني
في سوريا. إلا أن المواقف من طهران تغيرت بسبب ما يراه المسؤولون في المنطقة غيابا
في الرؤية الأمريكية الواضحة والرغبة السعودية – الإماراتية في خفض التوتر مع إيران
والجماعات الوكيلة لها، وهو ما عبد الطريق الشهر الماضي للتقارب السعودي- الإيراني
برعاية الصين.
وقال
مسؤول سعودي إن التواصل مع سوريا لم يكن "شرطا في الصفقة" لكن "كل واحد
ترك تأثيرا على الآخر" و"أعتقد أننا لم نكن لنصل إلى سوريا لو أننا لم نتواصل
مع إيران".
وحتى
تركيا الداعم المهم للمعارضة ضد الأسد اتخذت خطوات حذرة لتغيير موقفها. وبعد الهزات
الأرضية التي ضربت تركيا وسوريا في شباط/ فبراير خففت الولايات المتحدة العقوبات عن
سوريا لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بشكل دفع الدول العربية لاستغلال الزخم، بطريقة
أدهشت الولايات المتحدة حسب تابلر.
وعلى
خلاف 2018 لم تلق التحركات الأخيرة بدفعة من الولايات المتحدة، كما قال تابلر. وقال
محمد علاء غانم، مدير السياسة للمجلس السوري- الأمريكي: "لم تكن سوريا أولوية
لإدارة بايدن". وقال إن الولايات المتحدة انتقلت من "لا تتجرأوا على
التطبيع مع الأسد" إلى "لو طبعتم مع الأسد تأكدوا من الحصول على مقابل".
وأشار إلى تعليقات أخيرة من مسؤولة أمريكية بارزة قالت "يجب التعامل مع الأسد
كمنبوذ" ولو تواصلت الدول العربية مع الأسد فعليهم التأكد "من الحصول على
شيء". وبالتأكيد، فالرياض التي قادت التحركات الدبلوماسية الأخيرة نحو دمشق لن
تلتزم بالتطبيع الكامل مع الأسد بدون تحرك من الجانب السوري.
وقال
مسؤول سعودي بارز: "لا يعني فتح قنوات اتصال أنها كذلك" و"هي ليست مفتوحة
بشكل كامل وبدون تواصل لا يمكنك التفاوض حول ما تريد".
وقال
دبلوماسي عربي آخر إن عودة سوريا للجامعة العربية يجب أن تكون نتيجة جهود، وبعد لقاء
وزراء خارجية
الجامعة العربية، قال الدبلوماسي إن لجنة على مستوى عال من مسؤولي السعودية
والأردن والعراق ومصر التقوا لمناقشة الخطوات المقبلة.
وقال
الدبلوماسي العربي: "لقد توصلنا إلى إجماع حول الموضوعات التي نريد التركيز عليها"،
و"هناك موضوعات نريد من النظام تحقيقها".
وحظيت
المبادرة بزخم يوم الاثنين عندما التقى وزراء الخارجية في عمان لمناقشة الموضوعات،
وهذه المرة بحضور فيصل مقداد وزير الخارجية السوري. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية
الأردنية إن اللقاء هدف لمناقشة مبادرة "والتوصل لحل سياسي للأزمة السورية".
وبعد لقاء الاثنين أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أن دمشق وافقت على العمل ووقف
"تهريب
المخدرات" عبر الحدود إلى الأردن والعراق ومعالجة موضوع اللاجئين
والمشردين والمفقودين.
ومن
الصعب تحقيق تقدم، ويقول الخبراء إن القادة العرب لن يضغطوا على الأسد فيما يتعلق بالانتهاكات
خشية لفت الانتباه لانتهاكاتهم.
وبالنسبة
لملايين اللاجئين في الخارج الخائفين من تقارب الدول العربية مع الأسد فهم يخافون من
إجبارهم على العودة. ولهذا فقد تم التركيز على الكبتاغون الذي أصبحت التجارة فيه شريان
الحياة لاقتصاد سوريا. وتأثرت السعودية والإمارات والأردن بتهريب المخدرات عبر الحدود.
تقول
كارولين روز، من معهد نيولاينز: "أصبح الكبتاغون على رأس النقاشات المتعلقة بالتطبيع".
وقالت إن النظام استخدم تجارة الكبتاغون كورقة ضغط ومن "الحماقة التفكير أنهم
سيتوقفون". ولا يعرف في النهاية ما يعنيه التطبيع للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام
في شمال- غرب وشمال-شرق البلاد.
تقول
دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية إن "استئناف
العلاقات السياسية مع الأسد
يترك عدة أسئلة بدون جواب"، فقد أثبتت دمشق مرة بعد الأخرى أنها ليست مستعدة
للحوار بشأن حل سياسي "وليس بهذه الطريقة يعمل الأسد".