عدّاء الطائرة
الورقية،
الرواية الأولى للكاتب والطبيب الأمريكي من أصل أفغاني خالد حسيني،
أصدرها عام 2003، وتصدرت الرواية قائمة صحيفة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا
لأكثر من عامين، وصدر فيلم بنفس عنوان الرواية عام 2007، كما نالت رد فعل صاخب من
قبل القرّاء حول العالم.
صوّرت الرواية
أفغانستان بطريقة مختلفة عمّا نعرف، ففي جزء منها كانت أفغانستان بلاد الخير
والبركة، تملأ سماءها الطائرات الورقية، فتكوّن ألوانها لوحة فنيّة نكاد نراها لقوة
تصوير الكاتب، وفي الجزء الآخر كانت البلاد كئيبة، لا معالم فيها، لا ألوان في
السماء، ولا أطفال بالشوارع، هادئة إلا من أصوات الخوف المختبئة خلف جدران البيوت.
يرمز عنوان الرواية
إلى حسن، ذو الشفة الأرنبية، الشخصية التي كنا نلاحقها في الرواية لنعرف مصيرها،
والصديق المقرّب لأمير، الذي كان يعدو خلف الطائرات التي يسقطها صديقه من السماء في أثناء المبارزة.
بدأ الكاتب روايته
بتسريع الزمن حتى عام 2001، حيث كتب البطل عن حاله وقتها، مسترجعا ذكريات حدثت معه
عام 1975، ويظهر أن ذلك الحدث الذي عاش تفاصيله وهو منكمش خلف جدار طيني متصدع، هو
الحدث الذي كوّن شخصيته ولم يستطع نسيانه، ففي الثانية عشر من عمره أصبح ما هو عليه
الآن.
تعددت شخصيات الرواية،
بعضها كان لها دور رئيسي في تغيير مجرى الأحداث، وبعضها كانت شخصيات ثانوية ساعدت
على استمرار الأحداث، وتقوية الحبكة أو تحقيق الحل، ومال الكاتب إلى استخدام
الملفوظات الوصفية في تقديمه لمعظم شخصيات الرواية، أما الشخصيات الرئيسية فهي:
أمير جان، وحسن، ورحيم خان، وثريا، ووالد أمير، وآصف.
استلم بطل الرواية
مهمة نقل الأحداث لنا فكان راويها، واستخدم الرؤية السردية (الرؤية مع)، فكان يعلم
ما تعلمه الشخصيات لا أكثر.
الأحداث
دارت الأحداث في
الفترة ما بين عام 1975 وما بعد 2001، واستخدم الكاتب أسلوب (الوقفة) بكثرة،
فكثيرا ما كان يقف ليُسهب بالوصف، أو ليذكر جملة تأملية، فيؤدي ذلك إلى قطع
الأحداث برهة، واستكمالها بعد وقت قصير، كما أكثر من التنقل الزمني، وذلك عن طريق
استخدامه لخاصية (الفلاش باك).
خلال هذه الفترة، صورت
لنا الرواية حالة التوتر السياسي في أفغانستان، حيث سقط فيها النظام الملكي، وتدخل
الاتحاد السوفييتي، ثم صعد نظام طالبان بعد ذلك، وحرص الكاتب على أن يصف أدق
التفاصيل لهذه الأحداث التاريخية، من أصوات الدبابات الروسية، وأصوات البارود الذي
يضيف أجواء مرعبة على ليالي كابول، إلى شوارع أفغانستان وأحيائها الفقيرة والثرية،
وشهدنا على هذه الخلفية حال العائلة الأفغانية اللاجئة، سواء إلى باكستان أو
الولايات المتحدة، وشهدنا انحدار مستواهم المعيشي، وتراجع أعمالهم، خاصة ما كان
عليه والد أمير الذي كان رجل أعمال ثري في كابول، يؤسس دور الأيتام ومؤسسات رعاية
الأطفال، وعندما انتقل للعيش في الولايات المتحدة، أصبح يبيع الخردة.
قدم لنا الكاتب وثيقة
غنية بالتراث الأفغاني، من ثياب وطقوس، وأغاني الأعراس والحفلات وغيرها.
كما رأينا من خلال هذه
الخلفية السياسية والاجتماعية المضطربة قصة أمير وحسن، أبناء العاصمة كابول، أمير
ابن سيّد الأعمال المعروف بسمعته الطيبة في البلدة، وحسن صديق أمير، يعمل والده
عند والد أمير خادما، ينتمي كل منهما إلى جماعة وطائفة مختلفة، فأمير طفل سنيّ من
البشتون – من أرقى جماعات المجتمع الأفغاني- أصحاب الأموال والمناصب، أما حسن فهو
شيعيّ من الهزارة –الأقلية المنبوذة-، وتجلت ملامح التمييز ونبذ الأقليات في
المجتمع من خلال علاقتهما.
تبدأ أحداث الرواية
بذكر مواقف طريفة بين أمير وحسن، مواقف تدل على صداقتهما وأخوتهما، وتظهر من خلال
هذه المواقف شخصية حسن المخلص والشجاع، على عكس أمير الذي كان جبانا وأنانيا،
فكان يقول أمير عن حسن: "إنه وفيّ، وفيّ ككلب"
شهدنا العلاقة
المتوترة بين أمير ووالده، ورأينا غيرته على ولده من حسن، كما كان يرغب بأن يثبت
نفسه لأبيه، فتمنى أن يفوز في مسابقة الطائرة الورقية التي تشغل اهتماما عظيما
في مجتمع كابول، حتى يرى الفخر بعينيه.
وعندما تغلب أمير على
آخر طائرة ورقية في السماء عدا خلفها حسن، واعترض طريقه آصف – طفل البلدة
العدواني- وحاول أن يأخذها، لكن رفض حسن قائلا: "وعدت أمير أن أعود له بها،
ولن أعطيك إياها ولو كلفني ذلك عمري"، فاعتدى آصف على حسن، واغتصبه. في تلك
الأثناء، كان يراقب أمير ما يحدث مع حسن وهو خلف الجدار، وكان عليه أن يقرر أي
إنسان سيصبح، لكنه اكتفى بالصمت.
وعندما عاد حسن وبيده
الطائرة، رغم كل ما عاشه، قال جملته التي لا تنسى: "من أجلك ألف مرة
ومرة".
رحلة الغفران
فشل أمير بالهرب من
الماضي، حتى عندما انفصل عن حسن وغادر أفغانستان، كان المشهد الذي رآه من خلف
الجدران الباردة، ما زال في عقله.
وفي محاولته للتكفير
عن ذنبه، شهدنا ما يمكن أن يفعله الإنسان ليحرر نفسه من الندم، وليعود صالحا من
جديد.
ثم تبدأ رحلته من
الولايات المتحدة بعد اللجوء، إلى أفغانستان المدمرة، التي غيرها الزمن، وعاثت
فيها روسيا الفساد، وأقامت العنف فيها طالبان.
وصور الكاتب خلال هذه
الرحلة مشاهد الدمار التي رآها بالشوارع، ورائحة الحرائق التي تتغلغل بالجو،
وملامح الخوف والفقر على وجوه الناس.
محاسن ومآخذ
خرج الكاتب عن المألوف
في روايته، فبالغالب تكون شخصية البطل حسنة الخصال، توكل لها أدوار محببة في
المجتمع، لكننا من خلال البطل هذه المرة، لم نرَ إنسانا صالحا، بل محاولته لأن
يكون صالحا.
وفي إطار من الدراما
والتشويق، عرض حسيني العديد من القضايا، كالصداقة والحب والندم والعائلة واللجوء
ومعاناة الأطفال وغيرها.
شهدت الرواية شهرة
واسعة، ووجدت ترحيبا كبيرا من القرّاء والمثقفين، لواقعيّتها التي قد تجعلنا
نعتبرها وثيقة تاريخية لما حصل في البلاد تلك الفترة، مع أن أحداث الرواية استمرت
لما بعد آذار/مارس 2002، إلا أن الكاتب لم يذكر دور الاحتلال الأمريكي في خراب
أفغانستان، بل حمل المسؤولية لما فعله الاتحاد السوفيتي، ونظام طالبان، وكان
النصيب الأكبر من الوحشية لطالبان، وأصحاب اللحى الطويلة، وقد يعتبر هذا المأخذ
الوحيد على الرواية.
أخيرا، يمكننا القول؛ إن عدّاء الطائرة الورقية، رواية لا تنسى، تخطف الأنفاس، وتعلق بالذاكرة.