نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا، أشارت فيه إلى غضب المسؤولين الأمريكيين؛ بسبب تسريب عشرات
الوثائق السرية، والتي تغطي كافة أشكال جمع المعلومات الاستتخباراتية، إلى الإنترنت.
وقالت
الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن المسؤولين الأمريكيين كانوا مصعوقين وغاضبين من حجم المعلومات التي كشفت عنها الملفات التي فضحت الطريقة التي تقوم فيها
الولايات المتحدة بالتجسس على الأعداء والأصدقاء على حد سواء.
وجاءت الوثائق الأمريكية التي تحمل علامة "سري للغاية" من وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون في الأعم الأغلب، وتقدم معلومات تكتيكية عن وضع الحرب في أوكرانيا، بما فيها قدرات البلد القتالية. وتم إعداد معظم هذه الوثائق في الشتاء من قبل رئيس هيئة الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي، وغيره من القادة العسكريين، لكنها كانت متوفرة لمسؤولين أمريكيين آخرين ومتعهدين لديهم تصاريح أمنية.
وتحتوي الوثائق الأخرى على معلومات عن الوكالات الاستخباراتية الأمريكية الأخرى جمعتها عن
روسيا وعدة دول أخرى، وكلها تقوم على معلومات مستقاة من مصادر أمنية سرية.
وتعتقد الصحيفة أن الإحاطات والملخصات تقدم صورة نادرة عن عالم
التجسس الأمريكي. فمن بين الأسرار الأخرى التي كشفت عنها الوثائق معلومات حول الأماكن التي جندت فيها المخابرات مخبرين عارفين بلقاءات لقادة العالم خلف الأبواب المغلقة، وكذا تنصت يظهر محاولة مجموعة فاغنر الحصول على أسلحة من دولة في الناتو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية وصور أقمار اصطناعية استخدمتها الولايات المتحدة لملاحقة القوات الروسية، بما في ذلك تكنولوجيا لم يتم الكشف عنها من قبل.
وتعلق الصحيفة أن مسؤولين من عدة دول يحاولون تقييم الضرر الذي نجم عن تسريب الوثائق، وتساءل الكثيرون عن سبب تسربها دون ملاحظة أحد ولوقت طويل.
ويبدو أن عدة وثائق سرية للغاية طبعت ثم وضعت في باقة، وتمت مشاركتها ما بين 28 شباط/ فبراير و2 آذار/ مارس على منصة "ديسكورد"، والتي يستخدمها المحترفون والهواة بألعاب الكمبيوتر. وتمت مشاركة الوثائق من مستخدم إلى خادم يطلق عليه "واو ماو".
وتعطي الوثائق صورة عن التحضيرات للحرب في أوكرانيا خلال الشتاء، إلا أن المسؤولين لم يعرفوا عنها إلا عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس، حسب أشخاص على معرفة بالأمر.
وقال أحد المسؤولين إن القيود كانت مشددة، وتعكس حالة الفزع داخل البنتاغون. وعبر مسؤول استخباراتي أوروبي عن قلقه من القيود الأمريكية على تدفق المعلومات بشكل تجعلهم غير عارفين بما يجري.
وتحمل معظم الوثائق رمز “NOFORN"، ويعني أنها "غير مسموحة للأجانب". في وقت تم السماح بمشاركة وثائق أخرى مع حلفاء أمريكا في مجموعة التجسس "العيون الخمس" أو (فايف آيز)، والتي تضم كندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزلندا إلى جانب أمريكا. واحتوى بعضها على نشاطات تجسسية كندية وبريطانية، ما يعني أن التداعيات السلبية للتسريبات لن تقتصر فقط على الولايات المتحدة فقط.
وقال مسؤول آخر: "نحن بحاجة لإدارة هذا بشكل جيد دوليا ومحليا، وهناك عدد من المؤسسات والوكالات المتورطة".
وفتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقا في التسريب، ورفض المتحدث باسم "ديسكورد" منشأ التسريبات التعليق. ولم يعرف بعد مدى وحجم التسريبات.
وقال المسؤول الأمريكي الثاني إن ما ظهر على الإنترنت يبدو أنه جزء من مجموعة من الملفات، لكن أحدا لا يعرف. وراجعت الصحيفة 50 صفحة من الوثائق المسربة، وتغطي كل ملمح من ملامح عمل أجهزة المخابرات الأمريكية، بما فيها وكالة الاستخبارات الوطنية، و"سي آي إيه"، ووكالة الاستخبارات العسكرية، ووكالات حفظ النظام والقانون، ومكتب الاستطلاع الوطني، الذي يعد من أكثر الأجهزة سرية، ويراقب مجموعة من الأقمار الاصطناعية التجسسية التي تكلف الحكومة مليارات الدولارات.
وتغطي الوثائق بشكل أساسي الحرب في أوكرانيا من ناحية تقييم مسار الحرب وإلى أين تتجه، وما هي طبيعة الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا، وهي تقييمات تسهم في تحديد قرارات إدارة بايدن، وكيفية دعم أوكرانيا، والرد على استراتيجية روسيا العسكرية.
وفي تقييم يعود إلى 23 شباط/ فبراير، توقع المحللون الأمريكيون حرب استنزاف طاحنة في إقليم دونباس، وفشل روسي بالسيطرة على المنطقة بنهاية 2023. وتم دعم الوثيقة التي طبعت بخط عريض بصور من الأقمار الاصطناعية التجسسية والتجارية.
وحقيقة جمع الولايات المتحدة معلوماتها من مصادر مفتوحة وسرية معروفة، إلا أن المسؤولين الأمريكيين عبروا عن خشية من مساعدة الوثائق المسربة روسيا في إحباط بعض منافذ جمع المعلومات. ففي نفس الوثيقة، التي تعود إلى 23 شباط/ فبراير، تم ذكر مصدر المعلومات وهو "لابيس تايم- فيديو سيرز"، وهو نظام أقمار اصطناعية متقدم، ويلتقط صورا جيدة للأهداف على الأرض، وربما أصبح الآن هدفا للتشويش الروسي.
وما تكشف عنه الوثائق هو أن الولايات المتحدة اخترقت القوات الروسية بشكل عميق، بحيث تستطيع تحذير الأوكرانيين مقدما من تحركات الروس وخططهم ومكامن ضعفهم وقوتهم، وهذا أمر معروف، لكن لم يتم الكشف عنه بشكل علني. ففي وثيقة من صفحة واحدة، كشف الأمريكيون عن خطط وزارة الدفاع لضرب القوات الأوكرانية في موقعين، إلى جانب غارات على محطات الطاقة والجسور.
وتكشف الوثائق عن معرفة الاستخبارات الأمريكية بخطط لوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (جي أر يو) القيام بحملة دعاية في أفريقيا لتشويه الولايات المتحدة وفرنسا تحديدا، وزرع معلومات خاطئة في الصحافة الأفريقية؛ لتشويه أوكرانيا ورئيسها فولدومير زيلينسكي.
وتظهر الوثائق نجاحات عدة للمخابرات الأمريكية، وكشفها عن مكامن الضعف الروسية، ونضوب قدرات موسكو العسكرية بعد عام من الحرب. وبعيدا عن النجاحات هذه، إلا أن بعض الوثائق قد تثير جدلا دبلوماسيا، منها محاولة شركة فاغنر الحصول على أسلحة من متعهد تركي لاستخدامها في أوكرانيا ومالي.
وأكد الرئيس الانتقالي أسيمي غويتا أن بلاده ستحصل على أسلحة من تركيا نيابة عن فاغنر. لكن التقرير لا يذكر مدى علم الحكومة التركية بالأمر، وإن صادقت على جهود المتعهد.
كما تكشف الوثائق عن خطط فاغنر الاعتماد على السجناء الروس للقتال في أوكرانيا، ومثل التقرير الذي يتحدث عن لقاء مسؤولي الشركة مع متعهد تركي، فالمعلومات عنها جمعت عبر "إشارة استخباراتية"، أي التنصت الإلكتروني.
وعن التداعيات الجيوسياسية للحرب، تكشف وثيقة لـ"سي آي إيه"، وهي عبارة عن تلخيص للوكالة وعبارة عن رؤية للوضع الأمني العالمي، أن الصين ستستخدم الهجمات الأوكرانية في العمق الروسي كدليل على عدوانية الناتو، وقد تزيد الصين من مساعداتها لو رأت أن الهجمات "مهمة".
ولم تقدم بكين بعد أسلحة فتاكة إلى روسيا، لكن هجوم أوكرانيا على موسكو مستخدمة أسلحة أمريكية ومن الناتو سيقدم إشارة لها بأن "الولايات المتحدة مسؤولة مباشرة عن التصعيد".
وتظهر الوثائق المسربة متابعة أمريكا جهود إيران للحصول على أسلحة نووية. وفي إحاطة احتوت على مراقبة لجهود إيرانية لفحص صواريخ باليستية قصيرة المدى. وهناك إحاطة تشكك في قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بمراقبة أمنية للمشروع النووي الإيراني.
وفي تقارير أخرى، تقدم صورة عن متابعة المخابرات الأمريكية لوضع البرامج النووية الكورية الشمالية. وفي تقرير آخر، تحدث عن نقاشات داخل مجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية حول طلب أمريكي لتزويد أوكرانيا بذخيرة.
واقترح مسؤول في المجلس بيع الأسلحة لبولندا، التي تسيطر على معظم عمليات نقل الأسلحة إلى أوكرانيا. وحاولت صحيفة "واشنطن بوست" معرفة مصدر الوثائق، حيث تتبعت مستخدما شارك صورا في شباط/ فبراير وآذار/ مارس، حسب مراجعة لمنشورات سابقة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومقره في ساوث كارولينا.