منذ انطلاق محاكمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب، فقد ظهرت تساؤلات حول مدى تأثير هذه القضية على المشهد السياسي، وعلى حظوظه في العودة إلى البيت الأبيض.
ويحاول ترامب استغلال محاكمته لصالحه، حيث اعتبر أن المحاكمة سياسية، تهدف لزيادة حظوظ منافسه المحتمل في انتخابات الرئاسة القادمة جو
بايدن، كما أنه سعى لجمع التبرعات لحملته الانتخابية.
تأثير متباين
ووفقا لاستطلاع رأي أجرته شركة "يو جوي" فإن شعبية ترامب داخل الحزب الجمهوري في ارتفاع، حيث حصل على نسبة تأييد أكثر من 50 في المائة، بالمقابل حصل منافسه داخل الحزب حاكم فلوريدا رون ديسانتيس على نسبة دعم 21 في المائة.
وترافق مع سعي ترامب لاستغلال محاكمته انتخابيا ما بدا أنه نوع من التجاهل من قبل الرئيس الديمقراطي جو بايدن، حيث ركز في معظم تغريداته على بعض الإنجازات التي يقول إن إدارته حققتها، ما يدفع للتساؤل عن مدى تأثير هذه المحاكمة على المشهد السياسي الأمريكي بشكل عام، وعلى حظوظ ترامب بالعودة للرئاسة بشكل خاص؟
ألان ليشتمان، أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية بواشنطن، أوضح أن "تأثير المحاكمة على حظوظ ترامب في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري يختلف عن تأثيرها على فرصه في الانتخابات العامة".
وتابع ليشتمان خلال حديثه لـ"عربي21": "صورة ترامب الغاضب الذي يواجه لائحة اتهام في نيويورك ليست جيدة بالنسبة له، لكن قد لا تؤثر محاكمته على جمهور الناخبين في الانتخابات التمهيدية للحزب، لا سيما أن معظم منافسيه على الترشيح قد انضموا إلى الهجوم معه على المدعي العام".
وأضاف: "جمعت هجمات الجمهوريين على المدعي العام في مانهاتن "ألفين براغ" وهو من أصل أفريقي -وقد وصفه ترامب بالحيوان- بين معاداة السامية والعنصرية من خلال اتهامه بأنه دمية الملياردير اليهودي جورج سوروس، الذي لم يلتق به أو يتصل به مطلقًا".
وأكد أنه "بالمقابل عندما يتعلق الأمر بالانتخابات العامة فالأمر مختلف، فإن لائحة الاتهام وبالتأكيد الإدانة إذا حدثت، ستجعل من الصعب على ترامب الفوز في انتخابات عامة من خلال التوسع خارج قاعدته الأساسية".
ولفت ألان ليشتمان الذي توقع خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى أن "استطلاع رأي لشبكة سي إن إن أظهر أن 60 في المائة أيدوا لائحة الاتهام في نيويورك. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد 70 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن ترامب إما ارتكب جريمة أو تصرف بشكل غير أخلاقي".
حملة انتخابية
بالمقابل يرى الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، جو معكرون، أن "محاكمة ترامب ستكون جزءا من الحملات الرئاسية للحزبيين، لكن يخطئ الحزبان الديمقراطي والجمهوري إذا جعلاها القضية الرئيسية في معركتهم".
وتابع معكرون في حديث خاص لـ"عربي21": "أيضا نظرا للبيروقراطية القضائية فلن تنطلق هذه المحاكمة على الأرجح إلا بعد موعد الانتخابات، حيث سيحاول فريق ترامب القانوني تأجيل موعد إطلاق المحاكمة كجزء من خطة الدفاع".
وحول تأثير هذه المحاكمة على الحزب الجمهوري قال معكرون، إنها "ستعزز الانقسامات الداخلية الموجودة أصلا في الحزب، بين من يعتبر أن ترامب ضحية حملة مبرمجة ويحب الدفاع عنه، وبين من يرى أنه يجلب المشاكل القانونية وغيرها، ما يضعف قدرة الجمهوريين على الفوز".
وعن تأثيرها على حظوظ ترامب أكد معكرون، أنها "ستعزز شعبيته بين قاعدته وتساعد حملته الرئاسية، لكنه لا يزال يواجه مشكلة سقف شعبيته المحدود بين الأمريكيين".
تأثير محدود
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي قد أشارت إلى زيادة نسبة تأييد ترامب داخل الحزب الجمهوري، إلا أنها لم تُظهر بعد ما هي إمكانية نجاحه بالحصول على تأييد غالبية أعضاء الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية وعلى فرصه في الفوز بانتخابات الرئاسة القادمة.
فحتى خصوم ترامب داخل الحزب الجمهوري أعلنوا تأييدهم له في هذه القضية، حيث قال منافسه الجمهوري على ترشيح الرئاسة داخل الحزب، حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، إن "تحويل النظام القانوني إلى سلاح من أجل أجندة سياسية يقلب سيادة القانون رأسا على عقب".
وأكد أنه "لن يقدم المساعدة في حال ما صدر طلب تسليم ترامب من فلوريدا إلى نيويورك".
بالمقابل اعتبر نائب الرئيس السابق مايك بنس، أن لائحة الاتهام ضد ترامب قد بعثت "رسالة مروعة" إلى العالم بشأن العدالة الأمريكية".
بدوره اعتبر الباحث المختص في العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية، خالد الترعاني، أن "توجيه اتهام للرئيس السابق دونالد ترامب هو زلزال تاريخي ولكنه ليس زلزالا سياسيا، فهذه أول مرة بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يتم فيها اعتقال رئيس سابق وتوجه له تهم جنائية، ولكن برغم أهميته يبقى تأثيره محدودا".
وأكد الترعاني خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "لا يمكن معرفة تأثير المحاكمة على المشهد السياسي الأمريكي في الوقت الحالي، لأن المشهد لم يكتمل بعد، حيث ستُعقد أول جلسة استماع للقضية التي اعتقل على أثرها ترامب في كانون أول/ ديسمبر، بمعنى أن هناك وقتا طويلا حتى نرى تداعيات هذه الاتهامات التي وُجهت له، كذلك إذا ما كان هناك توجيه اتهامات أخرى فقد يجعلنا نعلم ما إذا كان هناك تأثير كبير على المشهد السياسي عموما".
وأعرب عن اعتقاده بأن "القضية الحالية ليست هي التي تُحدد التأثير على المشهد السياسي أو على حظوظ ترامب، بل نتيجة التحقيقات في ولاية جورجيا، واتهام دونالد ترامب بأنه حاول التأثير على نتائج الانتخابات أو تغيير نتيجة الانتخابات".
وأضاف: "قضية جورجيا أكثر جدية وقد يكون لها تأثير سلبي أكبر على ترامب إذا تم اتهامه واعتقاله بناء عليها، وهناك الآن هيئة محلفين قائمة تحقق في هذا الموضوع، وأعتقد أن هناك احتمالية أن يتم توجيه تهم له في هذه القضية".
وأكد أن "هناك قضية أخرى لها تأثير أكبر من الحالية، وهي قضية الوثائق السرية التي تم العثور عليها في بيت ترامب في فلوريدا، وفي هذه أيضا هناك هيئة محلفين قائمة تطلع على الأدلة للبحث في إصدار لائحة اتهامات ضده".
وحول تأثير القضايا على حظوظ ترامب، يرى الترعاني، أن "حالة الاستقطاب ستكون واضحة، بمعنى أن الذين يؤيدون ترامب سوف يزداد تأييدهم له، والذين يقفون ضده سيزدادون تطرفا في مناوأته، ومن هم في الوسط الذين لا هم ديمقراطيون ولا جمهوريون معظمهم سيتجهون بعيدا عنه، ولكن تحديد إلى أي مدى يمكن أن يصل تأييد هذه المجموعة للحزب الديمقراطي سيعتمد على ما إذا كان سيتم توجيه اتهامات لترامب في جورجيا وواشنطن بسبب الوثائق السرية".