اقتصاد عربي

دخول بريطاني فرنسي على خط الاستحواذ الدوائي بمصر.. هل يؤثر على الخليجيين؟

شركات خليجية استحوذت على العديد من الشركات الدوائية الكبيرة في مصر- اليوم السابع
في الوقت الذي تواصل فيه صناديق الاستثمار الخليجية إحجامها عن إتمام صفقات الاستحواذ على بعض الطروحات المصرية الأخيرة لـ 32 شركة عامة، وفرض شروط قاسية بينها التسعير بالجنيه المصري؛ فقد جرت صفقة استحواذ كبيرة لتحالف بريطاني فرنسي في قطاع الأدوية المصري.

واستحوذ تحالف من شركة "ديفيلوبمنت بارتنرز إنترناشونال" (دي بي آي) البريطانية للاستثمار المباشر، وشركة "أميثيس" للاستثمار المباشر الفرنسية، على حصة أقلية في شركة "ماركيرل" المصرية للصناعات الدوائية.

"أهمية التحالف الأوروبي"

القصة نشرت عنها نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المتخصصة، الثلاثاء، مؤكدة أن الأطراف الثلاثة رفضت الكشف عن حجم الحصة وقيمة الصفقة.

ولفتت إلى أن البريطانية "دي بي آي" خصت الاستثمارات للصفقة من خلال صندوقها الثالث بقيمة 900 مليون دولار (إيه دي بي 3)، أحد أكبر صناديق الاستثمار المباشر التي تركز على أفريقيا في العالم، فيما شاركت الفرنسية "أميثيس" في الصفقة عبر صندوقها الثاني (أميثيس 2).

أهمية ذلك الاستحواذ تتزايد مع الحضور القوي للشركتين البريطانية والفرنسية بالسوق المصرية، إذ إن "دي بي آي" استحوذت ضمن تحالف مستثمرين على 99.6 بالمئة من شركة "أدويا للصناعات الدوائية"، عام 2020.

كما أن الشركة البريطانية تعد مستثمرا رئيسيا بشركة "بي تك" لتجارة التجزئة وتوزيع الأجهزة المنزلية والإلكترونية، قبل أن تتخارج من حصتها في 2022، فيما تمتلك 33 بالمئة من شركة المدفوعات "إم إن تي" التابعة لشركة "جي بي أوتو".

وللشركة أعمال في 8 دول، مع المقر الرئيسي في المملكة المتحدة ومكاتب في الإمارات، والهند، وموريشيوس، وجنوب إفريقيا، وكينيا، فيما تسعى منذ العام 2018، على يد المؤسس والرئيس التنفيذي لها كلايتون هايوارد، في اختراق السوق الأفريقية.

أما "أميثيس"، الفرنسية فقد أنجزت أول صفقة لها بمصر في 2022، بعد مشاركتها مع تحالف أوروبي للاستحواذ على 90 بالمئة من شركة "غلوبال كورب" للخدمات المالية غير المصرفية، فيما تدرس بعض الفرص في قطاعات مصرية أخرى عبر صناديقها المختلفة، بحسب "إنتربرايز".

و"أميثيس" صندوق استثمار تأسس عام 2012 من شراكة مع أدمون دي روتشيلد، الشركة التاريخية بالقطاع المالي العالمي، ويستثمر بأفريقيا وأوروبا، وله مكاتب بباريس، والدار البيضاء، وأبيدجان، ونيروبي، ولوكسمبورغ، ويدير محفظة مالية تفوق الـ150 مليون يورو.

"قيمة الشركة"

"ماركيرل"، مقرها بمدينة العبور بمحافظة القليوبية شمال القاهرة، وتعمل بالسوق المصرية قبل 25 عاما، إذ تأسست عام 1998، لتصبح بين شركات الأدوية العشر الرائدة في سوق به نحو 105 ملايين نسمة.

وتنتج بشكل أساس مضادات الفيروسات بجانب العلاجات الهرمونية وأدوية القلب في إجمالي 112 مستحضرا دوائيا تغطي القطاعات العلاجية المختلفة.

ووفقا لتصريحات صحفية لمديرها وجدي منير، الثلاثاء، سجلت الشركة مبيعات بقيمة 3.5 مليار جنيه عام 2022، مقارنة بـ2.5 مليار في عام 2021، بنسبة نمو 40 بالمئة.

وبهذا تكون الشركة قد ضاعفت إيراداتها 3 مرات في 5 سنوات، واستحوذت على حصة سوقية تتجاوز الـ2 بالمئة من السوق المحلية.

وحول مستقبل الشركة في ظل الاستحواذ البريطاني الفرنسي، توقع العضو المنتدب بالشركة البريطانية جورج مسيحة، بحديثه لنشرة "إنتربرايز"، الثلاثاء، "الوصول لأسواق جديدة بأفريقيا، وتوسيع التواجد بالسوق المحلية".

"توقيت الصفقة وأجواؤها"

ومنذ طرح الحكومة المصرية في شباط/ فبراير الماضي، 32 شركة مملوكة لها وللجيش للاكتتاب في البورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين خلال عام، تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، فإنه أثير الخلاف مع مستثمرين خليجيين حول تقييم تلك الصفقات بالجنيه أم بالدولار.

هذا الخلاف بدا لافتا مع الجانب السعودي، بشأن تقييم صفقة بيع "المصرف المتحد"، المملوك للبنك المركزي المصري، للصندوق السيادي السعودي، لتتوقف المفاوضات الشهر قبل الماضي، لرغبة القاهرة في التقييم بالدولار، وإصرار الرياض على التقييم بالجنيه، الذي يعاني تراجعا تاريخيا مقابل العملات الأجنبية.

ولذا فإن اتمام تلك الصفقة في هذا التوقيت، يدفع للتساؤل عن دلالات استحواذ اثنتين من كبرى شركات الاستثمار الأجنبية المباشر في اثنتين من أكبر بلدان أوروبا الصناعية، على الشركة المصرية "ماركيرل"، وتأثيره على الطروحات المصرية.

كما أنه يدفع أيضا للتساؤل، حول دور هذا الاستحواذ في إثارة حفيظة ومخاوف المستثمرين الخليجيين ودفعهم لتقليل شروطهم والإقبال على الطروحات المصرية دون قيود.

وكذلك، هل يعني ذلك أن الشركتين البريطانية والفرنسية لديهما ثقة في السوق المصري رغم أزماته المالية؟ وهل يعد الاستحواذ مؤشرا على ظهور محتمل لمستثمرين غير خليجيين آخرين ومنافسة الخليجيين بقوة على الطروحات المصرية؟

"ثقة بقطاع الأدوية"

الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي الدكتور محمود وهبة، وفي إجابته على تلك التساؤلات، قال إن الصفقة وبرغم ما يعانيه الاقتصاد المصري فإنها تأتي لتؤكد على وجود حالة من "الثقة في قطاع الأدوية المصري"، نافيا أن تكون تلك الثقة في الاقتصاد ككل.

وفي إجابته على تساؤل "عربي21"، "هل يخيف ذلك الاستحواذ الخليجيين ويدفعهم لتقليل شروطهم وتحسين التسعير؟"، أكد أن "الخليج يمتلك مصر فعليا، وسيفعل مستثمروه ما يريدون"، متوقعا عدم تراجع الخليجيين عن شروطهم أو تغيير طريقة تثمين الصفقات.

وحول ما قد يتبع ذلك الاستحواذ ودخول التحالف الفرنسي والبريطاني بقوة للسوق المصرية دخول مستثمرين أوروبيين آخرين وغير خليجيين، يزيدون من رواج الصفقات المصرية، يرى وهبة، أن "مصر لا تحتاج إلى استحواذات إضافية".

وأضاف: "مصر في أزمة، والأموال نتيجة بيع الأصول ستذهب لسداد فوائد وأقساط وخدمة الديون، ولن تكفي بأي حال لحل الأزمة المالية الحالية، حتى ولو تم بيع البلد كلها"، وفق تعبيره.

"تعجيز خليجي"

واعترفت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأمريكية الاثنين، أن السعودية تضيق الخناق على مساعدة القاهرة وترفض منحها مزيدا من "الشيكات على بياض" رغم مرور مصر بأزمة اقتصادية عميقة.

وقالت إن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يضع شروطا متزايدة لمثل هذه المساعدات، مصرا على ضرورة إجراء مصر إصلاحات اقتصادية مثل خفض الدعم وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.

ولفتت الصحيفة إلى أن الكيانات السعودية سعت لشراء الأصول بأسعار منخفضة، فيما نقلت عن خبراء قولهم إن هذا النهج يعتبره "المصريون استغلالا للوضع السيئ من جانب السعوديين ولا يهدف لمساعدتهم".

"مصير مرعب"

وفي رؤية سياسية، أعرب السياسي المصري مجدي حمدان موسى، عن مخاوفه الكبيرة من دخول ذلك التكتل وغيره لمصر، قائلا لـ"عربي21": "هذا الاستحواذ يثير الكثير من التساؤلات، والمخاوف، فهل هو غربي الجنسية أو مجنس؟".

وأضاف: "يضر كثيرا بالأمن القومي المصري، مثل هذا الاستحواذ على الشركات المصرية كما حدث في الماضي، بالاستحواذ على الصناعة المصرية وعلى محلات وعقارات بمناطق متفرقة".

وأكد أن "وجود أصحاب هذه الشركات يثير الشكوك والجدل، والتساؤل: هل هم لديهم النية بالفعل للتطوير أم فقط الاستحواذ وفرض الهوية على الأرض المصرية؟".

حول ما يتعلق باستحواذات الخليج، أعرب موسى، عن مخاوفه الشديدة ليس فقط من السيطرة على الصناعات الهامة كالأدوية وقطاع الصحة، بل أيضا "من توجه الخليج الصريح للسيطرة على الموانئ المصرية ومدخلاتها ومخرجاتها".

وتابع: "لا يستطيع أجنبي أيا كانت جنسيته الاستحواذ على سهم بموانئ الإمارات، وأمريكا نفسها رفضت الاستثمارات الخليجية بموانئها".

ويعتقد أنه "كان يجب أن نسير على مثل هذا النهج في عدم وجود مستثمر أجنبي في مناطق الموانئ والحاويات والصناعات الاستراتيجية وغيرها"، لافتا إلى أن خسائر مصر شديدة من أي استحواذ كان.

وأشار إلى أن "الاستحواذ الخليجي العام الماضي على شركة (الإسكندرية للحاويات) حقق أرباحا كبيرة، واستعاد الخليجيون رأس مالهم خلال عام واحد 180 مليون دولار، بعدما ربحت الشركة 2.6 مليار دولار".

وأضاف: "هذا رقم صافي أرباح كبير جدا، يجعلنا نتساءل: أين الدولة من محاسبة من كانوا يترأسون تلك الشركة وغيرها؟، وهل هم قطاع مدني يمكن محاسبته أم جهات أخرى فوق المساءلة؟".

وعن احتمالات أن تزيد الصفقة البريطانية الفرنسية على شركة الأدوية المصرية النهم الخليجي على الأصول المصرية، قال موسى، إن "الاستثمار الخليجي لم يتوقف على الشركات والأراضي والعقارات ولكنهم بدأوا في الاستحواذ على أجزاء كبيرة من الأمن القومي".

"ولع خليجي"

ولقطاع الصحة الاستراتيجي والذي يعد من نقاط الأمن القومي المصري الهامة، أهمية خاصة لدى المستثمرين الخليجيين الذين حصلوا على نسب واسعة من القطاع عبر استحواذات سابقة وحالية منتظرة، مثيرة لمخاوف المصريين.

وللشركات الإماراتية حضور قوي ولافت في قطاع الصحة، إذ تمتلك نحو 15 مستشفى كبيرا، وحوالي 100 معمل تحاليل ومركز أشعة لها اسمها في البلاد.

وقامت الشركات الإماراتية بعمليات استحواذ واسعة على مستشفيات مصرية خاصة، فيما أتت أهم الصفقات ما نفذته مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة "أبراج كابيتال" الإماراتية في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.

وأصبح التكتل الكبير يضم مستشفيات "القاهرة التخصصي"، و"النيل البدراوي"، و"الشروق"، و"الكاتب"، و"كوينز"، و"بداية"، و"السلام الدولي" بالمعادي والقطامية، و"دار الفؤاد" 6 أكتوبر ومدينة نصر، ومعامل "يوني لاب"، و"المركز الألماني" لإعادة التأهيل، ومجموعة عيادات "طبيبي 24/7".

كذلك تساهم الشركات الإماراتية في قطاع إنتاج الأدوية المصرية بقدر متزايد باستحواذات على أكبر شركات الأدوية في السوق الكبير الذي يخدم أكثر من 100 مليون نسمة، وتقدر قيمة الاستثمارات فيه بحوالي 45 مليار دولار.

وفي مقابل الحضور الإماراتي، يأتي الحضور القطري لافتا خلال زيارة رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، للدوحة، نهاية شباط/ فبراير الماضي، ولقائه الأمير تميم بن حمد الاثنين، وقعت شركة استثمار القابضة القطرية، مذكرة تفاهم مع وزارة الصحة المصرية للاستثمار في تطوير قطاع الرعاية الصحية بمصر.

وفي إطار حاجة مصر لدعم اقتصادها عبر الاستثمارات الخليجية، وقع مسؤولي القاهرة خلال الزيارة 3 مذكرات تفاهم بين وزارة الصحة المصرية، وعدد من الشركات القطرية، في مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع