قال مدير مكتب منظمة
أوكسفام في
سوريا، معتز أدهم، إن "الانهيار يطال كل نواحي الحياة في سوريا، وإن أي انهيار لأي قطاع سيؤدي بالتبعية إلى انهيار قطاعات أخرى، وسينتج عنه تأثير أكبر على الصحة العامة في سوريا".
ولفت إلى أن "القطاع الصحي الآن في وضع صعب جدا"، مُحذرا من تفاقم الكارثة بشكل أسوأ خلال الفترة المقبلة.
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "القطاع الصحي في سوريا عرضة للانهيار بعد الخروج من وباء كورونا، وفي ظل انتشار وباء الكوليرا الذي ما زالت البلاد تعاني منه قبل وبعد الزلزال"، مشيرا إلى أن "قطاع الكهرباء انهار بالفعل؛ فمعظم المناطق السورية لا تصلها الكهرباء أكثر من ربع ساعة كل 5 ساعات".
ولفت أدهم إلى أن خطة الاستجابة التي وضعتها (أوكسفام) لمواجهة آثار الزلزال تستهدف "الوصول إلى مليوني شخص خلال ثلاث سنوات داخل سوريا وتركيا مجتمعتين، منهم 800 ألف شخص داخل سوريا فقط، وقد حققنا من المُستهدف في سوريا قرابة الـ60 ألف شخص بعد شهر و20 يوم تقريبا".
وأوضح أدهم أن "جهود العمل الإنساني في سوريا –حتى قبل الزلزال– تعاني دائما من نقص التمويل؛ فخطة الاستجابة لعام 2022 لم تُموّل إلا بـ 50% فقط، أما خطة الاستجابة لعام 2023 وبعد مرور ثلاثة أشهر فإنها مُوّلت بـ 5% فقط من حجم المبلغ المطلوب".
وتابع: "بعد وقوع الزلزال كانت هناك استجابة من بعض الجهات المانحة، لكنها كانت استجابة خجولة، ولا تناسب الاحتياجات المطلوبة على أرض الواقع، ونؤكد هنا أن الاحتياجات غير مرتبطة بوقوع الزلزال، بل الاحتياجات كانت مطلوبة حتى قبل وقوعه؛ فهناك أكثر من 15 مليون سوري بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية قبل وقوع الزلزال، والوضع كارثي بالفعل".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى ما آلت إليه الأوضاع في الشمال السوري اليوم بعد كارثة الزلزال؟
بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على الزلزال، لا يزال الاحتياج كبيرا في الشمال السوري، خاصة أن الزلزال أتى ليفاقم آثار اثني عشر عاما من النزاع، في الوقت الذي يحتاج فيه قرابة الـ15 مليون سوري للمساعدات الإنسانية؛ فالوضع كان كارثيا حتى قبل الزلزال.
اليوم باتت العديد من العائلات السورية غير قادرة على العودة لمنازلها، والأغلبية منهم لديهم تخوفات من انهيار المباني المتصدعة، ولا يعلمون إلى متى سيستمرون في العيش داخل مراكز الإيواء، إلى جانب الأعداد الكبيرة منهم الذين تستضيفهم عائلات الأصدقاء والأقارب.
الكثير من العائلات التي تواصلنا معها تتخوّف من استمرار قضاء شهر رمضان في مراكز الإيواء ودون أي تحضيرات للشهر المبارك.
وإذا نظرنا لمعاناة السوريين منذ عام 2011 نلاحظ أن السوريين واجهوا الكثير من الصدمات لفترات طويلة؛ وقد تمر شهور، وربما سنوات، قبل أن يتمكن السوريون المتضررون من الكارثة الأخيرة من إعادة بناء حياتهم من جديد.
في كوارث طبيعية مماثلة للزلزال الذي ضرب سوريا نجد أن العمل الإنساني في الأسابيع الأولى يتركز في إنقاذ أرواح الناس، وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر يكون التركيز على مساعدة المجتمعات في إعادة بناء حياتها، لكن في الحالة السورية نجد الأمر مستحيلا بسبب "تسييس العمل الإنساني"، لذا فمسألة مساعدة المجتمعات على بناء حياتها في السياق السوري أمر مستحيل على المدى القريب.
ما طبيعة الجهود التي تقوم بها منظمة "أوكسفام" في مواجهة آثار الزلزال؟
يقوم فريقنا مع شركائنا المحليين بالاستجابة لتداعيات الزلزال عن طريق إيصال مياه الشرب النظيفة للعائلات المقيمة في مراكز الإيواء، وكذلك العائلات المتضررة في المجتمعات المضيفة، كما نقوم بزيادة القدرة التخزينية للمياه داخل مراكز الإيواء من خلال تركيب خزانات إضافية لتغطية احتياج العائلات المقيمة داخل تلك المراكز، كما أننا نعمل على إصلاح دورات المياه، وشبكات المياه المتضررة داخل المجتمعات المضيفة.
ويقوم فريقنا بتوزيع مواد النظافة على العائلات داخل مراكز الإيواء، ودعم أنشطة تقييم سلامة المباني لضمان عودة العائلات إلى منازلهم، وأيضا نعمل على تنفيذ مشروع إعادة تأهيل بعض المخابز المتضررة من الزلازل وتزويدها بمادة الخميرة.
هل هناك تنسيق بين منظمة "أوكسفام" وجهات أخرى في دعم منكوبي الزلزال؟
بالطبع هناك تنسيق بين منظمة أوكسفام وباقي الجهات العاملة في المجال الإنساني في سوريا؛ فنحن نعمل مع شركائنا المحليين للاستجابة لتداعيات الزلزال، كما أننا نعمل على التنسيق مع مختلف القطاعات الإنسانية التي تعمل تحت قيادة الأمم المتحدة، بالإضافة للتنسيق مع السلطات المحلية.
"أوكسفام" أعلنت قبل أيام أنها تسعى إلى الوصول إلى ما يقرب من مليوني شخص متضرر من الزلزال في تركيا وسوريا.. فإلى أي مدى نجحت في الوصول إلى الرقم المُستهدف؟
خطة الاستجابة التي وضعتها "أوكسفام" تستهدف مليوني شخص خلال ثلاث سنوات داخل سوريا وتركيا مجتمعتين، نستهدف منهم 800 ألف شخص داخل سوريا فقط، وقد حققنا من المُستهدف في سوريا قرابة الـ60 ألف شخص بعد شهر و20 يوم تقريبا.
ما الذي يحتاجه المنكوبون في سوريا حاليا؟
أولى الاحتياجات هي تأمين إيواء العائلات التي تضررت من الزلزال؛ فهناك آلاف المباني تهدمت نتيجة الزلزال، وبعد القيام بعمليات المسح وتقييم المباني المتضررة تبين أن هناك مئات المباني باتت غير صالحة، وينبغي هدمها.
لدينا مئات الآلاف من الأشخاص بدون مأوى، وستبقى أوضاعهم على هذا الحال ربما لسنوات قادمة؛ فالحاجة الأولى هي تأمين المأوى لتلك العائلات، وتوفير الطعام لهم، ومصادر مياه الشرب النظيفة، بالإضافة إلى الاحتياجات الصحية الأساسية.
كيف كان حجم المساعدات الدولية لسوريا قبل وبعد الزلزال؟
إذا نظرنا إلى جهود العمل الإنساني في سوريا –حتى قبل الزلزال– فنرى أنها تعاني دائما من نقص التمويل؛ فخطة الاستجابة لعام 2022 لم تُموّل إلا بـ 50% فقط، أي بنصف المبلغ المطلوب، أما خطة الاستجابة لعام 2023 وبعد مرور ثلاثة أشهر فمُوّلت بـ 5% فقط من حجم المبلغ المطلوب.
وبعد وقوع الزلزال كانت هناك استجابة من بعض الجهات المانحة، لكنها كانت "استجابة خجولة"، ولا تناسب الاحتياجات المطلوبة على أرض الواقع، ونؤكد هنا أن الاحتياجات غير مرتبطة بوقوع الزلزال، بل إن الاحتياجات كانت مطلوبة حتى قبل وقوعه؛ فهناك أكثر من 15 مليون سوري بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية قبل وقوع الزلزال، وحقيقة الوضع أنه "كارثي".
لذا، فإننا نأمل في المزيد من الاستجابة من قِبل الجهات المعنية حتى نتمكن من تلبية كل الاحتياجات، ولا أقصد الاحتياجات الآنية التي نحتاجها على وجه السرعة، بل الاحتياجات التي تمكننا من بناء المجتمعات التي دمرت بفعل الزلزال.
ما السبب وراء نقص التمويل الدولي لدعم سوري؟
الأزمة السورية دخلت عامها الثالث عشر، ما يصعب الأمور على الجهات المانحة، بالإضافة إلى وجود أزمات أخرى حول العالم كأزمة الحرب في أوكرانيا، والمجاعة في شرق أفريقيا، وغيرها من الأزمات التي تؤثر على التمويل في سوريا.
من الأسباب أيضا: "تسييس العمل الإنساني" في سوريا من قِبل جميع الجهات، وهو ما أثّر بالتبعية على مسألة تقديم المساعدات من الجهات المانحة، ومسألة "التسييس" موجودة قبل الزلزال؛ فكانت جميع المساعدات تأتي في حالات الاستغاثة الطارئة فقط، ولا يمكن تقديم العمل الإنساني بصورة طارئة لمدة 12 عاما.
من المفترض أن تُقدم الإغاثة الطارئة في الشهر الأول وحتى السنة الأولى من الأزمة، ثم بعد ذلك يقدم نوع من المساعدات يُسمى «التعافي المبكر»، وهو ما يجب التركيز عليه خلال هذه الفترة، ومع الأسف هذا النوع من التمويل ليس موجودا لسوريا بسبب "تسيس العمل الإنساني".
كيف كان أثر تأخر وصول المساعدات الدولية على الشمال السوري في أعقاب وقوع الزلزال؟
منظمة أوكسفام لا تعمل في المناطق غير الحكومية في الشمال السوري، وجُل عملها في المناطق الحكومية مثل حلب، وحماة، لكن بالطبع بعد الزلزال كانت هناك صعوبة في وصول المساعدات عبر الحدود، نتيجة تأثر الطرق بالزلزال، وحتى عندما وصلت للشمال السوري كانت بكميات قليلة جدا لا ترقى للمستوى المطلوب للاستجابة، أو بما يناسب حجم الدمار الكبير الذي وقع.
لماذا لا تعملون في كل الأراضي السورية؟
منظمة أوكسفام عملت في عدة مناطق منذ بداية التواجد في سوريا منذ عام 2013 وحتى الآن، وقد عملنا في المناطق الحكومية وغير الحكومية؛ فقد عملنا في «درعا» في الوقت الذي كانت فيه أجزاء كبيرة من المدينة خارج سيطرة الحكومة، كما عملنا في حلب، وعملنا الحالي هو في المناطق الحكومية، وفي منطقة واحدة خارج سيطرة الحكومة داخل مدينة حلب.
بشكل عام: المنظمات الإنسانية غير قادرة على العمل في جميع أنحاء سوريا بسبب الاحتياجات الكبيرة، وليس هناك منظمة واحدة يمكنها القيام بالعمل في جميع المناطق؛ وإنما هناك جمعيات أو منظمات تعمل في الشمال السوري، وهناك مَن يعمل في الشمال الغربي، وهناك مَن يعمل في الشمال الشرقي، وهناك من المنظمات من تعمل في المناطق الحكومية، لكن جميع المنظمات بإمكانها الوصول لكل المجتمعات المحتاجة بطريقة أو بأخرى.
أيهما أكثر احتياجا المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة؟
لا أفضل هذه المقارنة لأنها تأخذنا لنقاش سياسي، لكن بشكل عام جميع السوريين بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، وبالطبع آثار الزلزال في الشمال السوري كانت كبيرة جدا، كحال محافظة إدلب على سبيل المثال.
أيضا هناك مناطق في سوريا لها سياق مختلف؛ فعلى سبيل المثال بعض المناطق خاضعة لعقوبات أكثر من غيرها، أيضا هناك بعض الهواجس لدى الجهات المانحة التي تتخوف من وصول المساعدات لمَن تعتبرها "جماعات إرهابية" في بعض مناطق في الشمال السوري، لذا فالمعاناة والهواجس موجودة بصور مختلفة، لكن الخلاصة أن جميع السوريين في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
هناك مخاوف من احتمالية انهيار القطاع الصحي في شمال سوريا.. هل هذا وارد خاصة في أعقاب هذا الزلزال المُدمّر؟
الخطر ليس قائما في شمال سوريا فقط؛ فالقطاع الصحي مُهدّد بخطر الانهيار في كل سوريا، بل خطر الانهيار يُهدّد القطاع العام بشكل عام، ونحن كمنظمات إنسانية نبعث باستغاثات منذ فترة طويلة للتحذير من هذا الخطر؛ فانهيار القطاع العام يعني انهيار الخدمات الرئيسية مثل المياه، والكهرباء، والتعليم والصحة، وغيرها؛ فهو خطر يُهدّد سوريا بشكل كامل، ويُشكّل تخوفات كبيرة.
وإذا تناولنا القطاع الصحي بشكل خاص: فإنه عرضة للانهيار بعد الخروج من وباء كورونا، وفي ظل انتشار وباء الكوليرا الذي ما زالت سوريا تعاني منه قبل وبعد الزلزال، وكذلك قطاع المياه معرض للانهيار بشكل كبير.
وإذا تحدثنا عن قطاع الكهرباء فلن نقول إنه مُعرض للانهيار؛ لأنه انهار بالفعل؛ فمعظم المناطق السورية لا تصلها الكهرباء أكثر من ربع ساعة كل 5 ساعات، وهذا في أحسن الأحوال.
وماذا لو انهار القطاع الصحي بالفعل؟
القطاع الصحي ليس منفصلا عن باقي القطاعات؛ فعلى سبيل المثال في حال انهيار قطاع المياه فسيؤثر ذلك على الوضع الصحي للمواطن السوري؛ فتلوث المياه مرتبط بانتشار الكوليرا، وقد انتشر وباء الكوليرا في البداية نتيجة عدم وجود مياه شرب نظيفة، إذن انهيار قطاع المياه يعني انتشار الأوبئة المتعلقة بتلوث المياه، وفي حال انتشرت الأوبئة على نطاق واسع فسينتج عنها كارثة، مما سيحمل القطاع الصحي عبئا أكبر.
القطاع الصحي الآن في وضع صعب جدا، والانهيار يطال كل نواحي الحياة، وأي انهيار لأي قطاع سيؤدي بالتبعية لانهيار قطاعات أخرى، وسينتج عنه تأثير أكبر على الصحة العامة في سوريا.