لا تتوقف
التساؤلات ممن ينظرون إلى المملكة المتحدة من خارجها، وبالذات ممن يتواصلون من
الشرق الأوسط؛ عما يحصل فيها من انتخاب
حمزة يوسف،
المسلم والمنحدر من أصول آسيوية،
لقيادة الحزب الوطني الأسكتلندي، متفوقا على سيدتين أسكتلنديتين من أصل أسكتلندي،
وانتخابه من البرلمان الأسكتلندي كرئيس أول لأسكتلندا (وهو لقب رئيس الوزراء).
ويتبع ذلك اختيار
ريشي سوناك، المنحدر من أصل هندي وصاحب الديانة الهندوسية، كرئيس
لحزب المحافظين ورئيس للوزراء لبريطانيا. فما الذي يحصل في المملكة المتحدة؟ وهل
لا يوجد من هم من أصول بريطانية ليأخذوا هذه المناصب المهمة؟
في الحقيقة
مع أن ظروف انتخاب الشخصيتين مختلفة، إلا أن هناك عدة عوامل جعلت ذلك ممكنا في هذا
التوقيت. يبدأ ذلك بالاعتراف بأن المجتمع البريطاني على مر العقود التي تبعت الحرب
العالمية الثانية، كان ولا يزال منفتحا ومتسامحا أكثر من دول أوروبية أخرى مثل
فرنسا؛ فقد شهدت الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فتح أبواب الهجرة، وبالذات لآسيويين
وكاريبيين للقدوم إلى
بريطانيا؛ للعمل في مجالات كان هناك نقص فيها، من ممرضين
وممرضات إلى سائقي باصات وغيرها من الوظائف التي كانت لا تتطلب مهارات عالية، مع
الاحترام لمن ملأ هذه الشواغر. ومع أن البعض واجه بعض العنصرية، إلا أنهم بقوا
وجعلوا بريطانيا مكان إقامتهم الدائمة، وحصل العديد منهم على الجنسية.
مع أن ظروف انتخاب الشخصيتين مختلفة، إلا أن هناك عدة عوامل جعلت ذلك ممكنا في هذا التوقيت. يبدأ ذلك بالاعتراف بأن المجتمع البريطاني على مر العقود التي تبعت الحرب العالمية الثانية، كان ولا يزال منفتحا ومتسامحا أكثر من دول أوروبية أخرى مثل فرنسا.
كان
العديد من هؤلاء من الجيل الأول يثمنون التعليم، ويطمحون إلى أن يكون أولادهم
وبناتهم متفوقين في المدارس، وحتى ضحّى البعض ليلتحق أولادهم بمدارس خاصة ذات سمعة
عالية، تحضّرهم للوصول إلى جامعات عريقة مثل أكسفورد وكامبردج، ومن ثم يحصلون على
شهادات من هذه الجامعات، تكون للعديد منهم مفتاحا لوظائف متقدمة في مجالات مختلفة
مثل الطب والمحاماة والهندسة.
هذا طبعا
لا ينطبق على أغلبية
المهاجرين، ولكن كانت نسبة من يحصلون على شهادات جامعية في
السابق من الشعب البريطاني لا تتجاوز 5 في المئة، فأن يحصل شاب أو شابة على شهادة
جامعية وبالذات من أكسفورد أو كامبردج، كان إنجازا. كما أن اختلاط هؤلاء المهاجرين
مع بريطانيي الأصل من النخب وعائلات عريقة، كان يجعلهم جزءا من شبكات قد تساعد
بعضها بعضا على إيجاد فرص عمل أفضل ممن هم خارج هذه الشبكات.
إذا أخذنا
بعين الاعتبار أن العديد من السياسيين البريطانيين على مر العقود السابقة أتوا إلى
مقاعدهم بعد اتباع هذا التسلسل، من مدارس خاصة إلى جامعات عريقة، فقد يبدأ ذلك بإلقاء
الضوء على وصول حمزة وريشي إلى أعلى المناصب السياسية.
العديد من السياسيين البريطانيين على مر العقود السابقة أتوا إلى مقاعدهم بعد اتباع هذا التسلسل، من مدارس خاصة إلى جامعات عريقة، فقد يبدأ ذلك بإلقاء الضوء على وصول حمزة وريشي إلى أعلى المناصب السياسية.
بالإضافة
إلى ذلك، يلتحق من يطمح بالانخراط بالخط السياسي بالعمل في مكتب نائب في البرلمان
كباحث، مما يعطيه الخبرة اللازمة. ما يتبقى لإكمال الدائرة والوصول للبرلمان هو
اختيار حزب معين، والسعي من خلاله للانتخاب كعضو مجلس بلدي أولا (في حالات عديدة)، ثم كنائب في أعرق برلمانات العالم، وستمنستر.
وما قد يوجه
الشخص لاختيار حزب معين، يكون قيم الشخص وربما خلفية عائلته. فمثلا من يأتي من
خلفية الأعمال التجارية أو البنكية، قد ينخرط في حزب المحافظين، أما من يأتي من
خلفية الطبقة العاملة قد يتجه إلى حزب العمال، ومع أن ذلك تعميم واسع، إلا أنه يشرح
بعض الأسباب لاختيار الحزب.
في
السنوات الماضية، حاولت الأحزاب توسيع دائرة الترشح للانتخابات من النساء والأقليات،
حتى يكون التمثيل الحزبي في البرلمان أقرب للتمثيل السكاني. ونتج عن ذلك بعض
النجاحات، فانتخب حزب المحافظين عددا أكبر من النساء ويتفاخر بوصول ثلاث سيدات
لرئاسة الوزراء في العقود الثلاثة الماضية، بينما لم ينجح حزب العمال بأن تصل أي
سيدة لرئاسة الحزب.
وقد ازداد
تمثيل أقليات أو أديان مختلفة في جميع الأحزاب وفي مناصب متقدمة كوزراء، فهناك من
هم من أصل آسيوي وأفريقي وكاريبي وأسترالي، وهناك من يتبع الديانة اليهودية
والمسيحية والسيخية والهندوسية والإسلامي؛ ومن ضمنهم أول سيدة مسلمة ترتدي الحجاب (أوبسانا
بيغم).
كل هذه أسئلة مشروعة، ولكن الأفراد لم يكونوا ليُنتخبوا لو لم تكن هناك ثقة بمقدرتهم على الأداء. إلى حد كبير، نجح مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب في بريطانيا، فمتى ننهي المحسوبيات واختيار الشخص غير المناسب في بلادنا الأم؟
التغيير
الأكبر على المستوى الوزاري حدث في أول وزارة لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون،
عندما عين ستة وزراء من الأقليات منهم ريشي
سوناك. ولكن عندما أتى الأمر لانتخاب
خليفته، لم ينجح سوناك بل نجحت ليز تراس، ولكن بعد فشلها الذريع تم اختيار سوناك
لأنه كان لديه سجل قوي من التعامل مع الاقتصاد، وبالذات خلال جائحة كورونا.
صور سوناك
ويوسف وهما يؤديان
طقوسا دينية في أماكن إقامتهم الرسمية، أثارت بعض التساؤلات عما
يحدث، وما إذا كانا مناسبين لقيادة أسكتلندا والمملكة المتحدة لمصلحة الجميع. كما أن
التساؤل من الأقليات عما إذا كان المنتخبين من الأقليات مثل وزيرة الداخلية المنحدرة
من عائلة مهاجرة، سويلا بريفمان، ستكون أقسى على المهاجرين وطالبي اللجوء من
سابقيها، أي هل ستكون بريطانية أكثر من البريطانيين، تطرح بقوة. كما يطرح استغراب
لتعهد يوسف
بالدفع لاستقلال أسكتلندا، بل وتبني مواقف مناهضة لديانته.
كل هذه
أسئلة مشروعة، ولكن الأفراد لم يكونوا ليُنتخبوا لو لم تكن هناك ثقة بمقدرتهم على
الأداء. إلى حد كبير نجح مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب في بريطانيا، فمتى
ننهي المحسوبيات واختيار الشخص غير المناسب في بلادنا الأم؟