ليس متفقاً عليه..
فقبل تسفيه البعض لإعلان
النائب أحمد طنطاوي خوضه
الانتخابات الرئاسية باعتباره سيكون في حكم "المحلل"، فلا بد من أن تعرف
أن مشكلة المرشح المحتمل، ليست فقط مع خصوم التيار المدني، ولكن مع التيار المدني
نفسه!
نعلم أن من لسعته "الشوربة" فإنه ينفخ في
"الزبادي"، وهناك من لديهم شك في كل من يأتي من خارجهم، فإذا فاز مرشح
تيار الاستقلال النقابي بموقع نقيب الصحفيين، هتفوا: مؤامرة، وإن أعلن طنطاوي
عودته لمصر في أيار/ مايو المقبل، قالوا: لماذا مايو؟ ولا معنى لرد: ولماذا أي شهر
آخر؟ فلا بد من الإعلان عن أن هذا نتيجة مؤامرة، وأن أحمد طنطاوي سيقوم بالدور نفسه
الذي قام به حمدين صباحي في انتخابات 2014، وموسى مصطفى موسى في انتخابات 2018، ويرهقون
أنفسهم في إثبات أن الترشيح متفق عليه، ويصب في مصلحة الرئيس عبد الفتاح السيسي!
الهزيمة الكبيرة في 3 تموز/ يوليو 2013، وما تبعها من
هزائم في معركة المواجهة، تجعل من الطبيعي أن يتشكك هؤلاء المهزومون في أي تصرف،
ويبدو أنهم استسلموا تماماً لهزيمتهم، ويتعاملون على أن السيسي لا يقدر عليه أحد،
ولا يتعلمون من الدروس، فعندما أعلن الضابط أحمد قنصوة خوضه الانتخابات الرئاسية، لم
تتوقف هذه الأصوات عن القول بأن ترشيحه متفق عليه مع السيسي، وأنها محاولة لترسيخ
شرعيته بإثبات أنه أجرى انتخابات حقيقية، وبعد قليل تم القبض على العقيد قنصوة،
ولا يزال معتقلاً حتى الآن، فلم يجدوا أنفسهم مدينين بالاعتذار له، أو الأسى لحالتهم
النفسية التي دفعتهم في اتجاه التشويه، دون أن يملكوا دليلاً واحداً، إلا أنهم قد
لُسعوا من "الشوربة"، فنفخوا في "الزبادي"!
من الطبيعي أن يتشكك هؤلاء المهزومون في أي تصرف، ويبدو أنهم استسلموا تماماً لهزيمتهم، ويتعاملون على أن السيسي لا يقدر عليه أحد، ولا يتعلمون من الدروس، فعندما أعلن الضابط أحمد قنصوة خوضه الانتخابات الرئاسية، لم تتوقف هذه الأصوات عن القول بأن ترشيحه متفق عليه مع السيسي، وأنها محاولة لترسيخ شرعيته بإثبات أنه أجرى انتخابات حقيقية، وبعد قليل تم القبض على العقيد قنصوة، ولا يزال معتقلاً حتى الآن، فلم يجدوا أنفسهم مدينين بالاعتذار له
بديل الأجهزة الأمنية:
عندما نُشر أن مدير المخابرات العامة التقى برموز القوى
المدنية، للاتفاق على عدد من
المرشحين لينافسوا السيسي في الانتخابات القادمة،
قالوا ألم نقل إن هذا الإعلان من جانب طنطاوي متفق عليه، وأنه سيكون مرشح القوى
المدنية للقيام بمهمة المحلل؟!
لم أتأكد من
صحة الخبر الخاص بمدير المخابرات العامة،
لكن أستطيع القول إن مشكلة أحمد طنطاوي أنه لن يكون مرشحاً لهذا القوى المدنية، أو
التيار الشعبي الذي يعز على سواده الأعظم أن ينافس أحداً من جيلهم، فقد أصابهم ما
أصاب أخوة يوسف، ويقولون إن سبب اعتراضهم عليه، أنه لم يذكر "الصهاينة"
في جملة مفيدة، ومثلي يتفهم محاولات البحث عن مبرر، من حركة كنا نعتقد أنها تمثل
براءة الشباب واستقامته حتى وإن أخطأ في الممارسة والاختيار، لكن لا نتجاهل أنهم
كانوا جزءا من الدور سيئ السمعة الذي قام به حمدين صباحي في انتخابات 2014، حيث مثل
هؤلاء الشباب حجاباً حتى لا تتبدى العورات للناظرين!
وترى القوى المدنية أن الخطاب الصدامي لأحمد طنطاوي قد
يجعلها في مواجهة مع نظام حكم لن يرقب فيهم إلّاً ولا ذمة، لذا فإنني أستطيع القول
من بعيد، إن طنطاوي لن يكون المرشح المتفق عليه من قبل أحزاب
الحركة المدنية،
وبالتالي فليس هو البديل، أو البدائل، لخوض الانتخابات التي تتحدث عنها هذه
الحركة، أو يتحدث عنها محمد أنور السادات، وهذا التزامن بعد تلميحات السادات
وإعلان طنطاوي عزمه الترشح والعودة لمصر في أيار/ مايو المقبل، لم يكن بتنسيق، لكن
ربما أراد طنطاوي أن يقطع الطريق على الحركة و"الكف السابق غالب"!
وسواء صح خبر
الاجتماع للاتفاق على بدائل لخوض
الانتخابات ضد السيسي، أو لم يصح، فأعتقد أن الحركة ستكون حريصة على ألا يكون "طنطاوي"
هو مرشحها، وتتفاوت أسبابها في المنافسة على هذه الانتخابات، لكنها تُجمع على ألا
يكون بديلها المعتمد هو "أحمد طنطاوي"، لأن من يدير العرائس من الخلف،
وهو حمدين صباحي، لن يسلم بالتماهي مع طموح النائب السابق، ليس فقط لأن ترشيحه
سيضعهم في مواجهة مع النظام الحاكم، لكن بترشيحه سيكون قد تم الإقرار بوضع له،
سيكون له ما بعده. فإذا كانت هذه الانتخابات "مغامرة"، فإن اللابد في
الذرة في انتظار لمرحلة بدون السيسي، سيكون قد قام بسبب ظروف الفترة الضاغطة بالتخلي
طواعية عن حلمه في الحكم، بعد قيام الشاب طنطاوي بهذه المغامرة في وقت الشدة،
ليصبح من حقه المنافسة في وقت الرخاء!
الحركة ستكون حريصة على ألا يكون "طنطاوي" هو مرشحها، وتتفاوت أسبابها في المنافسة على هذه الانتخابات، لكنها تُجمع على ألا يكون بديلها المعتمد هو "أحمد طنطاوي"، لأن من يدير العرائس من الخلف، وهو حمدين صباحي، لن يسلم بالتماهي مع طموح النائب السابق، ليس فقط لأن ترشيحه سيضعهم في مواجهة مع النظام الحاكم، لكن بترشيحه سيكون قد تم الإقرار بوضع له، سيكون له ما بعده
والحل أن يكون الاتفاق على مرشح أو أكثر من مرشح من باب
سد الخانة، ومن الذين يفتقدون للإرادة، لكبر السن، أو ضعف العزيمة، فيقدرون أنهم
في مهمة للحفاظ على الموقع لصاحب القسمة والنصيب، في ظروف أفضل!
تجربة أيمن نور:
من الطبيعي أن تبحث السلطة عن بدائل لخوض الانتخابات،
لكن أمام إصرار أحمد طنطاوي على الترشح، ستتعامل معه كما تعامل نظام مبارك مع إعلان
أيمن نور ترشحه في أول انتخابات تعددية، فإذا تم الدفع بعدد من رؤساء الأحزاب
للمنافسة وغوايتهم بمبلغ نصف مليون جنيه لكل مرشح، فقد بذلت ضغوطاً على رئيس حزب
الوفد من أجل الترشح، ولم يكن الرجل موافقاً على ذلك، ففعل مرغماً بضغط الخارج ممثلاً
في الرئاسة، وضغط الداخل ممثلا في حزبه، فلا يجوز لأكبر حزب معارض ألا ينافس في
هذه الانتخابات!
وكان نعمان جمعة لا تنقصه الوجاهة الاجتماعية، فمن حيث
الموقع هو رئيس حزب الوفد التاريخي، ومن حيث المكانة الخاصة فهو أستاذ للقانون،
وسبق له أن شغل موقع العمادة في كلية الحقوق العريقة في جامعة القاهرة بالانتخاب،
الأمر الذي من شأنه أن يغطي على قيمة المرشح الشاب، وحزبه الوليد (الغد)! وليس
سراً أن الحزب الوطني هو من تولى رفع اللافتات الخاصة بالمرشح المنافس، ونقل لي
بعض قياداته أن تكليفاً تم إبلاغهم به، فكانوا يعلقون لافتات مبارك وبجانبها
لافتات نعمان جمعة.
ومع هذا فقد كان الرأي العام الداخلي والخارجي مدركاً
لطبائع الأمور، فكان التعامل مع أيمن نور على أنه هو المرشح الوحيد الجاد من بين
عشرة من المرشحين؛ رؤساء الأحزاب، يسبقهم اسم رئيس حزب الوفد!
وهو أمر قد يتكرر في حال ما إذا أصر "طنطاوي"
على الترشح، وتصرفت السلطة على أن أي تصرف أرعن بمنعه من الترشح، أو اعتقاله، قد
يعزز من مكانته ويمثل نفخاً في صورته، لنكون أمام عمران خان آخر. ويبدو طنطاوي منذ
فقده لموقعه عضواً في البرلمان، حريصاً على حساب خطواته بعناية، فلا يتورط في
التعليق على الأحداث، أو الظهور التلفزيوني، حتى لا يكون في هذا سبباً لتوقيفه، أو
استخدام ما ينشر لإدانته!
إذا نجح "طنطاوي" مع كل العقبات، ووصل لمرحلة قبول طلب ترشيحه، فإن العقبة الكؤود ستكون في مدى قدرته على إحداث اختراقات لمعسكرين، الأول هو الدولة العميقة بخطاب ينتقل به من أن يكون رجل دولة لا قائد ثورة، والثاني هم الإسلاميون بإحداث ثغرة في معسكرهم والتشكيك فيه
أمام السلطة خطوات بديلة مثل دفع حاضنته السياسية ممثلة
في القوى المدنية لإعلان مرشحها، أو مرشحيها، ثم إن هناك عتبة التوكيلات، لأنه
سيتعذر حتماً أن يحصل على توقيعات بالعدد اللازم من النواب كشرط للترشح. وفي
النهاية فإن حركة الأحزاب المدنية، هي حركة أحزاب أقلية، ومع انصراف الإسلاميين عن
المعترك، ولأنه لن يكون مقنعاً للدولة العميقة، فسوف تكون تجربة أيمن نور ملهمة له،
وفي قدرته على الاستفادة منها!
لم تكن لأيمن نور شعبية في المعارضة، أو وسط النخبة
المعارضة لنظام مبارك، لكن أوّب معه الشباب غير المسيس، والجماهير في الأقاليم،
وهو حضور وإن أعطى الانتخابات روحاً، فإنه ليس قادراً على تحقيق النصر، أو الحفاظ
على إرادة الناس من أن يتم العبث بها.
الدولة العميقة قد تجد في جمال مبارك مرشحها المريح،
والذي قد يجد ترحيباً من كثير من أجهزة الدولة، ومن سدنة المعبد، ووجهاء الريف.
وإذا نجح "طنطاوي" مع كل العقبات، ووصل لمرحلة
قبول طلب ترشيحه، فإن العقبة الكؤود ستكون في مدى قدرته على إحداث اختراقات
لمعسكرين، الأول هو الدولة العميقة بخطاب ينتقل به من أن يكون رجل دولة لا قائد
ثورة، والثاني هم الإسلاميون بإحداث ثغرة في معسكرهم والتشكيك فيه؛ يقوم به من هم
على هامش معسكرهم. وبصريح العبارة، هل لديه القدرة على خوض الانتخابات بفريق عمل،
يجعل من باسم عودة مثلا (وهو لا خلاف عليه) رئيساً للحكومة، وهشام جنينة نائباً
للرئيس!
الحديث هو عن المنافسة الجادة، على قواعد أن على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح، وإن كانت قيمته الحقيقية عندي هو في هذه القدرة على المغامرة في هذه الأجواء، وإن كنت لا أعرف حدودها!
عندما غادرت
مصر، لم يكن نجم "طنطاوي" قد سطع،
ولهذا فلم أتعرف عليه من قريب، ولا أعرف مدى أهليته للقيام بهذا كله، وهل هو
امتداد لحمدين الذي يدور حول ذاته، وتسريحة شعره، حيث إن ما يسيطر على خياله نموذج
"الحاكم الأوحد"، أم أنه مختلف عنه، ويمكنه أن يتبنى مشروع "فكر
يتزعم وليس زعيماً يفكر"!
ومهما يكن فالفوز بعيداً عن مرشح الدولة العميقة لهذه
الانتخابات يعد معجزة، لكن الحديث هو عن المنافسة الجادة، على قواعد أن على المرء
أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح، وإن كانت قيمته الحقيقية عندي هو في هذه القدرة
على المغامرة في هذه الأجواء، وإن كنت لا أعرف حدودها!
ومهما يكن فلست وحدك الذي يتخذ موقف الرفض من ترشيح
"أحمد طنطاوي" فقد لسعتك الشوربة فنفخت فيه، فليس متفقاً عليه داخل
تياره أيضاً.
قليل من العقل قبل أن نكرر تجربة العقيد أحمد قنصوة!
twitter.com/selimazouz1