وصف دبلوماسي أمريكي اتفاق
استئناف العلاقات بين
السعودية وإيران، بأنه يشكل محطة أخرى في طريق
الصين إلى
نظام عالمي جديد، وتعميق انخراطها في الشرق الأوسط.
ورأى السفير الأمريكي
السابق لدى "إسرائيل" ديفيد فريدمان، في مقاله بصحيفة "
هآرتس"
العبرية، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، "يطمح لتثبيت نفسه على المنصة
الدولية كسياسي محترم إزاء العداء الآخذ في التصاعد أمام الولايات المتحدة، وهذا
الطموح وصل لمستوى جديد في نهاية الأسبوع عند الإعلان عن التوصل لاتفاق بين
إيران
والسعودية بواسطة مستشاره السياسي الرفيع".
أمريكا فشلت
وذكر أن "وانغ
يي، الذي يعمل بشكل رسمي كرئيس للجنة الخارجية للحزب وفعليا كوزير للخارجية، نسب
للرئيس شي النجاح في المحادثات السرية التي جرت في بكين الأسبوع الماضي بين الوفد
الإيراني والسعودي، أظهر الرئيس الصيني قوته الكبيرة، وهو يطمح أن يصل ببلاده
لمكانة دولية رائدة في الشرق الأوسط في الوقت الذي ضعف فيه تأثير الولايات المتحدة
في المنطقة".
وقالت يون سون، مديرة
قسم الصين في معهد الأبحاث "ستيمسون" في واشنطن: "بالنسبة له،
النظام العالمي الذي تفاخرت واشنطن بإملائه سيقود لحرب باردة جديدة، وهذه حرب
روايات حول مستقبل النظام العالمي الجديد"، منوهة أن "الصين تعتقد بأن
العالم يوجد في حالة فوضى لأن القيادة الأمريكية فشلت".
ونبه السفير، إلى أن
"حلم شي؛ هو أخذ القوة من يد الولايات المتحدة، وتفضيله لنظام عالمي متعدد
الأقطاب يقوم على مبدأ "عدم التدخل"، والصين تؤيد هذه المقاربة التي في
إطارها لا تتدخل الدول في الشؤون الداخلية لأي دولة، والاتفاق الجديد يتساوق مع
هذه الرؤية".
وأضاف: "خلال
سنوات كانت الصين منخرطة في الشرق الأوسط، وهي تعتمد على المساعدات الاقتصادية
المتبادلة وعلى التخلي عن قيم الليبرالية المتماهية مع الغرب، الأمر الذي صعب على
واشنطن توسيع تواجدها في منطقة الخليج، لذلك، زيارة شي للسعودية نهاية العام
الماضي كانت تهدف إلى تذكير المجتمع الدولي بالنفوذ المتزايد لها في المملكة،
الحليفة القديمة لواشنطن".
وفي هذه الزيارة التقى
الرئيس الصيني مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ "هذا الحاكم، استقبله
باحترام واستضافه في استعراض لسلاح الجو السعودي، هذا خلافا للزيارة المتوترة التي
كانت للرئيس الأمريكي جو بايدن في تموز/يوليو الماضي، بايدن حاول عدم مصافحة ابن
سلمان، على خلفية قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي، وبدلا من ذلك تبادل معه سلام
القبضات الذي اتبع في فترة كورونا، الأمر الذي كان محرجا بدرجة لا تقل عن ذلك، وبعد
شهرين تم وضع السجاد الأحمر في بيجين بمناسبة زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم
رئيسي، الذي حظي بصليات التشريف في ميدان "تيانمن"، وهذه بادرة حسن نية،
بالتأكيد لم يكن ليحظى بها في أوروبا أو في أمريكا الشمالية".
الاقتصاد مقدم
وحسب أقوال وو شنبو،
عميد كلية الدراسات الدولية في جامعة "فودان" في شنغهاي: "الولايات
المتحدة تؤيد طرفا وتقوم بقمع الآخر، في الوقت الذي تحاول فيه الصين التقريب
بينهما، هذه نماذج دبلوماسية مختلفة".
ولفت فريدمان، إلى أنه
"في حال كانت الصين تستعد حقا لزيادة انخراطها في الشرق الأوسط، هذا يشير
لتغير كبير في المقاربة التي تمسكت بها حتى الآن، التي فضلت الدفع قدما بالتجارة
والاستثمارات بدلا من الإفراط في الوقوع في نزاعات غير قابلة للحل كما يبدو، فقبل
عقد حاولت بكين عرض خطة لحل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن هذه الخطة
لم تثمر أي شيء".
وتابع: "لكن
محاولة الوساطة بين إيران والسعودية تبين أنها أسهل، الصين نجحت في إحضار الطرفين
إلى طاولة المفاوضات في الوقت الذي استغلت مزاياها في مجال الاقتصاد والتجارة في
مثلث العلاقات هذا، فالصين هي الشريكة التجارية الكبرى مع الرياض، وهي مسؤولة عن
قسم كبير من النفط الذي تستورده، إضافة إلى ذلك، خلافا للولايات المتحدة، الصين لا
تشترط العلاقات التجارية مع شركائها بأي شيء".
ولفت إلى أن
"حكومة شي وافقت بدون أي اعتراض على تفسيرات ابن سلمان لقتل خاشقجي في سفارة
بلادة في إسطنبول عام 2018، وبشكل مشابه، السعودية رفضت الدعوات لإدانة الصين بسبب
القمع والاعتقالات الجماعية للإيغوريين؛ وهي أقلية مسلمة في إقليم شينغيانغ".
وأشار السفير الأمريكي
المقرب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن "الصين أقامت علاقات
دبلوماسية مع طهران في 1971، قبل عشرين سنة من بدء العلاقة بينها وبين الرياض،
وقبل سنتين وقع رئيسي مع شي على اتفاق استثمارات بمبلغ 400 مليار دولار مقابل
تزويد الصين بالنفط، ولكن العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على إيران تعيق
تطبيق هذا الاتفاق".
ونقل عن محللين قولهم،
إن "الرئيس شي يرى أهمية استراتيجية للعلاقة مع طهران، ضمن أمور أخرى، بسبب
موقفها المعارض تجاه الغرب ومكانتها كثقافة قديمة مثل ثقافة الصين واحتياطي
الموارد الطبيعية لديها وجيشها الذي خاض الكثير من الحروب، ولكن الصين تهتم أيضا
بضمان الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو المصدر لـ 40 في المئة من استيرادها للنفط الخام".
خطة طموحة
ونوه إلى أن
"الخليج، هي إحدى البؤر الرئيسية لخطة الحزام والطريق الطموحة التي عرضتها
الصين قبل عشر سنوات؛ كهدف رئيسي لتسويق البضائع والتكنولوجيا التي تنتجها، مثلا،
شركة الاتصالات الصينية الضخمة هواوي تزود شبكات انترنت متقدمة (الجيل الخامس)
للكويت وقطر والإمارات".
لكن الباحثة في معهد
"ستمسون"، سون، تعتقد أنه "لا توجد حاجة للمبالغة في أهمية الاتفاق
بين إيران والسعودية، الفروق بين الدولتين عميقة، ومن أجل جسرها سيكون من الضروري
جدا استئناف العلاقات الدبلوماسية، ربما تكون الوساطة التي تفاخرت بها الصين أقل
حسما مما تعرضه، المحادثات بين طهران والرياض بدأت قبل عامين، ومؤخرا كانت إشارات
على أنهما على استعداد للتوصل لتفاهمات، وهذا ليس شيئا نجحت الصين في التوصل إليه
بين عشية وضحاها"، وفق رأيها.
وبين السفير، أن
"الرئيس شي تمكن من ملاحظة تقاطع المصالح بين إيران المعزولة والسعودية التي
أرادت نقل رسالة للولايات المتحدة حول ثمن تقليص تدخلها في المنطقة، وبذلك، الرئيس
الصيني أراد عرض نفسه كسياسي على مستوى دولي، قادر على الصمود أمام ضغوط واشنطن".
ونبهت الباحثة سون، أن
"الصين ليست هي التي أوصلت إيران والسعودية إلى الاتفاق وحل الخلافات بينهما،
هي ببساطة استغلت الفرصة وإرادة الدولتين في ترميم العلاقات بينهما".
وأكد فريدمان، أن
"شي نجح في تسجيل إنجازات بسبب توقيت الاتفاق، في نفس الوقت عند بداية ولايته
الثانية وتعميق سيطرته في الساحة الداخلية، ومؤخرا أجرى عدة لقاءات مع زعماء دول
وقام بإرسال مبعوثيه الدبلوماسيين الكبار إلى ما وراء البحار بعد ثلاث سنوات من
العزلة القسرية بسبب وباء كورونا"، منوها أن "أمريكا اتهمت الصين أنها
تنوي تزويد روسيا بالسلاح ليخدمها ضد أوكرانيا، وهذه تهمة حاولت الصين التنصل منها
عندما قامت بعرض خطة خاصة بها لإنهاء الحرب، والزعماء في القارة الأوروبية رفضوا
الخطة وضغطوا على شي لاستخدام نفوذه على موسكو لوقف الحرب".
والعام الماضي، عرض
الرئيس شي خطة باسم "مبادرة الأمن العالمية"، تهدف إلى تطبيق
"الحكمة والحلول" للصين من أجل مواجهة التحديات الكبيرة في العالم، وهذه
الخطة شملت صياغات رددت شعارات من عهد حكم ماو تسي تونغ، مثل التحدث عن "التعايش بسلام"، وأرادت عرض نموذج جديد لتوزيع متساو للقوة بين أعضاء
المجتمع الدولي.
في البيان المشترك الذي
أعلن عنه في بكين الجمعة الماضي عن الاتفاق بين إيران والسعودية، أكد وانغ،
المبعوث الدبلوماسي للرئيس الصيني، أن "الصين ستواصل لعب دور بناء يقوم على
رغبة الدولتين مع علاج مناسب للقضايا المشتعلة التي توجد على جدول الأعمال الدولي".
ونبه السفير الأمريكي،
أن وانغ "انتقد بشكل مبطن الولايات المتحدة، وأوضح أن الصين تؤيد دول الشرق
الأوسط التي تريد التخلص من التدخل الخارجي".