نشرت مجلّة "ناشيونال إنترست" تقريرًا تحدّثت فيه عن التماسك الاستراتيجي الداخلي، الذي يبدو أنه يساعد الرياض على التحول إلى مركز تقني للتقنيات العالمية المتنافسة.
وقالت المجلّة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الابتكارات التكنولوجية أحدثت تحولات تكتونية في الديناميكيات الجيوسياسية العالمية خلال العقد الماضي؛ حيث لا تزال المنافسة التكنولوجية بين القوتين الرئيسيتين، الصين والولايات المتحدة، جارية حاليًا، وتظهر تداعياتها على العالم.
وأفادت المجلة بأنه مثلما تحتاج كل حرب إلى ساحة معركة، تحتاج حرب التكنولوجيا الناشئة أيضًا إلى منصة لتمكين القوى التقنية من عرض قوتها وتحقيق الانتصارات. ولقد سارعت
السعودية إلى تولي هذا الدور؛ حيث وضعت خطة رؤية 2030، التي تسعى إلى تنويع اقتصادها من خلال زيادة التركيز على الابتكار، وجعلت من التحول الرقمي هدفها. ومع ذلك؛ بالنظر إلى الحقائق الجيوسياسية المعاصرة، فإنه يتوجّب على الرياض أيضًا تبني الدبلوماسية والاستقلالية الاستراتيجية ومنظورا متعدد الأقطاب. وهناك سبب للاعتقاد بأن السعوديين مستعدون فعلا للقيام بذلك.
وأضافت المجلّة أن المملكة العربية السعودية تُعرف بتنظيمها العديد من أكبر المنتديات والمنصات في العالم في مجال التكنولوجيا، ولكن قبل توليها دور مركز الاهتمام العالمي بالتكنولوجيا، عملت الرياض على تنظيم شؤونها الداخليّة من خلال أطر سياسية واستراتيجية قوية، واحتلت بذلك المرتبة الثانية في مؤشر الأمن السيبراني العالمي التابع للاتحاد الدولي للاتصالات السلكية اللاسلكية، وهو مرجع يقيس التزام الدول بالأمن السيبراني على المستوى العالمي.
وبعد إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في سنة 2017، أنشأت المملكة العربية السعودية هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي في سنة 2019، بهدف تطوير قطاع الأمن السيبراني من خلال توطين تكنولوجيا الأمن السيبراني وتشجيع الشركات الناشئة المحلية في مجال الأمن السيبراني.
قصة الصين
وذكر الموقع أن مؤتمر ليب 2023 - الذي تم اختتامه - أعطى مؤخرًا لمحة عن الاهتمام الصيني والنجاحات في ساحة التكنولوجيا السعودية. بينما عرضت هواوي أحدث حلولها الابتكارية تحت شعار "إطلاق العنان الرقمي"، وأعلنت هواوي كلاود عن خططها لاستثمار أكثر من 400 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لتأسيس بنيتها التحتية في البلاد.
وذكرت المجلّة أن السعودية تمثّل بالنسبة لهواوي منصة لعرض التطورات التي حققتها في مجال السحابة والذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، لتعزيز الشراكة، فقد تم إطلاق جمعية رواد الأعمال السعودية الصينية التي تضم أكثر من 100 شركة سعودية وصينية، وهيئات حكومية، ومؤسسات أكاديمية، ومنظمات غير حكومية.
إلى جانب ذلك؛ تؤكد وسائل الإعلام الصينية على أهمية هذه الجمعية باعتبارها محورية لدفع التقدم المستمر في التحول الرقمي لكل من المملكة العربية السعودية والصين في السعودية، حيث يُنظر إليها على أنها خطوة حاسمة نحو الشراكة الاستراتيجية السعودية الصينية من حيث التكنولوجيا والابتكار.
عودة الولايات المتحدة؟
وأشارت المجلّة إلى أنه في ضوء الانفصال السريع عن الصين؛ تعمل واشنطن على تجديد شراكاتها الاستراتيجية الإقليمية. وفي أيار/ مايو 2022؛ التقى وزير الاتصالات وتكنولوجيا الإنترنت السعودي بنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للتكنولوجيا الإلكترونية والناشئة لمراجعة الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة وتطوير التعاون الثنائي في مجال الأمن السيبراني والتقنيات الناشئة، ثم في تموز/ يوليو، وقّعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة "بيان جدة"، الذي يحدد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على مدى العقود المقبلة، بهدف تعزيز المصالح المشتركة وتقديم رؤية مشتركة لمزيد من السلام والأمن والازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط.
إلى جانب ذلك، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن المملكة العربية السعودية ستستثمر في التقنيات الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة لتطوير شبكات اتصال الجيل الخامس والجيل السادس الآمنة والموثوقة، في المملكة العربية السعودية وكذلك في البلدان النامية، بالتنسيق مع الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار. ويُنظر إلى هذه الاتفاقيات على أنها دفعة لجهود الاحتواء التي تبذلها الولايات المتحدة ضد الانتشار المتسارع للتكنولوجيات الصينية في المنطقة.
قطب تقني ثالث؟
ولفتت المجلة إلى أن العلاقات الهندية السعودية تكثفت على الصعيد السياسي والدبلوماسي والتكنولوجي في السنوات الأخيرة. وفي تشرين الثاني/ ةنوفمبر 2022، أشار منسق الأمن السيبراني الوطني في الهند، الجنرال راجيش بانت، إلى أن المملكة العربية السعودية والهند ستوقعان قريبًا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني وأن المحادثات الثنائية تتقدم بثبات. وكانت هذه العلاقات أكثر وضوحًا خلال مؤتمر ليب 2023، الذي شهد مشاركة أكثر من 45 شركة هندية ووفدًا من اتحاد الصناعة الهندية.
وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في وقت سابق من هذا العام، التقى وزير الاتصالات وتكنولوجيا الإنترنت السعودي بنظيره الهندي لمناقشة تعزيز الشراكة الاستراتيجية الهندية السعودية في التكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال الرقمية. وفي مؤتمر ليب الذي اختتم مؤخرًا، تأكّدت هذه الشراكة من خلال توقيع تيك ماهندرا على مذكرة تفاهم مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإنشاء "مركز التميز للبيانات والذكاء الاصطناعي والسحابة" في الرياض.
الاتجاهات الرائجة في سنة 2023
وقالت المجلة إن المملكة العربية السعودية واجهت عددًا كبيرًا من الهجمات الإلكترونية على قطاعاتها الصناعية الحيوية في السنوات الأخيرة؛ حيث تشير أحد التقديرات إلى أن 54 بالمئة من المؤسسات السعودية شهدت حوادث أمنية أثّرت على الأعمال التجارية، بينما واجهت أكثر من 56 بالمئة من المؤسسات في البلاد هجمات برمجيات الفدية في سنة 2021.
ونتيجة لذلك؛ تركّز الرياض اليوم على تشجيع الجامعات على الاستثمار بكثافة في المناهج لتنمية المهارات السيبرانية المطلوبة بين الطلاب. وفي العقد الماضي؛ قامت كبرى الشركات العالمية بتوظيف وتدريب السعوديين، كما تشجع السياسات الحكومية الآن الشركات على توظيف المواهب المحلية بقوة. بالإضافة إلى ذلك، وقّعت الحكومة السعودية اتفاقية مع المنتدى الاقتصادي العالمي لاستكشاف التعاون في مجال الأمن السيبراني واتفاقًا مع الأمم المتحدة لتمكين الأطفال في الفضاء الإلكتروني.
وأضافت المجلّة أن وزير المالية السعودي شدد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، على أن البلاد يمكن أن تكون قناة اتصال بين الصين والولايات المتحدة خلال التوترات الجيوسياسية المتصاعدة. في الواقع؛ لطالما كانت الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا طويل الأمد، بينما وقعت الصين والمملكة العربية السعودية اتفاقية شراكة استراتيجية في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وصفتها وزارة الخارجية الصينية بأنها "علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية".
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من تغلغل هواوي الواسع في المنطقة، فإن الشراكة الجديدة مع الولايات المتحدة القائمة على أطر التكنولوجيا المفتوحة من شأنها أن تساعد على تدارك تقدم الصين.
وخلصت المجلة - في ختام التقرير - إلى أنه يبدو أن هناك ثلاث دول تتطلع إلى تطوير وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الرياض، فبينما تعزز الولايات المتحدة والهند شراكتهما الثنائية في إطار المبادرة الخاصة بنموذج التكنولوجيا الحرجة والناشئة، يترقّب البعض ما إذا كان من الممكن ظهور إطار شراكة استراتيجية ثلاثية بين الهند والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وفي الوقت الحالي، يبدو أن جميع الطرق التقنية تتجه نحو الرياض.
للطلاع على النص الأصلي (هنا)