حكم
صادم جديد أصدره
القضاء المصري، الأحد، بحق عدد من الحقوقيين المصريين، الذين اعتقلوا
منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بتهم تتعلق بعملهم في مجال حقوق الإنسان، وذلك في القضية
المعروفة إعلاميا بقضية "
التنسيقية المصرية للحقوق والحريات".
محكمة
أمن الدولة العليا طوارئ، ذات الأحكام النهائية وغير الجائز الطعن عليها، قضت على
31 شخصا بينهم 14 محبوسا، وطالت 6 نساء، لاتهامهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين،
بالسجن المشدد بأحكام تتراوح من المؤبد 25 عاما، و15 عاما، و10 أعوام، و5 أعوام، ما
وصفه حقوقيون تحدثوا لـ"عربي21"، بـ"الحكم الصادم".
"عائشة
وهدى وسمية"
أشهر
الأسماء المحكومين في القضية: الأمين العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين محمود حسين
(مؤبد)، ومؤسس "التنسيقية" عزت غنيم، المشدد (15 عاما)، والمحامية والحقوقية
هدى عبد المنعم (5 أعوام)، ونجلة نائب مرشد جماعة الإخوان عائشة خيرت الشاطر، (10 أعوام)،
وزوجها المحامي الحقوقي محمد أبو هريرة (15 عاما)، والمحامي طارق السلكاوي (15 عاما)،
والناشطة سمية ناصف (10 أعوام).
المحكمة،
التي أنشئت في ظل "قانون الطوارئ"، سيئ السمعة في مصر، قضت أيضا، بإغلاق
موقع "التنسيقية" على الإنترنت ومنعه من التواصل، مع إدراج أسماء المحكوم
عليهم والمعتقلين قبل عدة سنوات بقوائم الإرهاب، ووضعهم تحت مراقبة الشرطة لمدة 5 سنوات
بعد انتهاء سجنهم.
"مؤبد
لـ3 نساء"
طال
الحكم بالسجن بالمؤبد (25 عاما)، 17 شخصا بينهم 3 نساء، هن: هاجر خالد فارس، وسهى سلامة
عمر، وإسراء كمال الدين محمد.
إلى
جانب: إبراهيم السيد محمد عبده، ومحمد محمود نصر الله (أستاذ أمراض الكلى بكلية طب
القصر العيني)، وهاشم محمد فراج، ومحمود حسين أحمد حسن، ومحمد عبد الوهاب عبد الفتاح،
وأحمد صلاح الدين طلعت.
وأشرف
رفعت عبد الحميد، والمعتصم بالله محمد عبد الجواد، وإبراهيم رمضان عبد الفتاح، وعبد
الرحيم محمد عبد الرحيم، وفكري محمد فكري عبد الحليم، ومحمد سعيد الشيمي علي، وأحمد
عبد الباسط محمد، ومحمد عبدالرحيم محمد.
أحكام
بالسجن المشدد لمدة 15 عاما، طالت 7 أشخاص، هم: عزت عيد طه فضل غنيم، ومحمد أبو هريرة
محمد عبد الرحمن، وأحمد إسماعيل حسن الهضيبي (حفيد المرشد الثاني لجماعة الإخوان)،
وأسامة إبراهيم أحمد مرعي، وأسامة مبروك موسى، وطارق محمد أمين عبد الفتاح، ومحمد عبد
الستار محمد.
وجاء
الحكم بالسجن المشدد 10 سنوات لـ4 أشخاص، بينهم سيدتان، هم: عائشة محمد خيرت الشاطر،
وسمية محمد ناصف، ومحمد إسماعيل حسن الهضيبي (من عائلة الهضيبي الشهيرة بجماعة الإخوان)،
وبهاء محمد عودة شقيق الوزير باسم عودة.
والسجن
المشدد 5 سنوات لسيدة ورجل، هما: العضوة السابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان هدى
عبد المنعم عبد العزيز، وأحمد معتوق سلام، مع الحكم ببراءة سيدة واحدة هي: مروة مدبولي
أحمد.
وكتبت
مروة مدبولي، عبر "فيسبوك": "اللهم لك الحمد، أخذت براءة، لكن القلب
موجوع، الطيبة حبيبة القلب أخدت 10 سنوات، والشاب الجدع إلى ماشفتش في خلقه وأول مرة
أشوفه في النيابة 15 سنة"، في إشارة لعائشة الشاطر، والطالب بكلية الطب أسامة
إبراهيم.
"كشف
خداع النظام"
الحكم
القاسي وفق حقوقيين، يأتي ليواصل تأكيد استمرار توجه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي
في ممارسة
الانتهاكات بحق المصريين والحقوقيين والمحامين، على عكس ما يروجه النظام من
توجه نحو الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان، وما أطلق عليه "الاستراتيجية الوطنية
لحقوق الإنسان"، و"الحوار الوطني".
وفي
أول رد فعل لها وصفت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، الحكم عبر بيان
اطلعت عليه "عربي21"، بأنه "نموذج للظلم والعدالة الغائبة في مصر"،
مؤكدة أن "هذه المحاكمة تمثل نموذجا لما تقوم به الحكومة المصرية من التنكيل والانتقام
من الحقوقيين المصريين".
وأضافت:
"ودليل إضافي على كذب ادعاءات جدية الحوار الوطني، وما يطلق عليه الاستراتيجية
الوطنية لحقوق الإنسان، ورفع حالة الطوارئ، التي ما زالت مستمرة بقوانين قمعية أخرى،
حيث تقوم محاكمها الاستثنائية (محاكم أمن الدولة طوارئ) بإهدار جميع ضمانات المحاكمة
العادلة".
"صادم
وغير متوقع"
وفي
تعليقه، قال الحقوقي المصري خلف بيومي؛ إن "حكم اليوم صادم جدا، وغير متوقع على
الإطلاق؛ نظرا لكون القضية ما كان لها من البداية أن تحال لمنصة قضاء، وما كان لمن
صدر عليهم أحكام أن يتم القبض عليهم من البداية".
مدير
"مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، أضاف في حديثه لـ"عربي21":
"لكننا أمام تفكير ورؤية العسكر في التعامل مع معارضيه ومنتقديه، وخاصة لو كانوا
ممن ساهموا في كشف حجم الانتهاكات المرتكبة من النظام".
ولفت
إلى أن "دلالات الحكم كثيرة، منها أن القضاء المصري وسمعته قد واراها التراب،
فلم يعد بمصر إلا القضاء العسكري والاستثنائي، وهي دوائر وبيانات تنفذ رغبة النظام".
وأيضا
أن "النظام في مصر ضاق ذرعا بالمدافعين عن حقوق الإنسان، بعدما ساهموا في نقل الصورة
وبحرفية ومهنية لكل الآليات الدولية، مما كشف جرائم النظام وسبب له إحراجا بالغا".
وعن
رد الفعل الحقوقي حول هذه الأحكام، أكد بيومي أن "المجتمع الحقوقي لم يتأخر في
مساندة قضية التنسيقية، وأصدر البيانات والتقارير التي تضمنت العوار كافة، الذي لحق
بالقضية، وسيستمر في ذلك".
"مجتمع
دولي منافق"
وفي
تعليقه، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل؛ إن هذا الحكم يؤكد أن "هذا
النظام مسنود من اللوبي الصهيوني وتل أبيب، وأن ملف حقوق الإنسان الذي كان يزعم المجتمع
الدولي، أنه خط أحمر بالنسبة له يُنتهك انتهاكا صريحا وبصورة أقرب إلى التحدي".
وأضاف
في حديثه لـ"عربي21" أنه "في النهاية نرى هذا التنكيل بمجموعة من المحامين
والحقوقيين ومجموعة من الرهائن تربطهم صلة القرابة"، مؤكدا أن "هذه جريمة
كبيرة، وتُسقط مزاعم العفو الرئاسي، والحوار الوطني، فكل هذا عبث وتهريج".
وأشار
إلى أن الجريمة تتم برعاية المجتمع الدولي، مؤكدا أنه "يمارس أحط أنواع النفاق،
طالما السيسي يلبي مصالحه، التي تتمثل إحداها حماية أمن وأمان أولاد عمه (إسرائيل)"،
لافتا إلى "ما يحدث في سيناء وعمل مساحة كبيرة منطقة عازلة لأجل ذلك".
وأضاف
أبوخليل: "الشاهد في الأمر أنه يحقق كل مصالحهم، وفي المقابل مصر تقع وتنكسر،
ولهذا فهو كنز استراتيجي لهم، ومنطقي أن يتم التغاضي عن ملف حقوق الإنسان".
وختم
حديثه بالقول: "هذا الحكم يعري أكثر وأكثر مجتمعا دوليا منافقا، ومنظومة حقوقية هشة
للغاية في مصر وخارجها".
"جريمة
وعار"
الكاتب
والباحث المصري والمهتم بالشأن الحقوقي، عزت النمر، استنكر في حديثه لـ"عربي21"
إحالة حقوقيين لمحكمة الجنايات، معتبرا أنها "جريمة"، متسائلا: "ما لهؤلاء
المحامين والحقوقيين ومحاكم الجنايات إلا أن يدافعوا ويترافعوا، لا أن يدخلوها خائفين
متهمين".
وأضاف
مستنكرا إحالة "النساء لمحكمة أمن الدولة طوارئ"، معتبرا أنها "عار
يجلل مصر بأسرها، ويجلل كل من رضي وتابع أو سكت وقَبِل".
وتابع:
"أما أن تصدر المحكمة هذه الأحكام القاسية، فهذا إعلان فاجر من قضاء ملعون يضرب
مسمى العدالة في مقتل، ويعلن موت القضاء في مصر، وأنه تحوَّل لعصا غليظة لتخويف الشعب
وقتل إرادته، وبات قضاته الخونة سجانين وجلادين في دولة العسكر".
ويعتقد
النمر أن "أحكاما بهذه القسوة، وعلى من مهمتهم محاولة منع الظلم، لهي صورة شائنة
يتحمل وزرها العالم بأسره، وتُدين الصمت المخزي في كل مؤسسات العدل والقضاء في عالمنا
كله، وتهين كل مُدَّع للفضيلة من مؤسسات أممية وكيانات دولية تتداعى لقضايا تافهة، وتصرخ
بأعلى صوتها في أمور فرعية، وربما رخيصة".
"النسخة
الأفجر"
وقال؛ إن "دلالات هكذا حكم كثيرة ومتعددة، أولها، أن الشعب المصري ورموزه وأحراره يواجهون
قضاء فاجرا وقضاة فسقة، مثلما يواجهون دبابات العسكر وبنادق الداخلية".
"وتدل
كذلك أن السيسي والعسكر يقدمون النسخة الأفجر والأكثر دموية وشوفينية في صور الاستبداد"،
بحسب النمر.
وأضاف:
"من دلالاتها البعيدة أن الدولة البوليسية التي صنعها الانقلاب تتترس بصمت العالم
الغربي، واستطاعت شراء سكوته بما تقدمه من تنازلات تُدفع من دم الشعب المصري وقوته، ومن حاضر الدولة المصرية وأمنها القومي".
وأكد
أن "هذا الوضع الخطير يؤذن بالزوال وأن التغيير وشيك، وأن نُذر الثورة لاحت في
الأفق، ولكنها لن تكون رحيمة ساذجة كما حدث في ثورة يناير، بل ستكون عنيفة وعميقة وستقتلع
كل مظاهر الفساد وكل أركان الاستبداد في واقعنا المباشر".
ويعتقد
النمر أن "ما يقوم به السيسي من إجراءات ومبادرات هي نصيحة زور من رعاة السيسي
والانقلاب حتى يستخدمها ويتلحف بها كل داعم للانقلاب، وكل كاره للشعب المصري وكل من
له مصلحة في دوام الاستبداد وبقاء مصر تحت حكم العسكر".
ولفت
إلى أن "من هؤلاء دويلات الاستبداد من ممالك الخليج ممن يخافون من تحرر مصر، وطبعا
المستفيد الأكبر والراعي الرسمي للانقلاب دولة الكيان الصهيوني، والدول الغربية التي
تتبناها وتدعمها".
وبشأن
ردود الفعل على الحكم، أعرب النمر عن أسفه قائلا: "لن نسمع إلا أصواتا خجولة لا
ترتقي لمستوى الاستبداد في مصر، ولا لإجرام القضاء ولا لأرواح المصريين التي تزهق بالقتل
المباشر حينا والقتل بسيف القضاء أحيانا أخرى، أو باغتيال الشعب ورموزه وأحراره في
أقبية السجون وإنهاك أعمارهم في المعتقلات".
وفي
نهاية حديثه أكد أن "العالم والغرب -بما يملكون من أوراق ضغط- قادرون على محاسبة
السيسي، أو على الأقل ردعه وإيقاف هذا البغي والقهر والظلم، لكنها مصالح وإرادة تجعل
من الرفض والإدانة مجرد ذر للرماد في العيون".
"حزن
شديد"
وجاءت
ردود الفعل بشأن الحكم حزينة من الكثيرين، بينهم الناشطة روميساء رمضان، التي كتبت
في حق حبس عائشة الشاطر.
وقالت:
"10 سنوات للكريمة بنت الكرام، المبتسمة رغم الألم، الراضية رغم العذاب، المبتسمة
رغم الأذى، الحرة رغم القيد، السيّدة على سجانيها، المرفوعة الرأس رغم دنوه على الجميع،
الصبورة الرزينة الرصينة رابطة الجأش".
وكتب المحامي أحمد أبو العلا ماضي، عن الارتباط العائلي لبعض المحكومين
في القضية مثل المهندس أحمد الهضيبي والدكتور محمد الهضيبي، حفيدي مرشد جماعة الإخوان
المسلمين الثاني حسن الهضيبي.