عام كامل مضى على
الحرب الروسية على أوكرانيا، في حرب توصف بأنها أبشع الحروب الكلاسيكية بعد الحرب
العالمية الثانية. أوقعت المعارك 180 ألف قتيل أو جريح في صفوف الجيش الروسي و100
ألف في الجانب الأوكراني، إضافة إلى مقتل 30 ألف مدني، وفق تقديرات نشرها رئيس
الأركان النرويجي "إريك كريستوفرسن".
وأما عن الجانب
المادي، فأهم
الخسائر هي الأضرار التي أصابت البنى التحتية في كلا البلدين.
فأوكرانيا على سبيل المثال خسرت بنيتها التحتية بشكل شبه كامل، وذلك لأن الجيش
الروسي استهدف البنى التحتية للطاقة الكهربائية لأوكرانيا، واستهدف بنتيها التحتية
العسكرية من مدرعات ومراكز لإطلاق الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي.
وعلى الطرف المقابل
فقد تم استهداف عصب الاقتصاد الروسي من خلال فرض عقوبات على تصدير النفط والغاز
الروسيين وفرض حد أعلى لأسعارهما، مما أجبر الروس على دخول السوق السوداء وتقديم
تخفيضات كبيرة جداً دفعت بعائدات النفط الروسي إلى الانخفاض بنسبة النصف مقارنة
بالفترة التي سبقت الحرب.
وأما ما خسرته
أوكرانيا على الجانب الاقتصادي فيقدر بنحو 138 مليار دولار، وانخفض معدل الإنتاج
المحلي بنسبة 35 في المئة وتضرر القطاع الزراعي الأوكراني بأضرار بالغة تجاوزت 34
مليار دولار.
الغريب في هذه الحرب هو انعدام المبادرات الدولية لإيجاد حل سلمي لإيقافها، فباستثناء المبادرات التركية لمحاولة فض النزاع بين البلدين، لم نشهد خلال عام كامل أي مبادرة سواء من الطرف الأوروبي أو من الطرف الأمريكي، ويبدو ذلك لأن الطرف الغربي يصنف نفسه كطرف منازع وليس كطرف وسيط
والجانب الروسي خسر
اقتصاديا كذلك، حيث تم تجميد الأصول والاحتياطيات المالية المملوكة لروسيا، سواء
كأفراد أم كشركات أم كحكومة روسية. تعرضت
روسيا لخسائر في عوائد الإيداعات
المصرفية الاستثمارية في البنوك الأمريكية والأوروبية وخسائر في انخفاض قيمة
الصادرات السلعية والخدمية الروسية لدول التحالف الغربي، وخسائر في قطاع النقل
الجوي وشركات الطيران، وخسائر في عوائد السياحة الغربية إلى روسيا، وخسائر بسبب
انسحاب عدد كبير من الشركات الغربية من المشروعات المشتركة في روسيا. وتعرضت
البنوك الروسية لخسائر اقتصادية كبيرة نتيجة حرمانها من نظام سويفت للمبادلات
البنكية.
الغريب في هذه الحرب
هو انعدام
المبادرات الدولية لإيجاد حل سلمي لإيقافها، فباستثناء المبادرات
التركية لمحاولة فض النزاع بين البلدين، لم نشهد خلال عام كامل أي مبادرة سواء من
الطرف الأوروبي أو من الطرف الأمريكي، ويبدو ذلك لأن الطرف الغربي يصنف نفسه كطرف
منازع وليس كطرف وسيط.
بعد عام كامل أطلقت
الحكومة الصينية مبادرة سلام مؤلفة من 12 بنداً لمحاولة إيقاف الحرب. تؤكد هذه
البنود بشكل واضح وصريح على احترام سيادة الدول والشروع في عملية حوار للأطراف
المتحاربة لوضع حد لهذه الحرب، وتؤكد كذلك على إنهاء عقلية الحرب الباردة ووقف
الأعمال العدائية بين الطرفين، وإيجاد حل للأزمة الإنسانية هناك.
رحب طرفا النزاع
(روسيا وأوكرانيا) بهذه المبادرة مباشرة وأكدا على أهمية هذه المبادرة، ولكن
الأطراف الدخيلة في هذا النزاع رفضت المبادرة، حيث هاجم الرئيس الأمريكي هذه
المبادرة ووصف فكرة التفاوض مع بكين بأنها غير عقلانية. واستدل بايدن على رفض
المبادرة بالقول: "إن الرئيس الروسي بوتين يؤيدها فكيف يمكن أن تكون جيدة؟".
وأما أوروبا فقد شككت بالمبادرة الصينية، حيث أشار الأمين العام لحلف شمال الأطلسي
ينس ستولتنبرغ، في تصريحات للصحفيين، إلى أن بكين وقعت اتفاقية مع روسيا قبل أيام
فقط من غزوها أوكرانيا قبل عام. وقال إن "الصين لا تتمتع بكثير من المصداقية،
لأنها لم تكن قادرة على إدانة الغزو غير المشروع لأوكرانيا".
لمهم في كل هذا هو أنّ أطراف النزاع فهموا هذه الحقيقة، ولكن التدخلات الغربية تصرّ على رفض مبادرات السلام وإنهاء الحرب، وتصرّ على إطالة أمد النزاع متجاهلة الأزمة الإنسانية والاقتصادية والعسكرية التي يعاني منها هذان البلدان منذ عام
كما هو ملاحظ فإن
الحجج التي يقدمها الطرف الغربي لرفض المبادرة الصينية هي حجج غير واقعية ولا
تستند إلى حقائق، إنما تأتي عملية الرفض هذه من رغبة غربية بإطالة أمد النزاع هناك،
وذلك من خلال تزويد كييف بمقدار معين من الأسلحة التي تساعدها على الوقوف في وجه
روسيا ولكنها لا تسمح لها بالانتصار في هذه الحرب. عشية هذه المبادرة ترسل كندا
أربع دبابات إلى أوكرانيا كمساعدة عسكرية.
لقد أصبحت الطريقة
الغربية للتعامل مع الأزمات واضحة للعيان، خصوصاً إذا ما استحضرنا النموذج
الأفغاني وكيف أن القوات الأجنبية غادرت كابول خلال أيام، ومن ثم قامت الولايات
المتحدة بمصادرة الأصول الأفغانية، وها هي تستخدم هذه الأصول لتقويض الحكومة
الحالية هناك. ما يهم الطرف الغربي اليوم في أوكرانيا هو تكبيد روسيا أكبر قدر
ممكن من الخسائر، ولتحقيق هذه الغاية فهو ليس معنيا أبداً بحجم الخسائر الأوكرانية
ولا هو معني بحجم المأساة التي يعاني منها الشعب الأوكراني.
ختاماً، لم يعد يخفى
على أحد أبداً أن الحرب الكلاسيكية بين روسيا وأوكرانيا لا رابح فيها أبداً ولو
استمرت هذه الحرب لعشرات السنوات. والمهم في كل هذا هو أنّ أطراف النزاع فهموا هذه
الحقيقة، ولكن التدخلات الغربية تصرّ على رفض مبادرات السلام وإنهاء الحرب، وتصرّ
على إطالة أمد النزاع متجاهلة الأزمة الإنسانية والاقتصادية والعسكرية التي يعاني
منها هذان البلدان منذ عام.