قال المفكر المغربي أبو زيد المقرئ الإدريسي، إن هذا
الصعود اللافت
لليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية يرتبط بثلاثة عوامل متداخلة؛ تتعلق بـ: أزمة
الاقتصاد والرأسمالية، وإفلاس
السياسة، ثم التلاعب بالعقول.
وأوضح الإدريسي في تصريحات له اليوم نشرها القسم الإعلامي لحزب
العدالة والتنمية في المغرب، أن الرأسمالية كما يقول برنارد شو، لا تنتعش في ظل
الأزمات إلا إذا قضت على الديمقراطية، ويقول: "إن الرأسمالية لا تسمح
بالديمقراطية إلا إذا كانت في حالة رخاء".
وأردف: "نحن نعيش في أزمة اقتصادية منذ 2008، زادتها حدة أزمة
كوفيد 19 في 2019، زادها الانتحار الربوي الذي وصل درجات عالية بسبب التلاعب
بتعاملات البنوك وما يسمى الاقتصاد الافتراضي والورقي والعملات المشرفة والحيل
والنصب والاحتيال في أعلى مستوى في البورصات".
وتابع: "هذا الوضع، جعل الاقتصاد العالمي في وضع مأزوم، كما أن
الدول التي تعتمد على الاقتصاد الربوي مأزومة بنسب فظيعة، كأمريكا وفرنسا، التي
أصبحت مديونيتهما أعلى بكثر من الناتج القومي الخام بالبلدين".
وأضاف: "عندما تكون الرأسمالية مأزومة، تنتج خطابا تحريضيا،
وتذهب للبحث عن كبش فداء، وفي الغالب ما يكون هو المهاجرين بزعم أنهم يضيقون على
فرص شغل السكان الأصليين، فإذا أضيف لهؤلاء المهاجرين أنهم أيضا مسلمون، يزاد على
المشكل الاقتصادي والاجتماعي المشكل الديني والثقافي والعقدي، ويتم الحفر في بؤر
التوتر ونكء جراح متعفنة تتعلق بالحروب الصليبية والعقدة من الإسلام".
وأوضح أن "هناك عقدة خوف شديد من الإسلام عمرها 1400 سنة، ويزيد
من زيتها على نارها المعارك البطولية التي خاضها المسلمون من الفتوحات، مرورا
بالقضاء على الدولة البيزنطية، ثم فتح القسطنطينية، والحكم في الأندلس لثمانية
قرون، وصولا إلى القضاء على الاستعمار.. وغيرها، وكلها عقد متراكبة تحيل على
العقدة الأكبر وهي الكراهية الشديدة للإسلام والحقد الشديد على المسلمين".
وفي ختام تصريحاته أشار الإدريسي إلى أن "التلاعب بالعقول
بتعبير بيير بورديو، وجد أساسه في هذا الوضع المأزوم للرأسمالية، حيث يقوم الإعلام
المغرض بدفع المواطنين الأوروبيين، بنوع من الخبث والدهاء إلى مواقف متطرفة، كما
وقع في فرنسا، حين تم تبني قرار منع الحجاب عبر استفتاء عام، ووقع هذا أيضا في
بلجيكا وهولندا والسويد وسويسرا".
وأكد الإدريسي، أن
اليمين المتطرف استعمل هذا الإعلام للضرب على وتر
الهجرة والأفارقة والعرب والإسلام، واستطاع بذلك أن يحشد إلى جانبه ثقة المتطرفين،
وخاصة في دولة كفرنسا، التي يُسمح فيها لحملة السلاح كرجال الأمن والشرطة والدرك
والجيش وغيرهم بالتصويت بالانتخابات.
وبخصوص إفلاس السياسة، أوضح الإدريسي أنه عامل فاعل إلى جانب
العاملين السابقين، حيث نرى اليوم ضعفا كبيرا في السياسة بعموم الدول الأوربية،
ومنها فرنسا مثلا، حيث لا يمين ولا يسار ولا ديغوليين ولا غيرهم.
وأردف، آخر الكبار في رئاسة فرنسا كان هو جاك شيراك وقبله فرانسوا
ميتران، أما اليوم، فهي يحكمها الأقزام، شخصا ومعنى.
وخلص المقرئ الإدريسي إلى التأكيد، على أن التوجه القائم على إفلاس
السياسة وأزمة الاقتصاد والتلاعب بالعقول، يعطي صعودا ملحوظا لليمين المتطرف،
والذي يكون الإسلام والمسلمين دائما كبش فدائه.
وأبو زيد
المقرئ الإدريسي هو أكاديمي ومفكر إسلامي مغربي، وهو عضو الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين. برز بشكل أساسي في تركيزه على مشاكل الأمة الإسلامية الكبرى كمسألة
الاستضعاف والانهزام الحضاري، وطالب بضرورة إعمال العقل والاجتهاد والتجديد،
والخروج من ربقة الجمود والتقليد.