نشرت مجلة "
ناشيونال إنترست" الأمريكية مدونة للكاتب ويل ويشلير، تحدث فيها عن الأهداف طويلة المدى للولايات المتحدة الأمريكية في
الخليج العربي، التي تشمل تصميم نظام دفاعات خليجية متكامل لحماية
مصالح الأمن القومي المشتركة.
وقال الكاتب، في مدونته التي ترجمتها "
عربي21"، إن السنة الماضية اتسمت باضطراب العلاقة بين الولايات المتحدة وشركائها الأمنيين الرئيسيين في الخليج. وقد كان للخلافات الدبلوماسية صدى سياسي في جميع العواصم، ما حد من قدرة كل جانب على تقديم تنازلات للآخر. لذلك، ليس من المستغرب أن تتلاشى هذه الشراكات طويلة الأمد في السنوات القادمة، بينما قد تكون الظروف ملائمة لتحقيق هدف الولايات المتحدة طويل الأمد، المتمثل في تصميم نظام دفاعات خليجية متكامل تحمي مصالح الأمن القومي المشتركة على أساس مستدام، وهو الأمر الذي يحتاج القادة إلى إدراكه والاستفادة منه.
وذكر الكاتب أن الولايات المتحدة تملك مصلحة حيوية في ضمان عدم امتلاك أي خصم إقليمي القدرة والإرادة لمهاجمة الولايات المتحدة أو الأمريكيين في الخارج أو الشركاء الأمنيين الرئيسيين الذين تعتمد عليهم واشنطن للاستخبارات المحلية، وغيرها من المصالح الأساسية. وهذا يقود جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في المنطقة وردع خصومها عن امتلاك أسلحة الدمار الشامل، واستخدام القدرات العسكرية المزعزعة للاستقرار.
وتشترك الولايات المتحدة وشركاؤها الخليجيون في مصلحة أمنية وطنية حيوية في مكافحة السلوكيات الخبيثة لإيران وبرنامجها النووي الخطير، وهم يسعون لتحقيق تلك الغايات منذ أن أسفرت ثورة 1979 عن استيلاء النظام الإيراني على السلطة. وللولايات المتحدة مصلحة حيوية في تحديد السعر العالمي للنفط، لأسباب تمتد لاعتبارات أمنية واقتصادية (تأثير أسعار النفط على النمو والتضخم)، وجيوسياسية (اعتماد شركاء الولايات المتحدة في أماكن أخرى على النفط من الخليج) وسياسية (تأثير أسعار الغاز على المستوى المحلي والدولي).
وأكد الكاتب أنه من الحقائق الثابتة أن سعر السوق لهذه السلعة العالمية لا يزال مدفوعًا بشكل غير متناسب بالإجراءات المتخذة في الخليج، لاسيما من قبل المملكة العربية السعودية. ومن غير المرجح أن يتغير هذا الواقع لعقود قادمة، حتى في ظل أكثر سيناريوهات انتقال الطاقة تفاؤلاً. بناء على ذلك، سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى حماية التدفق الحر للنفط من الخليج إلى المواقع التي يحددها طلب السوق، ما من شأنه أن يحمي تلك المصلحة الجوهرية.
واليوم، تمثل طهران، التي لم تتوان عن استخدام القوة العسكرية ضد منشآت إنتاج الطاقة والسفن التي تحمل النفط من الخليج، التهديد الأساسي لهذه المصلحة. ولهذا السبب، يمكن القول إن هذه السياسة الأمريكية تتماشى مع المصالح الحيوية لشركائها في المنطقة. وبينما تظل هذه المصالح ثابتة، فإن التهديدات التي تتعرض لها ووسائل حمايتها تتغير مع مرور الزمن.
وحسب الكاتب، تحتاج سياسات الولايات المتحدة والخليج إلى التحول، استجابةً لهذه التهديدات المتطورة. ويعتبر التهديد الإقليمي الأكثر تغيرا هو تطوير إيران محليًا لأسلحة دقيقة عالية القدرة يمكن استخدامها لضرب الأهداف على مسافة بعيدة بدقة بالغة. وهذا ما سمح لطهران بضرب البنية التحتية للطاقة السعودية في سنة 2019 وسمح لوكيلها بقتل الأبرياء في مطار أبو ظبي في سنة 2022.
تجلت قيمة هذه الأسلحة بوضوح عندما طلبت روسيا المساعدة الإيرانية في أوكرانيا، في انحراف ملحوظ عن تقليد روسيا الاعتماد على نفسها عسكريًا وانعكاس تام للوضع في سوريا في سنة 2015، عندما تدخلت القوة الجوية الروسية لدعم القوات البرية المدعومة من قبل إيران.
وأورد الكاتب أن شركاء الولايات المتحدة في الخليج سعوا إلى بناء قدراتهم العسكرية الخاصة. في الماضي، كان على الولايات المتحدة توفير تقريبا مجمل القوات العسكرية اللازمة لحماية التدفق الحر للطاقة من الخليج. لكن في السنوات المقبلة، سيكون شركاؤها المحليون قادرين بشكل متزايد على تقاسم هذا العبء. ونظرًا لطبيعة أنظمة الأسلحة الجديدة الإيرانية والوقائع التي تفرضها العوامل الجيوسياسية في المنطقة، أدرك شركاء الولايات المتحدة في الخليج الفائدة من إطلاق نهج أكثر تعاونًا تجاه التدابير الدفاعية.
وبالنظر إلى هذه الديناميكيات، فإن الفرصة باتت سانحة لبناء نظام دفاع جوي وصاروخي متعدد الأطراف ومتكامل تمامًا، وتحقيق تعاون أكبر بكثير داخل هياكل الأمن البحري القائمة. وقد أدرك المخططون العسكريون الأمريكيون منذ فترة طويلة الفائدة المحتملة لمثل هذه الخطوات في حماية مصالح الأمن القومي لكن الظروف لم تسمح بالمضي قدمًا في مثل هذه المبادرات.
وأكد الكاتب أن هذا التقدم لا يزال قائما في طهران التي أصدرت تهديدات علنية بـ "رد حاسم على أقرب الأهداف وأكثرها سهولة" إذا ما وافق الخليج على "اتفاقية دفاع مشتركة في المنطقة من قبل الولايات المتحدة مع المشاركة والإدارة الخفية للصهاينة. وتُعد مثل هذه التهديدات سببا في قيام الولايات المتحدة وشركائها ببناء نظام دفاعات متكاملة في الخليج.
ويتمثل القرار السياسي الأول والأكثر أهمية في التزام الولايات المتحدة بضمان أمن الخليج مستقبلا. ومع أنه كان ممكنًا تقديم مثل هذه الالتزامات بشكل خاص أو تركها ضمن اختصاص العسكريين والأمنيين المتخصصين مثلما كانت في العقود السابقة، إلا أن التصور السائد لانسحاب أمريكا من الخليج اليوم يُعد العامل الوحيد الأكثر أهمية في المنطقة. لذلك، فإن الدبلوماسية الهادئة المذكورة أعلاه بشأن تكامل الأمن الجوي والصاروخي والبحري غير كافية في الوقت الحالي، ويجب تقديم قضية علنية لعلاقة أمنية جديدة بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، والتي يجب أن تكون مصممة لتلقي الدعم من الحزبين.
وأشار الكاتب إلى أن السياسة الداخلية الأمريكية تجعل القيام بذلك أمرًا صعبًا في أعقاب حرب غير مرضية في العراق، وحرب فاشلة في أفغانستان، والصدى الدائم لمقتل جمال خاشقجي، وتورط قادة الشرق الأوسط في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، واستمرار الاختلافات السياسية بين الولايات المتحدة وزعماء الخليج. ويمكن لهذه الديناميكيات أن تهدد في النهاية بتحويل توقعات المنطقة بالانسحاب الأمريكي إلى نبوءة تحقق ذاتها. ومع ذلك، فإن عكس هذا التصور أمر ضروري لحماية المصالح الأمريكية.
وقال الكاتب إن قادة الخليج لديهم أيضًا قرارات سياسية رئيسية يتعين عليهم اتخاذها. ليكون بذلك القرار السياسي الثاني الحاسم الذي يجب اتخاذه انعكاسا للقرار الأول، حيث يجب أن يلتزم قادة الخليج علانية بمستقبل تظل فيه الولايات المتحدة شريكهم الأمني الأساسي، وهو ما سيتطلب منهم الكف عن تهديداتهم المتكررة بشأن التوجه إلى الصين أو روسيا لسد الفراغات الأمنية المتصورة. ويحتاج القادة الإقليميون إلى إدراك أن مثل هذا الالتزام يحمل في طياته الحاجة إلى ضمان بقاء الدعم الأمريكي من الحزبين لعقود قادمة. وهو ما يتم تقويضه في كل مرة يتم فيها اتخاذ قرارات يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تعمل على تعزيز مصالح حزب سياسي على حساب آخر.
ويرى الكاتب أنه يجب على قادة الخليج اتخاذ قرار التعاون الكامل. وبطبيعة الحال، سيسعى قادة أي دولة بشكل طبيعي إلى تجنب الظروف المعاكسة، حيث يتعين عليهم الاعتماد على الآخرين لضمان أمنهم. وفي حال كانت الجهود أحادية الجانب لضمان الأمن غير كافية، تنظر الدول عادة في آليات تعاونية. كما تعد الدول، التي هي في خضم عملية بناء جيوشها الخاصة أو التي يقودها أفراد ليس لديهم خبرة في الحرب، أكثر عرضة للمبالغة في تقدير قدراتها الخاصة لإنجاز المهام من جانب واحد، مثلما رأينا في اليمن.
وأخيرًا، يجب اتخاذ قرار سياسي بشكل مشترك بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين. ويمكن أن يكون العمل نحو قدرات دفاعية متكاملة بطيئًا وجافًا وتكنوقراطيًا ولا يتقدم عادةً إلا بشكل تدريجي وعلى جداول زمنية طويلة. ويزيد ترك هذا العمل تحت مسؤولية خبراء الأمن ذوي النوايا الحسنة من احتمال ارتفاع المخاطرة حول التصورات التي ستتخلف عن التقدم وسيتم العثور على أسباب لتأخير مراحل البرنامج الإضافية الضرورية.
وفي حالة تطلعت الجيوش إلى العمل معًا، فيجب العمل أولا من خلال عدد لا يحصى من الأمور المتعلقة بمسائل عدم التضارب. وبمجرد إنشاء الآليات التعاونية، يمكن للحكومات أن تبدأ النظر في مسائل التكامل العسكري. وأخيرًا، وبعد دمج القدرات العسكرية المختارة، يمكن للحكومات أن تهتم باستكشاف الموضوعات الأكثر حساسية لبناء أنظمة مشتركة مترابطة بطبيعتها.
وأكد الكاتب أنه يجب على هذا المشروع أن يبدأ بدعوة واضحة للتكافل، حيث يجب على البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة أن تعلن مقدمًا هذا الهدف، وأن يعملوا على تصميم مستقبل يكون فيه كل منهم فيه غير قادر عمليًا على تحقيق الأمن الجوي والبحري الشامل في الخليج بمفرده ودون الحاجة إلى الآخرين. وبذلك، فإن دول الخليج "تحاصر" الولايات المتحدة كشريك أمني لها، وهو ما ينبغي أن يزيل أي مخاوف متبقية بشأن الاستدامة طويلة الأجل للوجود الإقليمي الأمريكي.
وخلص الكاتب إلى أن جميع الحكومات الخليجية وجدت أنه من المفيد إصدار وثائق رؤية تحدد بوضوح الأهداف المقصودة من سياساتها. ففي سنة 2008، نشرت كل من المنامة وأبو ظبي خطط الرؤية الاقتصادية 2030، وأصدرت الرياض الرؤية السعودية 2030 في سنة 2016. ويجب على هذه البلدان الثلاثة، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة، إصدار "رؤية 2040 لأمن الخليج المتكامل"، ووضع طريق طموح نحو نظام مترابط من الدفاعات الجوية، وتعاون متعدد الأطراف داخل هياكل الأمن البحري الراسخة. وبوجود هذه الرؤية المشتركة، لن يكون هناك المزيد من الأسئلة حول انسحاب أمريكا والتحوط في الخليج، وستكون المصالح الحيوية للولايات المتحدة والشركاء آمنة بشكل متزايد، وعلى أساس أكثر استدامة.