قال المحلل الدفاعي جوناثان ماركوس؛ إن
التركيز الأمريكي المتجدد على آسيا أثار وراء الكواليس جدلا حادّا، داخل واحدة من
أكثر فروع القوات الأمريكية مهابة وقوة.
وبحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية
"بي بي سي"، فقد اندلع جدال داخلي حاد في واحدة من أكثر مؤسسات الجيش
الأمريكي قداسة، وهي قوات مشاة البحرية الأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة أكدت التزامها العسكري تجاه المحيط الهادئ، خلال اجتماع بالبيت الأبيض بين قادة الولايات
المتحدة واليابان.
وبحسب
البروفيسور في معهد الأمن والستراتيجيات في جامعة إكسيتر في بريطانيا، فإنه يدور الخلاف حول خطة تكييف هذه القوات، بما يتناسب مع سيناريو اندلاع
مواجهة محتملة مع
الصين. تسمى هذه الخطة "بنية القوة عام 2030".
وتابع
بأنه "منذ ظهورها تعرضت الخطة للهجوم من جانب
مجموعة من الجنرالات المتقاعدين، الذين اتخذوا نهجا غير معتاد بالذهاب إلى الصحافة
للتعبير عن خيبة أملهم ورفضهم لها".
وقالت "بي
بي سي"؛ إن أحد أبرز المنتقدين وهو وزير البحرية
السابق والسيناتور الديمقراطي السابق عن ولاية فرجينيا، جيم ويب، الذي خدم كضابط
في مشاة البحرية خلال
حرب فيتنام، وخاض المنافسات الداخلية للفوز بترشيح الحزب
الديمقراطي للرئاسة في عام 2015.
ونقلت كلام ويب من مقال له منشور في صحيفة "وول ستريت جورنال" الخطة بأنها
لم "تخضع للاختبار بشكل مناسب، وتعاني من خلل جوهري".
وحذر من أن الخطة "تثير تساؤلات
جدية حول الحكمة منها، والمخاطر طويلة المدى للتخفيضات الهائلة في هيكل القوة
وأنظمة الأسلحة ومستويات القوة البشرية في الوحدات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى
وقوع خسائر في صفوفها بشكل مستمر في معظم سيناريوهات المعركة"، بحسب المقال.
وفي
التفاصيل، فقد تم إطلاق الخطة في عام 2020 من قبل
قائد مشاة البحرية الجنرال ديفيد إتش بيرغر، وتهدف إلى تجهيز مشاة البحرية لصراع
محتمل مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بدلا من خوض حروب ضد متمردين
كما كان الحال في العراق وأفغانستان، كما جاء في "بي بي سي".
وقال المحلل؛ إن الخطة الجديدة تتوقع خوض
مشاة البحرية عمليات عسكرية متفرقة في سلاسل من الجزر. ستكون الوحدات أصغر عددا وأوسع انتشارا، لكنها ستتمتع بقدرة أكبر بفضل مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة
الجديدة.
كما
لفت إلى أنه "من المرجح أن تكون عمليات الإنزال
البرمائية الضخمة، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية أو عمليات الانتشار الكبيرة
على الأرض كما جرى خلال عملية عاصفة الصحراء وغزو العراق، شيئا من الماضي".
وتابع
بأن الأمر الذي لا يحظى بشعبية، هو خطة تقليص عدد الجنود المشاة
البحرية والتخلي عن كل دباباتها. دفعت مثل هذه المقترحات بعض النقاد إلى الشعور
بأن قوات المارينز تدير ظهرها لتاريخها.
وذكّر الكاتب بأنه "في حين أن
لقوات المارينز علاقات وثيقة مع البحرية الأمريكية، إلا أنها قوة منفصلة تطورت بشكل
كبير خلال الحرب العالمية الثانية، وأخذت دورا بارزا في العمليات العسكرية
الأمريكية في العراق وأفغانستان".
ودور قوات المارينز التقليدي بصفتها
رأس الحربة الأول لدى
الجيش الأمريكي والقادرة على مواجهة مختلف التحديات في جميع
أنحاء العالم، هو ما يعتقد النقاد أن الخطة يمكن أن تقوضه مع تركيزها الواضح على
الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبحسب التقرير، "سيتم تمويل أنظمة
الأسلحة الجديدة التي تبلغ قيمتها الإجمالية 15.8 مليار دولار من الوفر الناجم عن
التخفيضات، التي تصل إلى حوالي 18.2 مليار دولار"، والهدف من الخطة هو تجهيز
وتدريب سلاح مشاة البحرية لنوع جديد من الحرب، كالتي تجري في أوكرانيا حاليا.
وتابع المحلل بأن "العامل الأساسي
الذي تتحدث عنه قيادة مشاة البحرية في صياغة الخطة، هو سيناريو خوض عمليات عسكرية
على مساحات كبيرة، تقسم فيها القوات الكبيرة إلى وحدات أصغر منتشرة على نطاق واسع، مع ضمان امتلاكها ما يكفي من سلاح لتوجيه ضربات قوية تحدث فرقا حقيقي".
ولفت إلى أن هذا السيناريو مطبق بالفعل
في جزر أوكيناوا
اليابانية بالقرب من تايوان، حيث ستخضع قوات مشاة البحرية
المتمركزة هناك لتغييرات وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
وحول الانتقادات، يرفض الخبير العسكري
مايك أوهانلون مدير السياسة الخارجية في معهد بروكينغز بواشنطن، الانتقاد الأساسي
الموجه للخطة، وهو أن التركيز الجديد على الصين قد يضعف العمليات البحرية في أماكن
أخرى. ويقول إن مشاة البحرية سيذهبون إلى الأماكن التي يأمرون بالتوجه إليها، ومن
المحتمل ألا تؤثر الاستراتيجية الجديدة على العمليات كما يعتقد البعض.
ويتابع أوهانلون: "ما يهم حقّا في
هذا الصدد هو الانسحاب من العراق وأفغانستان في السنوات الأخيرة، هذا هو التغيير
الكبير، بغض النظر عن رؤية الجنرال بيرغر التي ظهرت بعد الانسحاب".
على جانب آخر، نقل التقرير عن ضابط
سابق في البحرية وزميل وباحث في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية، الدكتور فرانك
هوفمان قوله: "أعتقد أن النقاد ينظرون إلى الوراء وإلى الماضي المجيد،
ويفشلون في رؤية الصورة الاستراتيجية في مواجهة الصين والتكنولوجيا، وهذه النظرة
مخيبة للآمال حقّا".
ويعتقد هوفمان أن هذا هو التوجه
الصحيح. وقال؛ إنه ستبقى هناك الكثير من العربات المدرعة، ما عدا "الدبابات
الثقيلة والطاقم الخاص بتوفير الوقود لها".
ويتابع
الضابط السابق في البحرية بأن الخطة "عملية
تكيف بهدف تغطية منطقة أعمق بمزيج من القوة النارية الأكثر دقة مثل ما نراه في
أوكرانيا. استخدمت قوات المارينز القوة الجوية لتحقيق هذه الميزة في الماضي، والآن
سيكون لديها مزيج من المدفعية التقليدية وقوة صاروخية ذات قدرات أكبر ومدى أبعد
بكثير".
وتابع
بأن الشحن البرمائي سيؤدي دورا رئيسيا في هذا المجال، وينقل عن الباحث
في مجال القوات البحرية والأمن البحري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية
بلندن، نيك تشايلدز قوله بأنه ستكون هناك حاجة لأنواع جديدة من السفن.
ويتابع تشايلدز: "الاعتماد فقط
على سفنهم البرمائية الكبيرة التقليدية، سيجعلهم أكثر عرضة لمخاطر الأسلحة الحديثة
التي من المحتمل أن يواجهوها". "لذا فإن أنواع جديدة من السفن الصغيرة
وبأعداد أكبر ستكون حيوية، حتى يتمكن سلاح مشاة البحرية من العمل بطريقة أكثر مرونة
وانتشارا".
وختم المحلل بأن المشكلة القديمة متمثلة
في التوفيق بين الأولويات الاستراتيجية والموارد، وأن الأزمة في أوكرانيا تؤكد أن
التهديدات القديمة يمكن أن تعاود الظهور، في الوقت الذي تحاول فيه القوة تركيز
نفسها في اتجاه جديد تماما.