أقدمت السلطات
الجزائرية، خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، على حلّ
الرابطة الجزائرية
للدفاع عن
حقوق الإنسان، وهي أكبر وأقدم منظمة حقوقية في الجزائر وأُسست عام 1985،
وهو ما أثار ردود فعل محلية وخارجية.
فيما نقلت وكالة
الأنباء الرسمية عن صحفية جزائرية وصفتها بـ"المصدر المقرب من الملف"، قولها
إن محكمة جزائرية أصدرت قرار الحلّ بسبب تواجد قادتها في دول أوروبية، حيث إن
مسؤولي الرابطة "صالح دبوز طالب للجوء في بروكسل، وسعيد صالحي وعيسى رحمون طلبا اللجوء في فرنسا".
وتُحاكم السلطات
الجزائرية 8 أعضاء في الرابطة بتهم تتعلق بـ"الإرهاب"، منهم أربعة هم: قدور شويشة، وجميلة لوكيل، وسعيد
بودور، وحسن بوراس.
وفي 19 شباط/ فبراير
2022، اعتُقل رئيس فرع "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" في
مدينة تلمسان، فالح حمودي، وحُكم عليه بالسَّجن ثلاث سنوات بتهمة إهانة هيئات
نظامية، ونشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالأمن العام، وإدارة جمعية غير معتمدة.
وفي 30 آذار/ مارس الماضي، أطلق سراح حمودي مؤقتا.
في هذا الإطار، أجرت
"عربي21" مقابلة خاصة مع نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق
الإنسان، ونائب رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، عيسى رحمون، الذي وصف
قرار الحلّ بأنه "سياسي بامتياز"، لكنه شدّد على أنهم لن يصمتوا على ما
جرى.
وتاليا نص المقابلة
الخاصة مع "عربي21":
ما أبعاد قرار السلطات
الجزائرية حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان؟
من أهم أبعاد قرار
السلطة بحل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وغلق مقراتها، هو التضييق
على العمل الجماعي، والتضييق على مؤسسات المجتمع المدني، والتضييق كذلك على كل رأي
يخالف وجهة نظر السلطة؛ فالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان من أهم أنشطتها إعداد التقارير لفرق الأمم المتحدة، وكذا للرأي العام الوطني الجزائري أو
الدولي عن المضايقات، وانتهاكات حقوق الأفراد والجماعات، فكانت الرابطة شاهدة على
اغتيال حقوق الإنسان، والديمقراطية وكسر إرادة الشعب الجزائري لبناء دولة القانون.
ومن بين تلك الأبعاد
أيضا، منع المجتمع وعدم تمكينه من آليات الوفاق أو الحوار الوطني، وأبرز هذه
الآليات هي مؤسسات المجتمع المدني كالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان،
ووسائل الإعلام، وجمعيات أو أحزاب المعارضة، وقد وقفت تلك الأحزاب مع مؤسسات
المجتمع المدني في صف الشعب الجزائري خلال حراك 22 شباط/ فبراير 2019. إذن فالبعد
الأساسي الذي تتمحور عليه إرادة وقرار السلطة هو تجريم الفعل النقابي والسياسي
والوطني.
ما ردكم على حيثيات
حكم المحكمة الإدارية في الجزائر الذي أكد أن الرابطة أصبحت تمارس أنشطة غير مرخص
بها، منها إصدار بيانات تحريضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتهم فيها السلطات
بقمع المسيرات؟
القرار الصادر عن
المحكمة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر هو قرار سياسي بامتياز، وإذا دخلت السياسة
أروقة العدالة فإن العدالة تخرج منها، والسؤال الذي نطرحه: ما هو دور مؤسسات
المجتمع المدني بعد ثورات شعبية تطالب بالتغيير والإصلاح في دول عربية، وخاصة في
الجزائر؟، لذا فالقرار هو قرار سياسي لا غبار عليه.
ومن مهمات الرابطة
إعداد تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان، والتواصل مع الشركاء سواء المنظمات
الدولية، أو المحلية؛ فالرابطة تؤمن بأن حقوق الإنسان دولية عالمية وغير قابلة
للتجزئة.
حقيقة، ما جرى بحقنا
هو انتكاسة كبيرة لكل مكتسبات الديمقراطية التي دافعت عنها أجيال من مناضلات
ومناضلي حقوق الإنسان، ولكننا لن نصمت إزاء ما حدث.
ما الرسالة التي يود
النظام الجزائري أن يرسلها للداخل والخارج من هذه الخطوة؟
هذه الرسالة هي التي
صرّح بها رئيس الدولة السابق، عبد القادر بن صالح، إثر توليه مرحلة انتقالية بعد
رحيل عبدالعزيز بوتفليقة، والذي قال: «إن الوضع مُتحكَم فيه»، هذه الجملة التي
أرسلها رئيس الدولة السابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويبدو أن النظام الحالي
يوجّه نفس الرسالة بأن الوضع في الجزائر مُتحكَم فيه، ولا يوجد أي بديل عن النظام
من أجل التحدث مع السلطة في الجزائر. لذا، فإن غلق المؤسسات والجمعيات والأحزاب
السياسية يُعدّ مؤشرا على ذلك.
هل حل الرابطة ومنع
أعضائها من العمل موجّه فقط ضد النشاط الحقوقي أم ضد كل الأنشطة العامة والمستقلة
في البلاد؟
أعتقد أن الرسالة
موجّهة لكل جمعية أو نقابة حرة لا تدور في فلك النظام؛ فالرابطة الجزائرية للدفاع
عن حقوق الإنسان منظمة عريقة تستمد شرعيتها، وجذورها من تاريخ نضال كوادرها الذين
تم سجنهم العديد من المرات، والذين كانوا على ثبات كبير في احترام حقوق الإنسان
والدفاع هنا.
الرسالة موجهة
للمنظمات الناشئة، وللجمعيات الحديثة التي تود أن تستقل عن خطاب النظام، وأن تكون
بديلا عمّا يروج له، وبشكل خاص إلى النشطاء الأحرار على مواقع التواصل الاجتماعي
الذين ليس لديهم أي انتماء جبهوي أو حزبي؛ فالرسالة واضحة: إذا قامت السلطات بحل
الرابطة فكل شيء سهل عليها فيما بعد.
إلى أي مدى كنتم
تتوقعون إقدام السلطات على هذه الخطوة، خاصة أن الرابطة من أقدم المنظمات الحقوقية
غير الحكومية في الجزائر؟
كنّا نتوقع إقدام
السلطات على هذه الخطوة منذ زمن قريب، وذلك عقب حل جمعية «راج» الشبابية، ثم غلق
مقر "راديو إم"، وبعد قرارات تجميد العديد من الأحزاب السياسية.
كما توقعنا أن يأتي
دورنا لكن ليس بهذه الطريقة؛ فالطريقة التي تم بها حل الرابطة سواء على الجانب
الإجرائي أو الموضوعي كانت متعسفة للغاية؛ فلم يتم احترام إجراءات تبليغ أو تكليف
الحضور إلى "الجلسة القضائية"، وهو ما يؤكد عدم احترام السلطات، وأن
السلطة القضائية "غير مستقلة تماما" عن السلطة السياسية الفعلية. لذا،
فهو قرار سياسي قبل أن يكون قرارا قضائيا أو إداريا.
هل ما زال هناك أعضاء
للرابطة داخل الجزائر؟ وهل تخشى حدوث مضايقات لهم؟
بالطبع هناك العديد من
الرفقاء وكوادر الرابطة داخل الوطن، ونحن نخشى عليهم المضايقات، وهناك العديد ممن
تم سجنهم كالصحفي حسن بوراس -عضو الرابطة-، وهناك الكثير من الأعضاء تحت الرقابة
القضائية كالأستاذة جميلة الوكيل وقدور شويشة، لذا نحن نطالب بالحفاظ على السلامة
الجسدية والمعنوية لرفقائنا.
هل ما تزال هناك
منظمات وجمعيات حقوقية أخرى لديها هامش من حرية العمل والتحرك داخل الجزائر وتعمل
بشكل مستقل؟
لم تعدّ هناك أيّة
منظمة أو نقابة مستقلة لها حرية التعبير، أو حرية التنظيم، أو التجمع السلمي في
الجزائر؛ فكل المنظمات تعاني من التضييق والتهميش الواضح، وليس فقط الرابطة
الجزائرية؛ فهناك العديد من المؤسسات والجمعيات التي تم حلها.
هل تعتقدون أن النظام
سيعمل على خلق منظمات وجمعيات حقوقية تأتمر بأوامره وتخضع لإرادته بعيدا عن
المنظمات المستقلة؟
بالطبع؛ فالسلطة بدأت
في خلق ما يسمى بفضاء المجتمع المدني الذي يروج لخطاب النظام، ولأسلوبه في إدارة
الشأن العام؛ فتم "دسترة" هيئتين أو مؤسستين وهما: مجلس حقوق الإنسان،
ومجلس المجتمع المدني، وهذه المؤسسات تدور في فلك النظام، وفي نطاق منهجية النظام
في تسيير الشأن المجتمعي والسياسي، وهذا ليس بغريب عن الجزائر بصفتها دولة انتقلت
من نظام شمولي إلى نظام ديكتاتوري مستبد يسعى لسحق كل الأصوات المستقلة والمعارضة،
وقد كشف هذا النظام عن طبيعته الديكتاتورية أمام الرأي الداخلي والخارجي دون أي
مواربة.
ما مستقبل حقوق
الإنسان في الجزائر؟
مستقبل حقوق الإنسان
في الجزائر بين مسؤوليتين: مسؤولية النظام في إرادته للانفتاح وتغيير منظومة الحكم
في الجزائر؛ لأن دواليب الحكم والسيطرة الكاملة على القرار السياسي في يد فئة من
العسكريين. والمسؤولية الثانية هي مسؤولية المجتمع المدني المستقل عن النظام،
وكذلك كل النشطاء الذين يسعون لبناء دولة القانون والديمقراطية.