أفكَار

عن العلاقة العضوية بين الثقافة والهوية.. ماذا عن دور الدين؟

أحمد بن نعمان: الثقافة الوطنية أو القومية في عمومياتها هي البصمات الخاصة التي تجعل كل أفراد هذه الأمة أو تلك يتميزون بهويتهم الجماعية عن غيرهم
وصلا بما وعدناكم به في مقالنا عن "دين الحق  لا يكره الناس على اعتناقه ولا يجبر المسلم على تغيير لسانه!"، ها نحن نفي بوعدنا  لتفصيل الحديث عن الهوية بشيي من التركيز والتبسيط لهذا الموضوع  الهام لغير المتخصصين من القراء الكرام :

أولا ـ مفهوم الهوية

تعتبر الهوية من المصطلحات الأكثر تداولا في الساحة السياسية والإعلامية.. وهو مفهوم حديث لا يتجاوز نصف قرن من ظهوره في العالم.

وكمدخل لتبسيط معناه لغير المتخصصين من عامة المثقفين نقول بأن الهوية لغةً: هي كلمة مركبة من ضمير الغائب (هو) كقولنا (هو الله) ولا إله إلا (هو) مضاف إليه ياء النسبة لتدل الكلمة على عملية تحديد لكيان بعينه معرف بنفسه، متميز عن غيره، والهوية اصطلاحا هي عبارة عن مجموعة من الصفات المتكاملة، والعناصر المتفاعلة  فيما بينها لتعطي لشخص أو شعب معين، مميزات يعرف بها، ولا يختلط أمره فيها معهم أفرادا وشعوبا وأمما وقوميات.!!.

 وهي تنقسم إلى قسمين أو نوعين منفصلين ومتداخلين في ذات الحين:

1 ـ هوية فردية: وهي مجموعة علامات أو سمات وقرائن نفسية وجسدية، خاصة بشخص بعينه تميزه عن غيره من أبناء جنسه، بحيث أن لكل إنسان من ملايير البشر أربع خصائص تتكامل فيما بينها لتعطيه سمة خاصة به وحده دون غيره و هي:

أولا ـ بصمات الأصابع  (....)
ثانيا ـ البصمات الصوتية  (...) 
ثالثا ـ البصمات البصرية (...)
رابعا ـ الشفرة الوراثية داخل الخلية تجعل كل إنسان يختلف برقمه الخاص به عن غيره.

فبهذه القرائن الخاضعة للتجربة والقياس تحدد هوية كل فرد من الناس دون تكرار قد يحدث أي التباس. ومن هنا أتت كلمة "بطاقة الهوية" الخاصة بالصفات الفردية لكل إنسان داخل الأسرة الصغيرة أو داخل الأمة  الكبيرة. والذي يهمنا هنا هي الهوية الجماعية للأمم في الأوطان وليست الفردية التي تختلف صفاتها الجسدية من إنسان إلى انسان.

ولتوضيح العلاقة بين الصفات الجسدية لهوية الفرد الواحد بين الملايين والهوية الثقافية لملايين الأفراد  داخل الوطن، الواحد نأخذ مثالا من مطبوعة جواز السفر الوطني قبل ملئها من الإدارة المختصة.. فإننا نجد خانة الإسم واللقب ومكان الميلاد والقامة ولون العينين والشعر وما إلى ذلك كلها مملوءة بكيفية مختلفة إلا اسم الجنسية والانتماء إلى الوطن والأمة فنجده مكتوبا بكيفية نمطية في المطبوعة الأصلية، وهنا نقطة الالتقاء وكيفية الانتقال من الهوية الفردية التي هي حصيلة مجموعة من القرائن والسمات النوعية الخاصة بفرد بذاته إلى الهوية القومية التي تضم الملايين من الأفراد المختلفين على الصعيد الفردي والملتقين في صفات مشتركة على الصعيد الروحي..

يوم الحج الأعظم في عرفات وهم ملايين من البشر يجمعهمإاحساس واحد في قلب واحد وسلوك واحد أو متقارب في التسامي فوق المادية الجسدية والفوارق الفردية إلى أبعد الحدود في الانتماء إلى هوية الأمة المحمدية دون أية عنصرية وفوارق جسدية.

وزيادة في التوضيح لهذه العلاقة بين الفرد والوطن والأمة نضرب مثلا آخر بالورقة والشجرة والغابة.فالورقة هي الفرد والشجرة هي الوطن والغابة هي الأمة. ومثلما أن الشجرة تتخلى عن أوراقها في الفصول، وتبقى هي حية لعشرات القرون، فكذلك الأفراد الذين يتعاقبون جيلا بعد جيل على الوطن الواحد.. ومثلما تمثل الأوراق الساقطة سمادًا لتغذية الأشجار، يمثل الشهداء سمادًا أيضا لشجرة الوطن والأمة التي لو قطعت، أو اجتثت من جذورها لما بقيت ورقة واحدة حية ملتصقة بها.

تلك هي العلاقة العضوية في تصورنا بين الفرد والوطن الجغرافي وبين الهوية الوطنية والقومية في الكيان الثقافي.

ثانيا ـ الهوية الوطنية أو القومية

(نسبة إلى الوطن أو إلى الأمة التي ينتسب إليها شعب متميز بخصائص هويته ومن هنا يمكن تعريف هوية أية أمة أو شعب من الشعوب بأنها هي مجموعة من الصفات أو السمات الثقافية العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الأفراد الذين ينتمون إلى هذه الأمة أو هذا الشعب. والاختلاف في مقومات الهوية الفردية والهوية القومية، هو اختلاف في النوع وليس في الدرجة، فالهوية الفردية ذات سمات جسدية في الأساس كما رأينا  والهوية القومية ذات سمات ثقافية في الأساس دون أن يوجد أي تناقض بين الهويتين، بل هما ترتبطان بعلاقة جزء بكل...)

إن الثقافة شيء مكتسب ولا تمت بصلة إلى المسائل الغريزية أو الجسدية في الإنسان، ومن ثمة فتوحيدها والمحافظة على أنماطها العامة التي لها علاقة بالهوية تظل دائما رهن إرادة الإنسان الواعي بوجوده كفرد في أمة ذات هوية متميزة.
وفي معادلة موجزة يمكن القول بأنه إذا كانت بصمات الأصابع "الفردية" تميّز شخصا ما عن آخر كما قلنا.. فالثقافة الوطنية أو القومية في عمومياتها (كما سيأتي تفصيله بعد حين) هي البصمات الخاصة التي تجعل كل أفراد هذه الأمة أو تلك يتميزون بهويتهم الجماعية عن غيرهم من الشعوب والأمم..

فحدد لي ثوابت ثقافتك أحدد لك سمات هويتك الوطنية والقومية ولا تهم الوريقات الصفراء المريضة القليلة في تغيير لون الشجرة الخضراء الباسقة الظليلة..

مفهوم الثقافة

والثقافة بمعناها الواسع كما ورد في آخر تعريف لها في مؤتمر اليونيسكو بمكسيكو (1982) "هي جماع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات وإن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته والتي تجعل منا كائنات تتميز بالإنسانية".

فإن هذا التعريف وغيره من عشرات التعاريف التي وضعها العلماء على امتداد أكثر من قرن  (وبالضبط منذ سنة 1903) لا تخلو جميعها من الإقرار بخاصيتين أساسيتين في الثقافة هما :

1 ـ إن الثقافة شيء مكتسب ولا تمت بصلة إلى المسائل الغريزية أو الجسدية في الإنسان، ومن ثمة فتوحيدها والمحافظة على أنماطها العامة التي لها علاقة بالهوية تظل دائما رهن إرادة الإنسان الواعي بوجوده كفرد في أمة ذات هوية متميزة.

2 ـ إن الثقافة متبادلة التأثير مع الإنسان، وتؤثر بصفة خاصة على السلوك الفردي والجماعي. وتأكيدا لهذا المعنى يقول عالم الأنثروبولوجيا الثقافية(رالف لينتون Ralph Linton) في كتابه عن الإنسان وعلاقته بالثقافة: "إن الإنسان هو كائن له شكله الفيزيقي، وتراثه الاجتماعي وسماته الثقافية، إن الطفل قد يولد زنجيا من الناحية الفيزيقية.. ولكنه لو ينشأ في فرنسا مثلا فإنه يكتسب عادات اجتماعية وسيتصف بسمات ثقافية تميزه عن أقرانه الذين لم يبرحوا موطنهم الأصلي في القارة الأفريقية".

وهكذا نلاحظ أن الثقافة في مفهوم العلماء وفي أنماطها العامة هي أبعد ما تكون عن الفلكلور والثقافة الشعبية كما يذهب إلى اختصارها بعض الزعماء لأهداف سياسية انفصالية!!

ولبلورة هذه المعاني العامة للثقافة وتجسيدها في أمثلة ملموسة في حياتنا اليومية نقول بأن للثقافة جانبين متكاملين هما:

1 ـ جانب معنوي: ويتمثل في التأمل والتفكير والشعور والاعتقاد.

2 ـ جانب سلوكي ومادي: ويتمثل في قواعد المعاملات في جميع مجالات الحياة "العلائقية" بين الأفراد في المجتمع، وكذلك جميع الاختراعات العلمية والفنية التي يحققها هؤلاء الأفراد.

المسجد المبني بالحجر والطوب ـ مثلا ـ لا يتناقض في وجوده مع المسجد المبني بالإسمنت المسلّح والرخام، والمسجد الكبير لا يتناقض مع وجود المسجد الصغير ولكن الذي يتناقض ـ جوهريا ـ مع وجود المسجد، أو بعبارة أخرى مع الثقافة الوطنية أو ثقافة الأمة في عمومياتها هو عدم وجود المسجد أساسا في قرية أو مدينة داخل تراب الأمة، أو وجود كنيسة أو بيعة أو صنم بدلا من المسجد في أية قرية أو مدينة من تراب الوطن الإسلامي
وكما أن للثقافة جانبين مادي ومعنوي فلها أيضا مستويان لكل جانب:

1 ـ مستوى عالمي، وهو خاص بالإنسان كإنسان مقابل الحيوان.. كظاهرة ارتداء الحد الأدنى من الملابس لستر العورة (حتى في فصل الصيف، وظاهرة اللغة  وظاهرة الاعتقاد وظاهرة العلاقات الأسرية وظاهرة السلطة وما إلى ذلك من الخصائص الثقافية.

2 ـ مستوى محلي وطني (نسبة إلى الوطن أو قومي (نسبة إلى القوم) وهو تخصيص أو انتقال من العام إلى الخاص، ومن المشترك إلى المتميز، أي الانتقال من ظاهرة ارتداء الثياب إلى نوع الثياب بالذات، ومن قواعد الأخلاق إلى نوع القواعد ومحتواها القيمي في ذاتها، ومن ظاهرة النطق إلى نوع اللغة، ومن ظاهرة الاعتقاد إلى نوع المعتقد بذاته... وهذا ما يجعل أنماط الثقافة الوطنية التي هي أساس الهوية الوطنية تختلف بالضرورة عن الأنماط الثقافية العالمية في النوع وليس في الدرجة من الجانبين (المادي والمعنوي) في حين أن مميزات الثقافة الوطنية في عمومياتها هي واحدة النوع بالضرورة في الجانب المعنوي على الأقل، وقد تختلف من منطقة إلى أخرى داخل الوطن الواحد في بعض الجوانب المادية الداخلة في عداد البدائل أو الخصوصيات الجغرافية والمناخية .

فمن هذا المنطلق ـ إذن ـ يتم الفرز بين الثقافة كظاهرة إنسانية عامة والثقافة النوعية في المجتمع "الأمة" ذي الثقافة المتجانسة في الأسس كما يفترض أن تكون.

ولوضع الأيدي على نقاط الاتفاق الملزم والاختلاف المباح في هذه الأسس المتداخلة الأطراف، بقصد إدراك هذه العلاقة القائمة أو التي يجب أن تقوم  بين الهوية والسمات الثقافية العامة المميزة لهذه الأمة عن تلك  نورد هذا التقسيم العلمي للثقافة إلى مستويات أو دوائر ثلاث هي :

1 ـ العموميات: وهي النظم ذات العلاقة الوطيدة بالثقافة والهوية وذات التأثير المباشر لها منها وعليها ، والتي يتبعها ويخضع لها كل أفراد المجتمع الواحد..

2 ـ البدائل: أما البدائل الثقافية فهي مجموعة من النظم التي لا تطبق على كافة أفراد المجتمع في الوقت ذاته وبنفس الكيفية، وإنما هي نظم وأنماط ثقافية اختيارية بحيث يمكن للفرد أن يختارها كلها أو يختار بعضها أو يتركها دون حرج ودون أن يناله عقاب من أحد مثل المباح  الذي لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.

3 ـ الخصوصيات: إذا كانت النظرة الخارجية للمجتمع تعطينا صورة شكلية عن الطابع الثقافي العام الذي يميز المجتمع الواحد، ويسم هويته الوطنية بطابع خاص ( كظاهرة حجاب المرأة المسلمة  في المجتمعات الملتزمة  ) فإن النظرة إلى المجتمع من الداخل مع بعض التدقيق تكشف لنا عن وجود خصوصيات ثقافية ذات علاقة  ببعض الفئات الاجتماعية دون الأخرى، وهذه الفئات تتحدد بحسب السن والجنس والمهنة والمناطق الجغرافية داخل البلد الواحد، ومن هنا نجد أفراد المجتمع الواحد إذا كانوا يلتقون بالضرورة في العموميات الثقافية أو في بعض البدائل (كما أسلفنا)، فإنهم على العكس من ذلك قد يختلفون في بعض الخصوصيات الجغرافية والفلكلورية التي تتكامل ولا تتناقض مع الهوية الوطنية، كما سنبين ذلك بعد حين :

ثالثا ـ علاقة الثقافة بالدين

لا يوجد شيء في حياة المجتمعات البشرية ألصق بالثقافة من الدين واللغة، على أن اللغة وإن كانت واضحة العلاقة بالثقافة، فإن الدين بالغ التأثير فيها والتأثر بها أحيانا..

ولنوضح هذه العلاقة بين الثقافة في عمومياتها (الملزمة) وبدائلها الفرعية ( غير الملزمة لكل أفراد المجتمع )، نضرب المثال التالي   من واقعنا المجتمعي في أقطارنا الإسلامية مغربا ومشرقا   :

إن العائلات المسلمة تحتفل بصبيها عندما يصوم أول يوم في حياته، ولكن هذه العائلات وإن اتفقت جميعها على مبدأ الاحتفال، فإنها تختلف في طريقة الاحتفال من منطقة إلى أخرى إن لم يكن من عائلة إلى أخرى.

 فالاحتفال في ذاته يدخل في العموميات الثقافية مثل الصوم أو الختان أو طريقة الدفن أو إقامة  الافراح والعلاقات الزوجية والعائلية  والدفاع عن الشرف وطاعة الوالدين..

أما طريقة الاحتفال والبذخ والصداق المؤخر فتدخل ضمن البدائل الثقافية الفرعية.. وهذا أمر طبيعي جدا يخضع للعادات المحلية الفرعية ولا يتعارض في جوهره مع الثقافة الوطنية التي هي جزء أصيل من ثقافة الأمة في عمومياتها المتميزة بالشمولية والثبات النسبي !!؟؟.

والذي يهمنا التأكيد عليه في هذا الصدد هو أن الثقافة الفرعية الخاصة بالوطن والإقليم داخل الأمة الواحدة لا يمكن أن تتناقض في جوهرها مع الأنماط الثقافية العامة والثابتة لهذه الأمة.

فالمسجد المبني بالحجر والطوب ـ مثلا ـ لا يتناقض في وجوده مع المسجد المبني بالإسمنت المسلّح والرخام، والمسجد الكبير لا يتناقض مع وجود المسجد الصغير ولكن الذي يتناقض ـ جوهريا ـ مع وجود المسجد، أو بعبارة أخرى مع الثقافة الوطنية أو ثقافة الأمة في عمومياتها هو عدم وجود المسجد أساسا في قرية أو مدينة داخل تراب الأمة، أو وجود كنيسة أو بيعة أو صنم بدلا من المسجد في أية قرية أو مدينة من تراب الوطن الإسلامي، وكذلك الصوم فلا يناقضه إلا الإفطار بدون عذر شرعي (استثنائي).

إن الأقلية الهامشية موجودة في كل زمان ومكان وفي كل الثقافات والأديان، وقد ظلت موجودة حتى في مكة المكرمة في عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، ولكن وجود أبي جهل وأبي لهب ـ مثلا ـ لم يمنع قاعدة الإسلام من أن تنتصر وتنتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وهي تزداد انتشارًا يوما بعد يوم حتى هذه اللحظة بين المسيحيين في الغرب بقيمها الذاتية على الرغم من ضعف المسلمين
وإذا صادف المرء ثقافة "فرعية" في بلادنا الإسلامية تروج لإباحة الإفطار في رمضان، فهي ثقافة غير إسلامية، وبالتالي غير وطنية بكل تأكيد على اعتبار أن الإسلام يمثل (بشهادة وإقرار الأغلبية) جوهر وأساس ثقافة أمتنا، ومن ثم جوهر وأساس هويتنا الوطنية والقومية، كما يقر بذلك حتى المسيحيون العرب النزهاء من غير الصليبيين  العملاء  وهم مثل المسلمين الباطنيين والمنافقين..  وإن الذي يهمنا في هذا كله هو القاعدة العامة والغالبة وليس الاستثناء!!

فالاستثناء موجود في جميع أنحاء العالم، وفي جميع المجتمعات والأمم، ولكنه دائما يعيش على هامش التاريخ والواقع لتلك المجتمعات، ولا يغير القاعدة العامة والغالبية أبدا إن لم  يثبتها !

إن الأقلية الهامشية موجودة في كل زمان ومكان وفي كل الثقافات والأديان، وقد ظلت موجودة حتى في مكة المكرمة في عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، ولكن وجود أبي جهل وأبي لهب ـ مثلا ـ لم يمنع قاعدة الإسلام من أن تنتصر وتنتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وهي تزداد انتشارًا يوما بعد يوم حتى هذه اللحظة بين المسيحيين في الغرب بقيمها الذاتية على الرغم من ضعف المسلمين والصورة السلوكية السيئة التي يعطونها عن الإسلام لغير المسلمين ومع ذلك فالإسلام أكثر الديانات انتشارا بين المتعلمين في العالم من كل الأديان الأخرى التي تتقلص بالالحاد وبتفكك أواصر العلاقات الأسرية والإنسانية بين أفرادها إلى درجة الانحلال والتفسخ  المطلق.

وعن كيفية تكون الثقافة العربية الإسلامية وانتشار هويتها في كل الأقطار التي اعتنق أهلها الإسلام منذ نزول القرآن  ومن أبرزها بلدان المغرب العربي، يقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه (الحضارة)، طبعة الكويت، صفحة 51): "أبرز مثل لفتح ثقافي فكري هو ما حدث عند قيام الإسلام، وخروج العرب من جزيرتهم لنشره في نواحي الأرض، فقد قامت الدعوة له على أساس القرآن المكتوب بلسان عربي مبين، فانتشر الإسلام وانتشرت اللغة العربية معه، والإسلام عقيدة شاملة جامعة لأمور الدين والدنيا، وهو آخر رسالات الله إلى البشر، ورسالة الله إلى البشر في صميمها واحدة، وقد جاء القرآن حاملا للبشر نص الرسالة الإلهية في آياته، فلقيت هذه العقيدة القبول الواسع في كل مكان وصلت إليه ، واتجه الذين آمنوا بها إلى قراءة القرآن، فكان لابد أن يتعلموا العربية والعربية لغة كاملة، خرجت إلى الدنيا خارج الجزيرة ـ مكتملة النمو، بنحوها وصرفها وبلاغتها وكتابتها أيضا فغلبت على غيرها من اللغات، لأنها لغة القرآن أولا، ثم بفضائلها الذاتية ،ثانيا فأصبحت لغة الناس في العراق والشام ومصر والمغرب والأندلس،  وهذا أكبر مثل للفتح الثقافي عرفه التاريخ".

وهذا كله تم بكيفية عفوية وتلقائية وطوعية وليس بطريقة جبرية كما أثبتنا ذلك في مقالنا السالف الذكر..  وهكذا نكون قد بينا الفرق بين الهوية الفردية ذات السمات الجسدية والهوية الجماعية الوطنية ذات السمات الثقافية النمطية العامة وليست الجزئية القروية والرعوية والجهوية الخاصة بالثقافة المادية الناتجة عن اختلاف الظروف المناخية لكل منطقة جغرافية داخل الوطن الواحد بتضاريسه المختلفة وموارده الاقتصادية المفروض عليه التكيف معها في إطار قيمه الثقافية الجماعية ..
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع