تكررت رسائل الجنرال
المصري للرأي العام المحلي خلال شهر كانون الثاني/
يناير الحالي، بهدف تبرئة الإدارة الحالية من تدهور الحالة
الاقتصادية، التي
تبلورت مظاهرها في التراجع الشديد لسعر صرف الجنيه المصري أمام العملات العملات
الأجنبية، والارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع والخدمات، والركود في الأسواق، والاستجابة
لشروط لصندوق النقد الدولي المصاحبة لقرضه الأخير محدود القيمة، والتي تزيد من
حالة الركود والفقر وتقلل النمو وتزيد معدلات البطالة.
وها هو يقول في مناسبة عيد الشرطة قبل أسبوع إن "ما يتم ترديده من
دعادى مضللة تهدف لتصدير الأزمة الاقتصادية، كأنها شأن مصري خالص ونتيجة للسياسات
الاقتصادية للدولة والمشارع القومية"، وقال في موضع آخر إن "هذه الظروف
ليس لمصر دخل بها".
والحقيقة أن من قال إن الأزمة الاقتصادية في مصر قد سبقت الحرب الروسية
الأوكرانية، هي مؤسسات دولية وخبراء أجانب كان آخرهم تقرير صندوق النقد الدولي عن
مصر الصادر في العاشر من الشهر الحالي، الذي ذكر أن عوامل الأزمة الاقتصادية كانت
موجودة قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، لكن نشوب الحرب ساهم في زيادة
تداعياتها. أما المصريون فلا توجد لديهم منافذ إعلامية في الداخل يمكن أن يقولوا
من خلالها مثل تلك الآراء!
من قال إن الأزمة الاقتصادية في مصر قد سبقت الحرب الروسية الأوكرانية، هي مؤسسات دولية وخبراء أجانب كان آخرهم تقرير صندوق النقد الدولي عن مصر الصادر في العاشر من الشهر الحالي، الذي ذكر أن عوامل الأزمة الاقتصادية كانت موجودة قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، لكن نشوب الحرب ساهم في زيادة تداعياتها
بداية الأزمة قبل عام من الحرب الروسية
كما أن من قال إن الأزمة المصرية قد سبقت الحرب الروسية هو البنك المركزي
المصري، حين ذكر في النشرة الشهرية له أن صافي الأصول الأجنبية بين الأصول والالتزامات
تجاه الخارج لدى البنوك التجارية المصرية، قد بدأ في التراجع من شهر آذار/ مارس
2021 إلى 3.7 مليار دولار مقابل 6.8 مليار دولار في الشهر السابق.
واستمر هذا الصافي في الانخفاض حتى تحول إلى رقم سالب في تموز/ يوليو،
واستمر ذلك العجز حتى الآن، ولحق به عجز في صافي الأصول الأجنبية في البنك المركزي
بعد ذلك، مستمر أيضا حتى الآن، حتى بلغ العجز في الجهاز المصرفي الذي يضم كلا
الجهتين 22 مليار دولار في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي كآخر بيانات منشورة،
منها 8.5 مليار دولار في البنك المركزي و13.5 مليار دولار في البنوك التجارية.
وهكذا فقد بدأت المشكلة من آذار/ مارس 2021 أي قبل نشوب الحرب الروسية بعام
كامل، وقبل إعلان الفيدرالي الأمريكي عن نيته رفع الفائدة لمواجهة التضخم، وقبل
خروج الأموال الساخنة من مصر، والتي ظلت ترتفع أرصدتها حتى أيلول/ سبتمبر 2021.
وقال الجنرال في نفس المناسبة إن "الفجوة الدولارية ليست وليدة اليوم
أو هذه الفترة، ولكنها دائما لها نمط متكرر وجوهرها هو ضعف قدراتنا الإنتاجية
والتصديرية، ولذلك فإن زيادة الإنتاج والتصدير هي قضية مفصلية بالنسبة لمصر ونعمل
على تحقيقها".
طالما أن المشكلة واضحة لديه، فلماذا لم تركز مشروعاته القومية على تقوية القدرات الإنتاجية والتصدرية للتغلب على تلك الفجوة الدولارية، بدلا من مشروع توسعة قناة السويس الذي قال بنفسه أكثر من مرة إنه كان لرفع الروح المعنوية، كما ذكر محافظ البنك المركزي هشام رامز وقتها أنه تسبب في زيادة نقص الدولار، وتمت إقالته بسبب هذا التصريح قبل انتهاء مدته القانونية بعام كامل؟
وهنا نتساءل: طالما أن المشكلة واضحة لديه، فلماذا لم تركز مشروعاته
القومية على تقوية القدرات الإنتاجية والتصدرية للتغلب على تلك الفجوة الدولارية،
بدلا من مشروع توسعة قناة السويس الذي قال بنفسه أكثر من مرة إنه كان لرفع الروح
المعنوية، كما ذكر محافظ البنك المركزي هشام رامز وقتها أنه تسبب في زيادة نقص
الدولار، وتمت إقالته بسبب هذا التصريح قبل انتهاء مدته القانونية بعام كامل؟ إلى
جانب مشروعات الطرق والكباري والعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة، وغيرها من
المشروعات التي لا تزيد القدرة الإنتاجية والتصديرية للبلاد؟
20 في المائة من استصلاح 1.5 مليون فدان
وبالطبع سيقول أنصار النظام إن الجنرال قد أعلن عن مشروع قومي للغذاء، في
الثالث والعشرين من آب/ أغسطس 2016 في حواره مع رؤساء تحرير الصحف الحكومية، يتضمن
إنشاء مائة ألف صوبة زراعية لتوفير الخضر، وإنشاء مزرعة ضخمة للإنتاج الحيواني بإجمالي
مليون رأس بحلول حزيران/ يونيو 2018 لتوفير للحوم والألبان، بالتعاون مع إسبانيا
والمجر وهولندا. وقد سبق هذا إعلان مشروع في أيلول/ سبتمبر 2014 لاستصلاح مليون
فدان خلال عام، والذي زادت التصريحات الرسمية مساحته بعد شهور قليلة إلى 1.5 مليون
فدان.
وهنا لن نسمع للإعلام المعارض في الخارج، وسنعمل بنصيحة الجنرال ألا نستمع
سوى إليه، والتي ذكرها عند قضية تيران وصنافير، وكررها في مؤتمر التحالف الوطني الأهلي
الشهر الحالي. ولأن الإعلام المحلي ليس بمقدوره سؤال الجنرال عن أي شيء، فإنه في
خطاباته يطرح الأسئلة على نفسه ويجيب عليها، أو يسأل أحد حضور مؤتمراته. ففي
افتتاح مدينة المنصورة الجديدة الشهر الماضي سأل مدير جمعية الأورمان عما تم بمشروع
رؤوس الماشية وانتاج الألبان. ورد الرجل أمام الحضور وعلى الهواء
بأنه تم تسليم مائة رأس ماشية بالمشاركة مع وزارتي الزراعة والتضامن الاجتماعي، أما
عن مبادرة الإنتاج الحيواني فقد جرى التنفيذ على 250 رأس ماشية اشتراها أحد
المستثمرين العرب لإنتاج اللحوم وليس الألبان.
لن نسمع للإعلام المعارض في الخارج، وسنعمل بنصيحة الجنرال ألا نستمع سوى إليه، والتي ذكرها عند قضية تيران وصنافير، وكررها في مؤتمر التحالف الوطني الأهلي الشهر الحالي. ولأن الإعلام المحلي ليس بمقدوره سؤال الجنرال عن أي شيء، فإنه في خطاباته يطرح الأسئلة على نفسه ويجيب عليها، أو يسأل أحد حضور مؤتمراته
أما عن نتائج مشروع استصلاح مليون ونصف فدان فقد سأل الجنرال نفسه عنه
وأجاب، في خطابه بختام المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
أي بعد ثماني سنوات من إطلاق المشروع: "ما هو حجم ما تمت زراعته بمشروع
استصلاح 1.5 مليون فدان؟ من 10 إلى 20 في المائة ولم تتم الزراعة بالجودة التي كنا
نتمناها". وقال الجنرال في نفس الخطاب: "إن استصلاح 3 مليون فدان مسألة
أمن قومي للدولة المصرية". وما زلنا في انتظار معرفة ماذا تم بشأن ذلك؟
أما عن مشروع انشاء مائة ألف صوبة زراعية التي تم الإعلان عنها عام 2016، وتم
الوعد حينذاك بإنجازها قبل منتصف عام 2018 على مساحة مائة ألف فدان، فقد تم
الإعلان في الثاني والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2018، أي بعد نصف عام على موعد
انتهاء المشروع، عن إنشاء 7100 صوبة في خمس مناطق هي: 600 صوبة في العاشر من رمضان،
و2350 صوبة في أبو سلطان بالإسماعيلية و1302 صوبة في الحمام بقاعدة محمد نجيب
العسكرية، و529 صوبة في شرق الإسماعيلية، و800 صوبة في اللاهون بالفيوم. ومنذ ذلك
الحين ما زلنا نترقب أية أخبار عن المشروع.
تراجع النمو السكاني بالسنوات العشر الأخيرة
أما عن تسبب النمو السكاني الذي يبلغ مليوني نسمة سنويا في ابتلاع ثمار
التنمية، كما ذكر في خطابه الأخير في الاحتفال بعيد الشرطة، فقد سبق الاحتفال بأيام
قليلة إعلان جهاز الإحصاء الحكومي عن بيانات المواليد والوفيات لعام 2021، ليعلن الجهاز
أن صافي الزيادة الطبيعية للسكان خلال العام بلغت مليونا و443 ألف نسمة وليس مليوني
شخص.
والأهم من ذلك ما ذكره الجهاز الرسمي من أن معدل الزيادة الطبيعية للسكان في
تناقص مستمر منذ عام 2012 وحتى عام 2021 بلا انقطاع، من 2.49 في المائة عام 2012
إلى 1.41 في المائة عام 2021، حيث تراجعت معدلات المواليد الأحياء بينما زادت
معدلات الوفيات خلال تلك الفترة.
أما عن تصريح الجنرال بخطابه بالكلية الحربية الشهر الحالي بأن الأسعار قد ارتفعت
في العالم كله لتبرير زيادتها محليا، فإن بيانات معدلات التضخم السنوية في المناطق
الحضرية في العالم، الصادرة خلال الشهر الماضي، تشير إلى تدني معدل التضخم في دول
كبيرة السكان بالمقارنة بمعدل التضخم الرسمي المصري الذي لا يجد قبولا لدى العامة،
حيث بلغ 1.8 في المائة بالصين، و4.55 في المائة بفيتنام، و5.5 في المائة بإندونيسيا،
و5.7 في المائة بالهند، و5.8 في المائة بالبرازيل، مقابل 21.3 في المائة بالمدن
المصرية.
وفي حضر دول نامية عديدة كانت معدلات التضخم السنوية أقل منها بمصر، حيث
كانت أقل 2 في المائة بسلطنة عمان، وأقل من 3 في المائة في بنما وبنين وغينيا الاستوائية،
وأقل من 4 في المائة في ماليزيا والبحرين والكويت والنيجر وبوليفيا وفيجى واكوادور،
وأقل من 5 في المائة في فلسطين والعراق وإريتريا وتنزانيا، وأقل من 6 في المائة في
ساحل العاج وإسرائيل وقطر.
twitter.com/mamdouh_alwaly