يتوجه
التونسيون إلى صناديق الاقتراع الأحد للمشاركة في
الدور الثاني من
الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا لها الرئيس قيس سعيّد، وسط مخاوف من العزوف، بعد أن وصلت نسبة المشاركة في الدور الأول 11.22 بالمئة.
ويشارك في الدور الثاني 7 ملايين و850 ألف ناخب تونسي داخل البلاد، لاختيار 131 نائبًا من أصل 161 لعضوية مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بين الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي (07.00 ت.غ) والسادسة مساءً (17.00 ت.غ).
ويتنافس في هذا الدور 262 مترشحًا، من ضمنهم 34 امرأة، من أجل الالتحاق بـ23 عضوا (3 نساء و20 رجلًا) ضمنوا مقاعدهم في البرلمان المقبل من خلال الدور الأول، من ضمنهم 10 خاضوا الانتخابات دون منافسة، مقابل 3 أعضاء فقط حصلوا على أغلبية الأصوات (50 بالمئة زائد واحد).
في المقابل، غابت الترشيحات في 7 دوائر انتخابية بالخارج، فيما يُتوقّع إجراء انتخابات جزئية فيها في وقتٍ لاحق لاستكمالها بعد تشكيل البرلمان الجديد.
ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن النتائج الأولية للدور الثاني سيكون في أجلٍ أقصاه الأول من شباط/ فبراير المقبل، على أن يتم التصريح بالنتائج النهائية عقب غلق ملفات الطعون في أجلٍ لا يتجاوز يوم 4 آذار/ مارس 2023.
والانتخابات النيابية هي آخر نقطة في خارطة الطريق التي أعلن عنها سعيّد نهاية العام الماضي، والتي تضمنت إجراء استشارة وطنية واستفتاء شعبي على دستور جديد وعقد انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، الذي يتزامن مع الذكرى الثانية عشر لانطلاق الثورة.
وبلغت نسبة الإقبال على المشاركة في الدور الأول 11.22 بالمئة، وهي النسبة الأضعف في البلاد منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وأدت إلى أول ديمقراطية في العالم العربي.
وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عقب الثورة 52 بالمئة، و69 بالمئة في انتخابات مجلس نواب 2014، و41.3 بالمئة في انتخابات البرلمان السابق الذي حلّه سعيّد.
إجراءات جديدة
وفي تقييم للحملة الانتخابية الخاصة بالدور الثاني التي دخلت مرحلة الصمت السبت، اعتبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، ناصر الهرابي، أن "نسق الحملة كان شبيها بزخم الدور الأول، بل كان أضعف في بعض الدوائر الانتخابية"، مفسرا ذلك بتراجع عدد المرشحين الذي بلغ 1058 مترشحا في الدور الأول، مقابل 262 في هذا الدور".
وفي تصريح لـ"
عربي21"، قال الهرابي إن "بعض المترشحين لم يكونوا جديين خلال الحملة الانتخابية، حيث تغيّب عدد منهم عن حلقات التواصل مع الناخبين، رغم الآليات التي وفرتها هيئة الانتخابات من أجل تسهيل الحملة دون العودة إليها".
وفي السياق، اتخذت هيئة الانتخابات جملة من الإجراءات من أجل إقناع الناس بالمشاركة في الانتخابات، حيث قال رئيس الهيئة في تصريح لـ"
عربي21" إن "الهيئة ستركز هذه المرة على مزيد التعريف بالمترشحين، خاصة أن من أسباب العزوف في الدور الأول عدم معرفة المترشحين وكثرة عددهم الذي تجاوز الألف".
واعتبر بوعسكر أن "الاختيار سيكون أسهل في الدور الثاني؛ لأن هناك تنافسا بين مترشحين فقط عوضا عن 22 في بعض الدوائر في الدور الأول، كما ستكون هناك حصص تعبير مباشرة ومناظرات تلفزية، إضافة إلى الحملات الانتخابية الخاصة بالمتنافسين".
وقامت الهيئة بالتعريف بالمترشحين عبر موقعها الرسمي، مع فتح المجال للمترشحين للمشاركة في المناظرات التلفزية للتعريف ببرامجهم الانتخابية، وهي خطوة أثارت جدلا خلال الدور الأول، ما تسبب في عدم مشاركة جزء مهم من المترشحين في المناظرات.
"عزوف المواطنين"
ورغم هذه الإجراءات، قال المدير التنفيذي لمرصد شاهد إن "النسق العام للحملة بقي على حاله تقريبا، وسط عزوف المواطنين، حيث لم يهتموا بالبرامج وحلقات التواصل التي نظمها المترشحون".
وأشار إلى أن هيئة الانتخابات حاولت تطوير آليات الحملة من أجل إيصال صوت المترشحين إلى الناخبين وتدارك الإحراج الذي وقع لها في علاقة بنسبة الإقبال على المشاركة في الدور الأول، مستدركا بالقول إن هذه الخطوات تبقى غير كافية.
وفسر ذلك بالتشديد على أن "المشكل بالأساس يتعلق بالمناخ العام السائد في البلاد، باعتباره غير مهيأ لإجراء انتخابات ديمقراطية ينخرط فيها كل التونسيين المعنيين بالعملية الانتخابية وبالعملية السياسية بصفة عامة".
وأضاف الخبير في الشأن الانتخابي: "تأتي هذه الانتخابات في وقت استثنائي تقاطع فيه الأحزاب السياسية الوازنة العملية الانتخابية، وهي التي كانت تقوم بالتعبئة في الشارع وتعطي مظهرا خاصا للانتخابات، لكنها غائبة الآن".
وتابع: "زد على ذلك أن المواطن التونسي يعتبر في بعض الحالات أنه غير معني بالعملية الانتخابية وبالبرلمان القادم، في ظل قانون انتخابي يقوم على التصويت على الأفراد، على عكس الأحزاب التي كانت تنزل بثقلها في الانتخابات".
وعن توقعه لنسبة المشاركة، قال ناصر الهرابي إنه من المنتظر أن تبلغ نسبة الإقبال على الدور الثاني 17 أو 18 بالمئة، فيما أشارت الهيئة الانتخابية إلى أن النسبة ستكون بين 20 و30 بالمئة.
وأضاف: "في الدور الأول توقعنا أن تبلغ النسبة بين 20 و30 بالمئة، لكنها كانت 11.22 بالمئة، وعليه فإن النسبة ستكون في حدود 17 أو 18 بالمئة، ومن الممكن أيضا أن تصل إلى 15 بالمئة".
"تحسن الوضع"
في المقابل، قال أحد المترشحين الشباب، طلب ذكر نشر اسمه بسبب قانون فرضته هيئة الانتخابات يمنع المتنافسين من الإدلاء بتصريحات لوسائل إعلام أجنبية، إن الوضع تحسن قليلا في الدور الثاني، مقارنة بالدور الأول.
وفي تصريح لـ"
عربي21"، اعتبر المترشح أن الهيئة حاولت تدارك نسبة المشاركة الضئيلة في الدور الأول من خلال إقرار جملة من الإجراءات الجديدة، رغم الظرف الصعب الذي تعرفه البلاد، والذي يشجع أصلا على العزوف.
وأضاف: "الإجراءات الجديدة سهلت علينا كمترشحين الوصول إلى المترشحين من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، شخصيا شاركت في مناظرات سمحت لي بالتعريف ببرنامجي الانتخابي".
وتابع: "كما قدمت الهيئة تسهيلات للتواصل مع الناخبين، حيث أصبحنا نقوم بحلقات تواصل في المقاهي والأماكن العامة بحسب ما يضبطه القانون الانتخابي، لكن دون العودة إلى الهيئة التي فسرت جيدا الإجراءات الانتخابية خلال الدور الثاني، على عكس الدور الأول".
واستدرك بالقول: "للأسف تبقى هذه الإجراءات غير كافية لتشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات رغم أهميتها، فالهيئة توجهت بالأساس من خلال هذه الإجراءات إلى المترشحين، فيما لم تتوجه للناخبين سوى من خلال الرسائل النصية عبر الهواتف، والتي أصبحت محل تندر في بعض الأحيان نظرا لغياب رؤية اتصالية واضحة".
وعن توقعه لنسبة المشاركة، قال المترشح: "أتوقع أن تبلغ النسبة 20 بالمئة على الأقل لسببين اثنين، الأول يتمثل في الإجراءات التي أعلنت عنها الهيئة، والثاني يعود إلى أن في كل دائرة سيكون هناك مترشحان اثنان فقط، ما سيجعل عملية الاختيار أسهل من الدور الأول".
واختتم بالقول: "في المجمل، ستبقى نسبة الإقبال ضعيفة بسبب الوضع العام الذي تشهده البلاد بسبب الأزمة السياسية التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي، الأمر الذي لا يشجع المواطن العادي على المشاركة في الشأن السياسي، وفي الانتخابات بصفة عامة".
"الوضع الاقتصادي والاجتماعي"
وفي قراءة للدور الثاني، قال الكاتب الصحفي التونسي عائد عميرة إن الوضع لن يختلف كثيرا في الدور الثاني، مشددا على أن هيئة الانتخابات لم تتوفق في التعريف والتسويق للانتخابات.
وأكد في تصريح لـ"
عربي21" أن "الحملة الانتخابية لم تكن ذات زخم كبير لنتابعها كما كان الوضع في السابق، حيث غابت الحملة على الميدان وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي".
وفسر الكاتب الصحفي ذلك بـ"غياب الأحزاب السياسية" قائلا إن "الأحزاب كانت تقوم بحملات كبيرة في السابق باعتبار أن لها انتشارا كبيرا لكن هذا ليس موجودا في هذه الانتخابات".
كما برر توقعه بضعف الإقبال على المشاركة في الدور الثاني بـ"الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعرفه البلاد"، قائلا إن "المواطن العادي لم يعد يهتم بالشأن العام، بل أصبح يبحث عن توفير قوته اليومي".