مقالات مختارة

كلام عن العلاقة بين إسرائيل والأردن

أرشيفية
دعونا نتحدث بصراحة اليوم، حول وجود إسرائيل في فلسطين، وتأثير هذا المشروع استراتيجيا على الأردن، حتى لا نبقى ندور في دائرة شراء الوقت، وجدولة الأزمات، والمراهنة اليومية على مراحل إسرائيلية معينة.

اذا عدنا إلى قواعد الصراع في المنطقة، فنحن أمام احتلال، احتل بلدا عربيا كاملا، ومشروعه يهدد كل المنطقة بوسائل مختلفة، من بينها الاحتلال العسكري، إضافة إلى التمدد الاقتصادي، وغير ذلك من أنماط، بما يعني أن الركون إلى معاهدة السلام مع إسرائيل، لا يجوز أن يكون ركوناً مستداماً، وكأن هناك سلاما حقيقيا ودائما.

استبدال التعبيرات العميقة، امر حساس، أي من اعتبار إسرائيل مهددا كليا، إلى اعتبار إسرائيل مهددا جزئيا، وهذا ما نعيشه الآن، أي اعتبار إسرائيل مجرد مهدد جزئي، في ملفات معينة، من عناوينها المسجد الأقصى، وسيناريو تهجير الفلسطينيين، والحل على حساب الأردن، وانفلات الأوضاع في الضفة الغربية، وغير ذلك، وكلها مهددات يتم التعامل معها على أساس فصلها الكامل عن المهددات الكلية وهذه المهددات الكلية لا تقبل وجود مشروعين في المنطقة، مشروع الاحتلال، والأردن كدولة ناجزة، وقائمة.

السياسيون المحترفون والهواة في الأردن، يطرحون نظريات في دوائر العصف الذهني، فالبعض يقول لك إن الحل الوحيد هو التعامل مع كل أزمة بأزمتها، فإسرائيل ليس مهددا كليا، بل جزئيا، بسبب معاهدة وادي عربة، ووجود ضمانات أميركية، وحدود لا تستطيع أن تتعداها إسرائيل، وهذا الفريق يعتقد أن جدولة الأزمات والتعامل معها، هو السبيل الوحيد المتاح أمام الأردن، للتعامل مع كلفة الاحتلال، على أطول حدود، إضافة إلى تثبيت السلطة الفلسطينية، باعتبارها هيكلاً سياسياً يفصل بين الأردن وإسرائيل.

الفريق الثاني وهو فريق يصف نفسه بالبراغماتي يقول بشكل علني أحيانا أن الاحتلال أمر واقع، وان الانفتاح عليه، بل والتحالف معه في سياقات اقتصادية، وضمن عملية إعادة الفك والتركيب في المنطقة، افضل بكثير، من المواجهة الجزئية أو الكلية، وان العلاقات الدولية هي الأساس، في ظل غياب أي ظهر عربي والإسلامي مساند للأردن، بل وفي ظل معادلات متقلبة تفرض على الأردن، أن يزيد مزاياه النسبية، بما يجعل الاحتلال غير قادر على تجاوز الأردن، ويطرح هؤلاء تصورا للحلقة الفلسطينية هنا، وإمكانية دمجها في تعاون ثلاثي، بعد أن ثبتت كلفة الحروب والمواجهات وانها لن تأتي بنتائج.

الفريق الثالث، والذي لا يريد أبناء الفريق الأول ولا الثاني الاستماع له أصلا، يقول إن العودة إلى قواعد الصراع في التقييمات، وتحديد المواقف افضل بكثير من هذه الطروحات، فإسرائيل كيان قد يتعامل مع الأردن مرحليا، لكنه مهدد كلي للأردن على المدى الاستراتيجي، وله مصالح في الأردن اقلها أن الأردن جزء من مشروع التوسع الإسرائيلي، وان مصلحة إسرائيل في الأردن تكمن في إضعافه، وجعله هشا دون إسقاطه بشكل كامل، وهذا الفريق يرى أن الهروب من هذه الحقائق، سيجعلنا جميعا أمام صدمة لاحقا، بسبب التحولات في المشروع الإسرائيلي، التي من ابرزها تفريغ معاهدة أوسلو من محتواها، بما يعني أن معاهدة وادي عربة غير محصنة بشكل كامل، وان الخطر الإسرائيلي ليس جزئيا، بل كليا، وان كان يبدو بنظر البعض اليوم، خطرا جزئيا تتم إدارة التعاملات معه بشكل يومي وسياسي، ويريد هذا الفريق أن يسترد الأردن ولو في مراكز التقييم والقرار المغلقة، قواعد الصراع، باعتبار أن المشروع الإسرائيلي مهدد حقيقي للأردن ويتضاعف كل يوم.

أمام هذا التنوع في الآراء، يأتيك من يأخذ منها كلها، ويقول لك صراحة إن الكل يدرك إن إسرائيل تعد مهددا كليا للأردن، لكن إدارة الأمر باعتبارها مهددا جزئيا، هو الذي نراه اليوم، من اجل عدم منح الاحتلال الفرصة والسبب للوصول إلى سيناريوهات يريدها بشكل أو آخر، ولا احد يسأل من يقولون هذا الكلام عن ضماناتهم لنجاح هذه السياسة، على المدى الاستراتيجي، خصوصا، مع الضغوطات التي تتراكم على المشروع الإسرائيلي داخل فلسطين، والتي بحاجة إلى نقاط تنفيس وإعادة صناعة للأزمات في دول ثانية لإنقاذ المشروع الإسرائيلي، من أثقاله وأزماته الداخلية، عبر الحروب أو التمدد أو إعادة ترسيم الخرائط الجيوسياسية والديموغرافية.

الخلاصة أن المرحلة لم تعد تسمح بالتكتيكات، ولا بد من مراجعة جذرية لمخاطر المشروع الإسرائيلي.

الغد الأردنية