بدأت الأربعاء زيارة وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو إلى واشنطن، ليلتقي بنظيره الأمريكي أنطوني بلينكن. وتأتي الزيارة في ظل تطورات كثيرة إقليمية ودولية يحتاج الحليفان الأطلسيان للتباحث بشأنها، كما في ظل انتفاخ ملفات خلافية عديدة بينهما، لا بد من طرحها على الطاولة بين الوزيرين.
من المحتمل أن تكون السياسة الجديدة التي تعمل أنقرة على بلورتها في الصراع السوري، وعنوانها العريض التطبيع مع نظام الأسد، أحد البنود الرئيسية على طاولة المباحثات. فعلى رغم فقدان الاهتمام الأمريكي بالموضوع السوري، لا يمكن تصور أن تبقى واشنطن حيادية تجاه الانعطاف التركي الذي من شانه أن يغير المعادلات في الصراع السوري تغييراً كبيراً. الموقف الأمريكي معلن على أي حال من أي عملية تطبيع مع نظام الأسد، وهو الرفض الصريح. من المحتمل أن يسعى شاويش أوغلو إلى إقناع نظيره الأمريكي بموجبات السياسة الجديدة وربما فوائدها. وإذا كان من غير المتوقع أن تعمل واشنطن على عرقلة هذا المسار، فمن المحتمل أن تربط مباركتها له بشروط معينة، أو بمقايضتها بمطالب في موضوعات خلافية أخرى. مباركةً من شأن حصولها أن تمنح
تركيا ورقة قوة في مواجهة روسيا والنظام.
فقد رأينا أن نظام الأسد عاد إلى رفع سقف شروطه قبيل الموعد المفترض لاجتماع وزيري الخارجية التركي والأسدي برعاية روسية، فاشترط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ووقف الدعم عن المجموعات المسلحة التي تدعمها أنقرة. صحيح أن هذه الشروط ليست جديدة، لكنها لم تمنع عقد اجتماع موسكو بين وزيري الدفاع في أواخر كانون الأول في موسكو، ولم تعد إلى الظهور مجدداً إلا بعدما أعلن الوزير التركي الموعد المبدئي لاجتماعه مع فيصل المقداد، منتصف الشهر الجاري. وهكذا أخذ الحديث يدور عن أوائل شهر شباط كموعد جديد للاجتماع المرتقب، ثم قيل منتصف شباط. لا شك أن دخول إيران على الخط، من خلال زيارتي وزير الخارجية عبد اللهيان إلى كل من دمشق وأنقرة، قد لعب دوراً مهماً في تأخير الاجتماع المرتقب، فلا بد أن لطهران شروطها أيضاً لمباركة التطبيع التركي مع النظام. من هذا المنظور نرى الحاجة التركية الملحة لتأييد أمريكي يوازن الضغوط الإيرانية (والروسية).
وفي نوع من الرد على عودة نظام الأسد إلى رفع سقف شروطه للتطبيع مع أنقرة، صرح الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن قائلاً إن العملية العسكرية في شمال سوريا ما زالت على جدول أعمال الحكومة التركية، ويمكن أن تبدأ في الوقت المناسب، في رسالة إلى النظام بأن التطبيع معه ليس الخيار الوحيد أمام أنقرة.
أما مستشار الرئيس التركي ياسين آكتاي فقد نشر مقالة جديدة، الأربعاء 18 الشهر الجاري، عاد فيها إلى التأكيد على خيار فرض «حماية تركية على مدينة حلب» بوصفه الطريق «الوحيد» الممكن لتأمين عودة قسم من اللاجئين السوريين في تركيا. فيما يبدو أنه مطروح فعلاً على طاولة المباحثات التركية ـ الأسدية، بصرف النظر عن رفض النظام المتوقع لهذا الطلب.
لكن الموضوع السوري ليس الوحيد على جدول المطالب التركية من واشنطن، فهناك أيضاً موضوع تحديث طائرات F 16 وتامين قطع الغيار لها الذي ينتظر مصادقة الكونغرس. وبخاصة أن الكونغرس بصدد الموافقة على بيع اليونان طائرات F 35 المتطورة، التي سبق لواشنطن أن أوقفت بيعها لتركيا في عهد ترامب رداً على شراء تركيا لصواريخ S 400 الروسية. أضف إلى ذلك أن الأمريكيين سبق ورفضوا أي توغل بري جديد للقوات التركية داخل الأراضي السورية.
ما الذي يمكن لتركيا أن تقدمه للأمريكيين مقابل تحقيق بعض مطالبها؟
يأتي على رأس أولويات الإدارة الأمريكية تخلي تركيا عن الفيتو الذي فرضته على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، وهو قرار منوط بالبرلمان التركي الذي لا يسيطر التحالف الحاكم على غالبيته الكافية لهذه المصادقة. وترى القيادة التركية أن من شأن استجابة واشنطن لبعض مطالبها أن يمنح التحالف الحاكم نقاطاً إضافية للفوز بالانتخابات القادمة على تحالف المعارضة. فهل تكون موافقة الكونغرس على صفقة تحديث الطائرات مقابل موافقة برلمان تركي منتخب على انضمام السويد وفنلندا؟ من المحتمل أن هذه صيغة للتفاوض بشأنها بين شاويش أوغلو وبلينكن. أما الاشتراطات التركية على السويد وفنلندا بشأن تسليم مطلوبين للقضاء التركي، فيمكن إيجاد مخرج لها ببعض الجهد الدبلوماسي.
من المحتمل أيضاً أن لدى الأمريكيين مآخذ جدية على دور تركيا في تخفيف طوق الحصار عن روسيا الذي فرضته عليها الولايات المتحدة والدول الأوروبية عقاباً على حربها على أوكرانيا، سواء فيما يتعلق بتصدير الغاز الروسي أو فتح المصارف التركية للمعاملات الروسية. سيكون على شاويش اوغلو الرد على هذه المآخذ تحت طائلة أن تشملها العقوبات الأمريكية، أو بتقديم تنازلات في ملفات خلافية أخرى.
يمكن القول إذن عن مباحثات شاويش أوغلو في واشنطن أنها لن تكون سهلة، فمطالب الطرفين المتبادلة تتطلب تنازلات مهمة في مواضيع خلافية متراكمة ومستجدة.
(القدس العربي)