عاد الحديث عن تقليص حجم إمبراطورية
الجيش الاقتصادية الأكثر فزعا لرئيس النظام المصري عبدالفتاح
السيسي، والذي قد يضعه بمواجهة المؤسسة العسكرية، التي تدعمه منذ العام 2013، للواجهة مجددا، وعلى لسان أكبر مؤسسة تمويل دولية.
والثلاثاء، طالب خبراء
صندوق النقد الدولي خلال اجتماع للتعليق على الوضع الاقتصادي في مصر، بتقليص دور الجيش المصري في اقتصاد البلاد، التي تعاني من أزمات مالية واقتصادية خطيرة، وفجوة تمويلية تصل إلى 17 مليار دولار.
وأكد أن الحكومة المصرية تعهدت بمواصلة "تصفية" أصول الدولة لصالح الشركاء الدوليين والإقليميين، مقابل ضخ نحو 14 مليار دولار.
بيان الصندوق أوضح أن تلك السياسة ستغطي جميع الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك "شركات الجيش"، مؤكدا على عرض تلك الأصول للبيع للقطاع الخاص، للحد من تدخل الدولة في الاقتصاد، وتعزيز الحوكمة والشفافية.
وهو ما اعتبره البعض اعترافا نادرا من الصندوق بكيفية توسيع الجيش نفوذه في الاقتصاد منذ 2013.
وفي الوقت الذي تتوالى فيه الانتقادات لملف إمبراطورية الجيش الاقتصادية وعدم الإفصاح عن ميزانياتها وطرق صرف أموالها وغياب الشفافية عن أعمالها، جاء لافتا طلب صندوق النقد من الكيانات المملوكة للدولة تقديم
حسابات مالية لوزارة المالية مرتين في السنة، وتقديم معلومات عن أي أنشطة "شبه مالية".
"خط أحمر"
وفي قراءته لدلالات اعتراف صندوق النقد بتغول إمبراطورية الجيش، واعترافه بالاتفاق مع الحكومة رسميا على تقليصها، أكد الباحث المصري في الشؤون العسكرية، محمود جمال، أن "الصندوق يعلم مدى توسع وتوغل الجيش في الحياة الاقتصادية".
جمال، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "بل أصبحت الحياة الاقتصادية في مصر تحت سيطرة المؤسسة العسكرية".
ولفت إلى أنه، "ولذلك جاء في بيان الصندوق عبارة (الإصلاحات التي تهدف إلى الحد من دور الدولة قد تواجه مقاومة من أصحاب المصالح الخاصة)، حتى يحتم على النظام أن يحد من توغل الجيش على الاقتصاد".
ويرى الباحث العسكري أن حد النظام من توغل الجيش اقتصاديا "من الصعب أن يحدث، بل من المستحيل"، مؤكدا أن "السيسي يعلم أن امتيازات الجيش خط أحمر، وأنه باقترابه من ذلك الخط قد يخسر حكمه".
وحول احتمالات أن يضع هذا الحديث والطلب المعلن من الصندوق السيسي في مواجهة المؤسسة العسكرية التي وصلت لكل قطاعات الإنتاج في البلاد، ولقادتها الكثير من الأرباح، قال إن "السيسي يناور، والطرف الآخر -وهو صندوق النقد- يعلم هذا جيدا من وجهة نظري".
وأضاف أن "السيسي يعلم أن إرضاء الجيش هو العامل الأساسي لبقائه في الحكم، وهو حريص على توسع امتيازات الجيش؛ لكسب ولائه أكبر فترة ممكنة، والجيش من زاوية أخرى لم يتنازل أو يتراجع عن امتيازاته".
وختم حديثه بالقول: "وهذا يفسر بالطبع قرار استثناء مشاريع الجيش من قرارات ترشيد الإنفاق"، ملمحا إلى طلب صندوق النقد الدولي تأجيل المشروعات التي تحتاج إنفاقا بالدولار، وهو القرار الذي أعلنته الحكومة المصرية قبل أيام.
"ثلاثية النفق المظلم"
من جانبه، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل، لـ"عربي21"، إن "من ميزات النظام المصري أو نقول إن من أكبر قدراته هي التلاعب بكل شيء لعدم تغيير ما لا يريده".
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، أضاف: "ولا أعتقد أن ما تسمى المؤسسة العسكرية ستستطيع التخلي عن توغلها الكبير بالاقتصاد".
ويرى أن "الموضوع ليس فقط متعلقا بالثروة، ولكن هو جزء من السيطرة الشاملة التي يطبقها العساكر على مصر".
وألمح إلى أن "السيطرة بند أول بأجندة التفكير العسكري، وخاصة المصري"، مشيرا إلى اعتقاده بأن "هناك جهات دولية وإقليمية لا تحبذ فقدان سيطرة الجيش على مصر وشعبها؛ يمكن فقط انتقال السيطرة من الجيش لأصحاب اليد العليا".
ولذلك لا يعتقد ضابط الجيش المصري السابق، أن "يحدث تغيير كبير في هيكل الاقتصاد المصري"، ملمحا إلى أن "التحول للسوق المفتوح لن يكون في صالح الشعب، مع كمية الفساد والاحتكارات في بنية النظام المصري بأكمله".
وقال عادل إن "مصر دخلت حقيقة في نفق مظلم بين صندوق دولي لم ينج أحد تعاون معه من الكارثة، وبين إقليم متعطش لأكل لحم مصر، وبين نظام مجرم يبيع البلاد، ولا يوجد بواك لشعب مصر الذي ينزح تحت فقر وإذلال واستبداد لا يوصف".
وختم السياسي المصري بالتأكيد على أنه "لا يمكن حدوث مواجهة بين أطراف النظام؛ فهم جميعا في قارب واحد، وهم يدركون ذلك، لكنهم يناورون سويا للوصول لأقصى استفادة من دماء الشعب ومن أرض مصر".
"توافق مثير"
حديث الصندوق بتقليص إمبراطورية الجيش يتلاقى مع رغبة الكثيرين من المعارضين، ورجال الأعمال، والقطاع الخاص المصري، الذين طالبوا كثيرا وعلى مدار نحو 9 سنوات بوقف تغول الجيش على الاقتصاد، والكشف عن أعماله وأرباحه وضمها للموازنة العامة للدولة.
كما يتلاقى أيضا مع رغبة الصناديق الاستثمارية الخليجية في أبوظبي والرياض والدوحة والكويت، والعديد من الشركات الخليجية للاستحواذ على بعض شركات الجيش، خاصة "وطنية"، و"صافي".
كما أن ذلك الأمر يقابله حاجة الحكومة المصرية للعملات الأجنبية لتوفير السلع الاستراتيجية، ودفع خدمة دين خارجي يربو على 170 مليار دولار، مع انخفاض قيمة الجنيه بنحو 75 بالمئة منذ آذار/ مارس الماضي، ووصول نسب التضخم 24.4 بالمئة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
"إمبراطورية الجيش"
حصة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري واسعة، وتتمثل في إنتاج السلع كالحديد والأسمنت ومواد البناء والمحاجر، والسلع الاستهلاكية المعمرة والملابس، والمواد، والأغذية والمشروبات والتبغ، والسيارات وقطع الغيار، والبيع بالتجزئة، والإعلام والترفيه، وأشباه الموصّلات ومعدّات أنظمة النقل الذكية، والمعدّات الصلبة والتجهيزات التكنولوجية.
وطالب صندوق النقد الدولي مصر بإدراج الشركات العسكرية لشركات القطاع العام في تموز/ يوليو 2021، وتركيز أملاك الدولة بكيان واحد، وإخضاعها للتنظيمات الحكومية المعيارية المتعلقة بالمشتريات العامة، والإبلاغ المالي، والكشف عن الإيرادات.
وأطلق السيسي فكرة طرح حصص للشركات العسكرية البالغة نحو 72 شركة للبيع من خلال صندوق مصر السيادي، وطرحها في البورصة المصرية في آب/ أغسطس 2018، والتزم صندوق مصر السيادي، في شباط/ فبراير 2020، بتجهيز 10 شركات عسكرية للتسويق والاستثمار، وهو ما لم يتم حتى اليوم.