ناشيونال إنترست: هكذا فازت القوة الناعمة لقطر بكأس العالم

نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن النجاح الذي حققته قطر في توظيف استضافتها لكأس العالم لتعزيز أهدافها السياسية، وصقل قوتها الناعمة بشكل ملحوظ، وزيادة دورها المؤثر في الشؤون العالمية.

وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن كأس العالم في قطر لسنة 2022 كان استثنائيًا لكونه أول كأس عالم يُقام في الشرق الأوسط وفي دولة ذات غالبية مسلمة، وثالث بطولات العالم في عدد الحضور في التاريخ.



وأوضحت المجلة أن قطر كانت تهدف من خلال تنظيم كأس العالم إلى تحقيق شهرة عالمية بالترويج لصورتها، وجعل البلاد مركزًا للسياحة والأعمال في إطار مساعيها لتقليص اعتماد اقتصادها على النفط والغاز من خلال تنويع مصادر النمو. ومن المتوقع أن يدرّ هذا الحدث مبلغ 17 مليار دولار على الاقتصاد القطري، ويساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 بالمائة، بينما تستهدف قطر تنمية قطاع السياحة لاستقبال 6 ملايين زائر دولي سنويًا بحلول سنة 2030.

سيظل تأثير كأس العالم في قطر محسوسًا لسنوات، وسيكون حافزًا رئيسيًا في نمو اقتصادها سريع التطور. ستستضيف الدوحة خلال السنوات الثلاث المقبلة مسابقات مرموقة مثل بطولة العالم للجودو والسباحة وتنس الطاولة، كما أن هناك اهتمامًا كبيرًا بأن تستضيف الدوحة الألعاب الأولمبية لسنة 2036، بالإضافة إلى عودة سباق الفورمولا 1 إلى قطر في سنة 2023.

وأفادت المجلة بأنه رغم كل هذه الإنجازات أثار كأس العالم جدلًا واسعًا حول سجل قطر في مجال حقوق الإنسان، حيث واجهت انتقادات من جماعات حقوق الإنسان بشأن موقفها من حقوق "المثليين"، والعمال المهاجرين.



وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أدان البرلمان الأوروبي قطر بسبب الاشتباه في انتهاكاتها لحقوق الإنسان ضد العمال المهاجرين، كما طالب قطر بالتنفيذ الكامل لسلسلة من إصلاحات العمل التي تم إقرارها، وناشد الدوحة لزيادة تمثيل المرأة في قطاعها المهني.

من جهتها، اتخذت قطر خطوات لتحسين حقوق العمال المهاجرين بعد رد الفعل العام، حيث أدخلت إصلاحات في الحد الأدنى للأجور مع إنهاء نظام الكفالة، فيما أثنت منظمة العمل الدولية على هذه الإصلاحات، كما تخطط قطر لتوزيع 350 مليون دولار كتعويض للعمال عن الإصابات والوفيات.

وعلى الرغم من الانتقادات الحادة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، حقق هذا الحدث الكروي نجاحًا باهرًا إذ تمت إدارته بطريقة احترافية وفريدة من نوعها، مما جعلها واحدة من أعظم بطولات كأس العالم في الذاكرة الحية. كما استغلت قطر المونديال للتعريف بالثقافة العربية، لكن الإنجاز الحقيقي لقطر كان في السياسة والصفقات التجارية والاعتراف الدولي، وكل ذلك يصب في صالح أمنها القومي.

وأوردت المجلة أن الإنجاز الأهم لقطر كان سياسيًا في المقام الأول، فهذه الدولة الصغيرة تشترك في حدود برية مع المملكة العربية السعودية وبحرية عبر الخليج مع عدو الرياض اللدود إيران. لكن الأهم من ذلك أن قطر خرجت لتوها من حصار دبلوماسي واقتصادي استمر لثلاث سنوات ونصف بقيادة السعودية والإمارات، وقد وفر الحدث مساحة سياسية لإنهاء عزلتها وتحسين علاقاتها مع جيرانها.



فعلى سبيل المثال، قام زعيم الإمارات محمد بن زايد آل نهيان بزيارة مفاجئة إلى قطر في 5 كانون الأول/ ديسمبر، بينما حضر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حفل الافتتاح، وحتى ألمانيا التي تعد من أشد المنتقدين لسجل قطر في مجال حقوق الإنسان عقدت صفقة غاز تاريخية مع الدوحة في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وبيّنت المجلة أن عروض الصداقة من شأنها أن تمهد الطريق لتعاون اقتصادي ودبلوماسي أكبر بين قطر وجيرانها وشركائها. ورغم تخلّف معظم المسؤولين الغربيين عن حفل الافتتاح، فقد وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الدوحة لمشاهدة المباراة الافتتاحية لبلاده ضد ويلز، وقد أشاد بالتقدم الذي أحرزته في مجالات حقوق الإنسان قبل البطولة. كما شاهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المباراة النهائية إلى جانب العديد من القادة الإقليميين والشخصيات البارزة.

واختتمت المجلة التقرير بتأكيد نجاح قطر في تسخير كأس العالم لتعزيز أهدافها السياسية وقوتها الناعمة بشكل ملحوظ لتصبح لاعباً مؤثراً في الشؤون العالمية، مما سيجعلها بلا شك محط أنظار العالم من الآن فصاعدًا.