شهدت
فلسطين خلال العام المنصرف
2022 تصاعداً
في
المقاومة الشعبية التي تتطور مع الزمن -كونها لم تتوقف أبداً خلال السنوات الماضية-
أولاً عبر هبّة القدس في الشيخ جرّاح وباب العامود ربيع العام الماضي، ثم أخذت
زخماً أكبر مع استمرار
الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وغزة وتحوّل
التهدئة إلى القاعدة في غزة، واضطرار الشعب الحيوي والمبدع لمواجهة حقيقة أن ساحة المقاومة
المركزية والرئيسة هي في الضفة الغربية بما فيها القدس طبعاً.
العام شهد كذلك استمرار الانقسام الذي يبدو وكأنه
يتجذر مع الزمن رغم محاولة دعائية من النظام الجزائري للانخراط في ملف المصالحة الفلسطينية،
عبر الضغط لجمع الفصائل والخروج بوثيقة نظرية فولكلورية جديدة أسموها "إعلان الجزائر"، الذي كان
ولا يزال وسيظل (للأسف) حبراً على ورق.
العام شهد كذلك استمرار الانقسام الذي يبدو وكأنه يتجذر مع الزمن رغم محاولة دعائية من النظام الجزائري للانخراط في ملف المصالحة الفلسطينية، عبر الضغط لجمع الفصائل والخروج بوثيقة نظرية فولكلورية جديدة أسموها "إعلان الجزائر"
في المقابل، تمثل التطوّر الأهم في
إسرائيل ولا
شك بفوز تحالف اليمين المتطرّف والعنصري بالانتخابات العامة الأخيرة وعودة بنيامين
نتنياهو وحلفائه إلى السلطة، عبر الحكومة الأكثر تطرّفاً وعنصرية في تاريخ الدولة
العبرية التي ستزيد من وتيرة استهدافها الإجرامي وغير الشرعي للبشر والحجر في
فلسطين، ولكن مع كشف القناع عن الوجه الحقيقي للدولة دون تحايل أو مساحيق تجميل.
إذن، تطورت المقاومة الشعبية خلال العام المنصرف
2022 تواصلاً لنفس المنحى الذي شهدناه في العام 2021، ويعود الأمر أساساً إلى
الانقسام السياسي والجغرافي بين فتح وحماس والضفة وغزة، وعجز الطبقة السياسية عن بلورة
استراتيجية موحدة واضحة وناجعة لمواجهة الاحتلال وممارساته مع تصاعد مدّ اليمين المتطرّف
وسطوة المستوطنين خاصة في القدس، وتحديداً المسجد الأقصى والحرم الشريف والأحياء
والساحات المحيطة به، حيث استمرت المقاومة الشعبية بصمود وعناد المرابطين والتصدّي
لاجتياحات المستوطنين المتطرّفين التي تكبر وتتسع يوماً بعد يوم، حيث سجلت الرقم الأعلى
خلال العام المنصرف.
إلى ذلك، رأينا مقاومة شعبية لافتة وإبداعية في
بلدتي بيتا بنابلس وبرقة بجنين لمواجهة مساعي إقامة بؤر استيطانية جديدة، وتجاوز إعادة
الانتشار وفك الارتباط الأحادي العام عن غزة وشمال الضفة الغربية (2004)، ولكن
للأسف رأينا أيضاً أقل قدر ممكن من التكاتف والانخراط العام مع أهل بيتا وبرقة، حيث
اقتصرت فعاليات المقاومة الشعبية على أهالي المنطقتين -كما القدس- المستهدفتين، في
تعبير صريح وجلي لا تخطئه العين عن غياب الاستراتيجية الوطنية الموحدة لمواجهة الاحتلال
الإسرائيلي وتجلياته.
تطورت المقاومة الشعبية خلال العام المنصرف 2022 تواصلاً لنفس المنحى الذي شهدناه في العام 2021، ويعود الأمر أساساً إلى الانقسام السياسي والجغرافي بين فتح وحماس والضفة وغزة، وعجز الطبقة السياسية عن بلورة استراتيجية موحدة واضحة وناجعة لمواجهة الاحتلال وممارساته مع تصاعد مدّ اليمين المتطرّف وسطوة المستوطنين خاصة في القدس
خلال العام المنصرف أيضاً تطورت المقاومة الشعبية
لتأخذ طابعاً مسلحاً لنفس الأسباب والمعطيات السابقة، أولاً عبر عمليات فردية
تخطيطاً وتنفيذاً لشباب عشرينيين غير محزّبين ومسيّسين، حيث يعتبر ابن مخيم شعفاط
الشهيد عدي التميمي رمزاً معبّراً عن هذه العمليات التي ردت عليها إسرائيل كعادتها
بالذهنية العنيفة، واستلاب ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد منها من خلال عملية عسكرية
أسمتها كاسر الأمواج، تضمنت نشر عشرات الكتائب الإضافية (آلاف الجنود) في الضفة الغربية،
والتي أدّت عملياً إلى تأجيج المقاومة الشعبية المسلحة وتحولها إلى منظمة أكثر؛ ولكن
بنفس الفكرة أو الأفكار السابقة عبر كتيبة جنين في المخيم والمدينة ثم عرين الأسود
في نابلس وكتيبة مخيم بلاطة.
فيما يخص غزة لم، يحدث تغيير كبير رغم العملية العسكرية
للاحتلال ضد حركة الجهاد الإسلامي (آب/ أغسطس الماضي) التي لم تنخرط حماس في مواجهتها،
وأدت إلى استشهاد 50 مواطناً فلسطينياً، ثلثاهم تقريباً من المدنيين، حيث استمرت
قاعدة التهدئة واستثناء التصعيد خاصة مع مبادرة إسرائيل إلى تسريع عمل السيروم
الغذائي الموصول بغزة، بموازاة انفتاح صامت وغير معلن تجاه مصر، عبر إقامة مشاريع
ضخمة داخل سيناء بما في ذلك منطقة تجارية في بوابة صلاح الدين الحدودية. ولذلك كله
لم يكن غريباً أن يعلن رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي أن العام 2022
كان الأكثر هدوءاً على جبهة غزة منذ 15 سنة تقريباً.
خلال العام المنصرف لم تحدث حلحلة، حيث استمر الجمود
في مساعي إنهاء الانقسام والمصالحة، ورغم الانتخابات البلدية في الربيع الماضي التي
جرت في الضفة فقط، لم تكن هناك محاولة جدية من سلطة رام الله لإجرائها في غزة حتى
مع انفتاح السلطة هناك على الفكرة. وبالعموم، غاب الطابع السياسي عن الانتخابات
بينما حضرت التحالفات العائلية والعشائرية والجهوية والمستقلة، مع ملاحظة أنها لم
تجر في القدس، في نسف واضح لحجة أو ذريعة السلطة بعدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية
بحجة منع إسرائيل إجراءها في المدينة المقدسة، وذلك بدلاً من خوض النضال والضغط لإجرائها
رغماً عن الاحتلال وتكريس هوية المدينة الفلسطينية، خاصة مع تجذّر القناعة بأن لا
خروج من الانقسام والمأزق الراهن إلا بانتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة تفرز قيادة
شابة جديدة خالية من الاستبداد والفساد، وتكون جديرة بقيادة الشعب الفلسطيني.
لم تحدث حلحلة، حيث استمر الجمود في مساعي إنهاء الانقسام والمصالحة، ورغم الانتخابات البلدية في الربيع الماضي التي جرت في الضفة فقط، لم تكن هناك محاولة جدية من سلطة رام الله لإجرائها في غزة حتى مع انفتاح السلطة هناك على الفكرة. وبالعموم، غاب الطابع السياسي عن الانتخابات
في السياق نفسه، لا يمكن التعاطي بجدية مع المحاولة
الجزائرية لجمع الفصائل الفلسطينية "بالإكراه والإحراج"، كونها محاولة
وهمية وطريقا التفافيا؛ ليس فقط على جهود القاهرة -المتعثرة على أي حال- التي تتصرف
كوسيط حصري بملف المصالحة، وإنما على مأزق النظام الجزائري الداخلي وهروبه من
مطالب الانتفاضة الشعبية والحراك الشبابي المحقة والعادلة لبناء دولة مدنية ديمقراطية
وعصرية لكل مواطنيها؛ لصالح إعادة تحديث النظام العسكري سيئ الصيت الذي حكم منذ
الاستقلال وأغرق البلاد الغنية، بأهلها وناسها وبشرها وحجرها، في الاستبداد والفساد
وحتى الحرب الأهلية، وعملياً إخراجها كقوة عربية مركزية من معادلة وميزان الصراع
مع إسرائيل.
الحوارات الفلسطينية المتفرقة ثم
الجامعة بالإكراه كانت قد أنتجت وثيقة جديدة أسموها "إعلان الجزائر"، الذي بدا دعائياً
قليل الدسم دون أنياب أو روزنامة جدية، مع تجاوز النقطة التأسيسية لحلّ الخلاف، المتمثلة
بقيام حكومة وحدة وطنية تباشر إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات وتهيئة الظروف
والبيئة المناسبة أمام حزمة الانتخابات الكاملة.
وعليه، لم يكن مفاجئاً ألا ينتج عن الإعلان شيء
جدي وملموس، حيث كان ولا يزال حبراً على ورق، ورغم تجدد المطالب بتحريكه وعقد لقاء
بين فتح وحماس في بيروت الشهر الماضي، إلا أنه لا يمثل قاعدة صلبة ومناسبة يمكن
الانطلاق منها. وكان أصلاً نتاج رغبة النظام الجزائري في تلميع وتبييض صفحته
وتبرير خلافه مع جاره المغرب؛ المطبّع رسمياً مع إسرائيل رغماً عن إرادة الشارع والشعب
المغربي.
عبر مونديال قطر الذي أكد المزاج العام والعقل الجمعي للشعوب العربية برفضها العلاقة مع إسرائيل والتمسك بفلسطين كقصية مركزية للأمة، لكن دون استبداد وقهر أو سلب الشعوب حقها في الحكم وتقرير مصيرها بنفسها بحجة الدفاع عن المقاومة وتحرير فلسطين
وفيما يخص الموجة الجديدة من التطبيع التي
قادتها الإمارات خلال العام المنصرف، ورغم الحديث عن نمط مختلف وتوسيعه ليشمل
مجالات متعددة، إلا أنه ظل في سياق رسمي بارد كما كان الحال في النموذج المصري- الأردني
القديم، حيث أظهرت الشعوب العربية موقفاً واضحاً ضده في الدول المطبعة نفسها، كما عبر
مونديال قطر الذي أكد المزاج العام والعقل الجمعي للشعوب العربية برفضها العلاقة
مع إسرائيل والتمسك بفلسطين كقصية مركزية للأمة، لكن دون استبداد وقهر أو سلب
الشعوب حقها في الحكم وتقرير مصيرها بنفسها بحجة الدفاع عن المقاومة وتحرير فلسطين.
إسرائيلياً؛ كان الحدث الأهم ولا شك سقوط حكومة
التغيير الثلاثية لمعارضي بنيامين نتنياهو (يئير ليبيد، ونفتالي بينيت، وبيني
غانتس) بعد عام تقريباً من توليها السلطة، ثم الذهاب إلى انتخابات مبكرة هي الخامسة
خلال أربعة أعوام، في تأكيد على حالة عدم الاستقرار السلطوية، والتي أفرزت بدورها استقراراً
هشاً ووهمياً عبر الحكومة الأكثر تطرفاً وعنصرية في تاريخ الدولة العبرية بقيادة
نتنياهو نفسه، ما يهدم أسس الخطاب الدعائي عن صورة الدول العبرية الديمقراطية
والمتحضرة في الغرب، ويزيد حتماً من تعاطف الرأي العام العالمي مع القضية الفلسطينية
ولو على مستوى غير رسمي.