أثار خبر بيع نحو ربع
أسهم شركة "النساجون الشرقيون" الأكبر في صناعة السجاد والموكيت في
مصر،
لشركة إنجليزية، الجدل، بشأن هروب بعض
المستثمرين من السوق المحلية وتعقيدات
قوانينها وتشابك المصالح وتنافراتها مع النظام وإمبراطورية الجيش، إلى أسواق أخرى
طلبا للحماية.
"النساجون الشرقيون"، أسسها رجل الأعمال
الراحل محمد فريد خميس، (توفي 19 أيلول/ سبتمبر 2020) بمدينة العاشر من رمضان (شرق
القاهرة)، عام 1981، لإنتاج وبيع وتصدير السجاد الميكانيكي والألياف.
بيع صوري
والأحد، أعلنت الشركة عن نقل ملكية "24.61 بالمئة" من أسهم رأسمال الشركة ببورصة مصر، والمملوكة
لـ ياسمين وفريدة -نجلتي رجل الأعمال الراحل- إلى شركة إنجليزية تحمل اسم "FYK LIMITED"، بقيمة 1.37 مليار جنيه.
بيان الشركة، أوضح أن
نجلتي فريد خميس، هما المالكتين للشركة الإنجليزية بنسبة 100 بالمئة، وأن ياسمين وفريدة، ما زالتا محتفظتين بنسب ملكيتهما في "النساجون الشرقيون" بشكل غير مباشر.
ووصفت الشركة، عملية
نقل الأسهم لشركة إنجليزية مملوكة لصاحبتي الأسهم المباعة بأنها إعادة هيكلة
لـ"زيادة قدرة شركات "النساجون" على تنوع مصادر التمويل دوليا وتعزيز المعاملات
التمويلية".
هروب أم تهريب
الجدل بشأن هذا الخبر
أخذ اتجاهين، الأول يقول إن نجلتي فريد خميس، تهربان من قوانين مصرية طاردة
للاستثمار، وخوفا من مصير رجال أعمال طمع النظام بشركاتهم، كمؤسس شركة
"جهينة" صفوان ثابت، ومالك محلات "التوحيد والنور" سيد
السويركي، ورجل الأعمال حسن مالك، وحبسهم، وغيرهم.
والاتجاه الثاني، يرى
أن نجلتي فريد خميس، قامتا بهذا الإجراء لكي تتمكنا من تحويل مكاسب شركاتهما بالدولار لخارج مصر، وذلك في ظل أزمات العملة الصعبة وقيود حكومية على الاستيراد
وعلى توفير الدولار من البنوك، واضطرار المستثمرين لتوفيرها من السوق السوداء.
وفي كلا الحالتين،
يثار التساؤل، حول أسباب هروب مستثمرين مصريين من السوق المحلية والانضواء تحت اسم
وقوانين سوق أجنبية، ودور التعامل الأمني للنظام مع رجال الأعمال، ومدى أثر ذلك
على الاقتصاد المصري.
نتاج التخبط
وفي إجابته، يرى
السياسي المصري مجدي حمدان موسى، أن هذا الوضع هو "نتاج طبيعي لحالة التخبط
التي تسود الأسواق المصرية، والقرارات العكسية، وعدم تفهم الحكومة وإدارة البلاد
أن الوقت الحالي ليس وقت فرض الضرائب وارتفاع تكاليف الإنتاج".
موسى، في حديثه
لـ"عربي21"، أكد أن "الدول التي تهتم بالتنمية وتحاول تدراك الوقت
الراهن مع حالة التضخم والركود، هي الدولة التي تبغي التنمية الفعلية، وهي من تخفف
الضرائب وتكاليف الإنتاج على المنتج والمستثمر".
وأشار أيضا إلى
"توغل البيروقراطية الحكومية القائمة منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي تواجه
أي مستثمر"، لافتا إلى "السياسات المالية للحكومة، والتي تتعامل مع المستثمر
كشياطين لا كأشخاص تفتح بابا للاستثمار، وتبادرهم بقرارات عكسية تدفعهم للهروب".
وتابع: "الأفكار
الحكومية التي تطرأ يوما بعد يوم تصيب المستثمر بعدم الأمان، ما يدفعه للابتعاد عن
السوق المحلية، واللجوء لدولة أخرى تفتح له المجال واستثمار أمواله بشكل أفضل".
يرى السياسي المصري،
أن "البلاد الآن بها تخبط وغياب للحلول، والإدارة غير مدركة أن البلد تنهار
اقتصاديا، وأن هناك تسربا كبيرا لرؤس الأموال والمستثمرين، لعدم الإحساس بالأمان
والخوف من تأميم شركاتهم".
ويعتقد أن
"البديل للمستثمر هو السعي كما فعلت ابنتا فريد خميس، لأن يكون لديهم مؤسسة
بالخارج لتأمين الأموال في حالة الاستيلاء على شركتهم بمصر".
ولفت إلى أن ما يغذي
تلك الفكرة هو "وضع الاقتصاد وعدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها
والسعي لمزيد من القروض لسد الفجوة"، خاتما بالتأكيد على "ضرورة سرعة
تغيير من يديرون الاقتصاد بداية من رئيس الوزراء مع تعيين وزير للاستثمار".
تحسبا لمصادرة محتملة
وفي تعليقه، لا يعتقد
المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، أنه "من المفترض ألا يكون
هناك تعجب من ظهور مبادرات متعددة تتم الآن لبيع حصص مختلفة من الشركات والمؤسسات
إلي شركاء أجانب، خاصة في ظل سوق مصر المنهار اقتصاديا".
رئيس جامعة
"كامبريدج المؤسسية"، أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى
"تخبط النظام، والقرارات العشوائية غير المدروسة للبنك المركزي
والحكومة"، مضيفا أن "كل سياسات النظام تنصب على إحكام السيطرة على رؤوس
الأموال والأصول والحسابات البنكية".
ويعتقد، أن هذا يأتي
ضمن "خطوة استباقية لمصادرة تلك الأصول والأموال تحت أي مسمى، كما حدث مسبقا في حالات معروفة، كـ(جهينة) و(التوحيد والنور)".
وتوقع الشاذلي، أن "يقوم برلمان النظام
البهلواني المصري باستحداث قانون يسمح للدولة بمصادرة الأموال والمؤسسات التي تزيد
حجم أصولها عن قيمة محددة، تحت بند الأمن الوطني وإنقاذ البلاد".
وقال: "لندرك أن
غالبية التعليقات على حالة بيع نحو 25 بالمئة من (النساجون الشرقيون) والمملوكة
لنجلتي فريد خميس لشركة إنجليزية مملوكة لهما، هي نتاج عن نفس الأجواء التي تغيب
عنها الشفافية والمعلومات الصحيحة".
وتابع: "وذلك كون
تأسيس الشركات الإنجليزية وفتح حسابات بنكية لها لا يشترط وجود مواطن إنجليزي بعقد
التأسيس، ولا حتى لمكاتب وأعمال حقيقية قائمة؛ ولكن يتم عن طريق توكيل شركات
متخصصة بتلك الخدمات".
وأوضح أنها
"تتولى أيضا، الحفاظ على الحالة القانونية السليمة للشركة، وتقوم بتقديم
ملفات الضرائب سواء في ظل وجود نشاط مستمر أو غيابه، وينطبق نفس الأمر على تأسيس
الشركات الأمريكية، حيث تكون قوانين بعض الولايات أيسر من غيرها، لكنها متاحة
وميسرة وبتكلفة معقولة".
ويرى الخبير المصري،
أنه "لذلك سنرى عدة أنواع من الاتفاقيات الدولية في مصر، منها نموذج (النساجون
الشرقيون)، وهو الأيسر والأقل خطرا، ولكن سوف نرى نموذجا آخر وهو لشركات أجنبية
معروفة وقائمة تستولي على حصص بمؤسسات عريقة ناجحة".
وأكد أن "حديث
نوادي رجال الأعمال والمستثمرين في أوروبا يتركز مؤخرا حول هذا الموضوع، وبدأت
مؤسسات عملاقة متخصصة في اتفاقيات الاستحواذ بدراسة الفرص المتاحة بالسوق المصري
منذ شهور، مع تأكد انهيار المنظومة الاقتصادية".
ويعتقد الشاذلي، أن
"نموذج (النساجون الشرقيون)، سيحتاج كثيرا من الجهد لإنجاحه؛ ولذلك لا ترى النظام يُلقي بالا له، وذلك كون الأصول موجودة بمصر، وتحويلات الدولار محكومة
تماما بالبنك المركزي".
ويتوقع أنه "قد
نستيقظ صباحا على مصادرة أصول وأموال، ولن تساعد الشركة الإنجليزية المؤسسة حديثا
في الوقوف أمام نظام لا يحترم القوانين الدولية ويوظف قضاء مسيسا، وليس لديه
منظومة عدالة".
واستدرك: "لكن
النموذج الثاني، والقائم علي بيع الحصص لمؤسسات دولية معروفة لديها نفوذ دولي
وسفارات قوية وجيوش من الإعلاميين ومكاتب المحاماة الدولية، سيكون الطريق الأكثر
أمانا لأصحاب رؤوس الأموال المصرية، ممن لديهم هذا النوع من العلاقات هربا من نظام ديكتاتوري مجحف لا يحترم أعرافا
ولا قوانين".
وأعرب الشاذلي عن
أسفه، لأن "النموذجين يمثلان صورة أخرى من صور الاحتلال الاقتصادي لمصر، وهو
أحد عواقب السياسة الاقتصادية الفاشلة للنظام".
وختم حديثه بالقول:
"لا مفر لمصر من مصير قاتم محتوم إلا بسقوط المنظومة السياسية والاقتصادية
كلها، وحدوث تغييرات جذرية يقبلها الشركاء والمؤسسات الدولية، وتضمن إسقاط جزء
كبير من الديون وإعادة هيكلة المتبقي، وللأسف الساعة تدق والمتاح اليوم لن يكون
غدا".
سلطة الغصب
وفي مقال له في
"عربي21"، بعنوان "قبل أن نفتك ببنات فريد خميس!"، قال
الكاتب سليم عزوز، إنه بعد موت الأب، ليس مضمونا أن يظل هذا الصرح الكبير بعيدا عن
طمع سلطة تأخذ كل مال غصبا.
وأشار إلى وضع السلطة
يدها على شركة "جهينة للألبان"، ووضع مؤسسها وابنه في السجن، وتهديد
زوجة صفوان ثابت بالسجن، لافتا إلى وضع السلطة كذلك يدها على "التوحيد
والنور" وسجن صاحبها.
ويرى عزوز، أن الأختين
لم تقوما بالسطو على مال الدولة، وأنهما قامتا بمحاولة للحفاظ على مالهما، والنظام
قدم بعض التسهيلات المعقولة للاستثمار الأجنبي في تحويل الأموال للخارج، فكانت هذه
الشركة الأجنبية.
وهناك توجه لافت من
بعض رجال الأعمال بتحويل تركيز استثماراتهم في بلدان أخرى، وهو ما يأتي ضمن قرار
رجل الأعمال نجيب ساويرس، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، الاستثمار ببناء
محطات شحن السيارات الكهربائية بالمغرب، وبعض دول أفريقيا.
وذلك بعد تكرار شكوى
ساويرس، الرئيس التنفيذي لشركة "أوراسكوم للاستثمار"، من تغول القطاع
الحكومي وشركات الجيش على أعمال القطاع الخاص في مصر.
وأكد أنه على استعداد
لضخ 100 مليون دولار بالمغرب كاستثمار أولي بمحطات الشحن الكهربائي، بجانب
الاستثمار بقطاع الطاقة الشمسية البديلة، وإقامة مشاريع صناعات غذائية، مثل مصنع
للسكر بجانب دخول قطاع السياحة والفنادق.
سطو واعتقال
وخلال السنوات
الماضية، اعتقل رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، العديد من رجال الأعمال وجرى ذلك تحت دعاوى عديدة واتهامات وصفت بعضها بالمسيسة للسطو على مشروعاتهم
الرابحة، وفق مراقبين.
وشهدت نهاية العام
2020 ثم العام 2021، توقيف رجال أعمال بينهم صاحب محلات "التوحيد
والنور" سيد السويركي، ومؤسس شركة "جهينة" صفوان ثابت ونجله، ومؤسس
صحيفة "المصري اليوم" صلاح دياب، ومن قبلهم رجل الأعمال أحمد بهجت وحسن
مالك.
وتعرض حسن مالك،
وصفوان ثابت، وسيد السويركي، وصلاح دياب، وغيرهم للحبس لأسباب مختلفة وبتهم مشتركة
أغلبها تمويل جماعة إرهابية والانتماء إلى تنظيم محظور بهدف قلب نظام الحكم، ما
تبعه قرارات من النظام بالسيطرة على ممتلكاتهم وشركاتهم.
وأيضا، وبتعليمات من
النظام، سلم رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، حصته في شركات حديد وصلب
"المصريين" لرجل أعمال عهد حسني مبارك أحمد عز، في صفقة مثيرة للجدل.
كما أنه جرى توقيف رجل الصناعة والمال حسن راتب بتهمة الاتجار في الآثار، فيما أكد راتب، قبل
القبض عليه لطلاب جامعة سيناء التي كان يمتلكها بأنه يتعرض لضغوط من قبل النظام
لتسليم الجامعة لأحد المقربين من النظام، وفق ما أكده أحد الطلاب في تقرير سابق
لـ"عربي21".