يقدم
الإعلام
المصري مع نهاية العام 2022 حصادا لاقتصاد بلاده يتحدث فيه عن إنجازات حكومية،
وأرقام قياسية، ومعيشة كريمة، ومستقبل زاهر للمصريين، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ"عربي21"،
مخالفا لواقع مأساوي يعيشه أكثر من 104 ملايين مصري.
تلك
التقارير الصحفية والإعلامية، تأتي في وقت تنتاب فيه السوق المصرية حالة من التوتر
مع خضوع القاهرة لشروط صندوق النقد الدولي القاسية، مقابل حصول البلاد على قرض بقيمة
3 مليارات دولار.
وتتزامن
أيضا مع توقعات الخبراء بشأن سيناريوهات صعبة تطال ملايين المصريين، خاصة مع تجاوز
معدلات التضخم النسب الأعلى لها منذ 5 سنوات، وفق البنك المركزي المصري في تشرين الثاني/
نوفمبر الماضي (21.5 بالمئة).
"الوجه
الآخر"
ارتفاعات
الأسعار أصابت صغار المستهلكين بالضرر، وطالت طعام الفقراء وسلعا استراتيجية مثل الحبوب
والخبز والدواجن واللحوم والأسماك والألبان والجبن والبيض والزيوت، وفق تقرير الجهاز
المركزي للتعبئة والإحصاء في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وتجيء تقارير حصاد الإعلام المصري متجاهلة، المضاربات في سوق الذهب الذي وصل سعر عيار
21 منه إلى معدلات تاريخية وتعدى مبلغ 1850 جنيها، مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وذلك
إلى جانب مضاربات سوق العملات الأجنبية، والتباين الكبير في سعر صرف الجنيه مقابل العملات
الأجنبية، والذي يبلغ بالبنك المركزي نحو 24.60 جنيه مقابل الدولار، لكنه في السوق
السوداء تعدى معدل الـ35 جنيها.
وتعيش
البلاد على وقع أزمة نقص كبير بالسلع الاستراتيجية بعد انخفاض قيمة الجنيه المصري منذ
آذار/ مارس الماضي، بنسبة 57 بالمئة، هبوطا من نحو 15.60 جنيه، إلى المعدل السابق
ذكره.
الأمر
الذي أثر على قطاع الاستيراد وسبب عجزا كبيرا في مستلزمات المصانع والإنتاج والذرة
وأعلاف الدواجن، ما أصاب قطاعات عديدة بالركود، وفجر أزمات مثل أزمة الدواجن والبيض.
تجاهلت
تلك التقارير أيضا، الحديث عن ديون خارجية تتعدى 150 مليار دولار، وتتطلب دفع نحو
6 مليارات بنهاية كانون الأول/ ديسمبر الجاري، و13 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس
2023.
ورغم
حالة الغضب الكبيرة والاحتقان التي يعبر عنها المصريون في الشارع وعبر مواقع التواصل
الاجتماعي، من تلك الأوضاع ومن نسب الفقر التي يصعب قياسها مع غياب الأرقام الرسمية،
يزعم الإعلام التابع للأجهزة السيادية المصرية تحسن حياة الملايين.
"اقتصاد
قوي ومرن"
وفي
عينة من تلك التقارير، يقول أحد العناوين: "حصاد 2022.. مصر تعبر الأزمات.. الاقتصاد
يسجل قوة ومرونة رغم التحديات".
وذكر
أن "الاقتصاد الوطني تمكن من الصمود أمام الأزمات التي ضربت اقتصادات العالم،
بل حقق أعلى معدل نمو منذ 14 عاما بلغ 6.6 بالمئة عام 2021/ 2022"، ما يدفع للتساؤل:
هل بالفعل عبرت مصر الأزمات وسجل اقتصادها قوة ومرونة في 2022؟
وفي
إجابته، قال المستشار السابق بوزارة التموين، الدكتور عبدالتواب بركات: "يدعي
إعلام النظام أن الاقتصاد في 2022 على ما يرام، ويدعي الجنرال السيسي أن الدولة تعمل
بجميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، ويطلب من المواطن الاستماع له فقط،
ولا يسمع لغيره من الذين يرمون الكلام حول إنجازات لا يراها سواه".
وأضاف:
"في وقت يعيش فيه المواطن أزمات معيشية طاحنة في الخبز والأرز والذرة الصفراء
والأعلاف والسكر والبيض والدواجن، وكلها أزمات تحتاج لحلول جذرية، يتعامل معها النظام
بسياسة التجاهل، والإدارة بالأزمة بدلا من الاعتراف بها والجد في إدارة الأزمة ومواجهتها".
وواصل:
"تشتد أزمة مؤثرة بحياة الناس كأزمة الأرز وتخطى سعر الكيلو 20 جنيها فيفتتح محورا
وكباري وطرق، ويتحدث 4 ساعات بمحاضرة عن أزمة الغلاء ببريطانيا وأوروبا، ولا يذكر شيئا
عن أزمات مصر، وإن أشار إليها فيُرجع السبب لحرب أوكرانيا، وكأن مصر طرف مباشر بها".
ويرى
المسؤول المصري السابق، أن "هذه السياسة قد تنجح بعض الوقت في تخدير الجماهير
وخداعهم بعض الوقت، ولكن العاقبة في النهاية أن يفيض الكيل بالجماهير، وتتحرك بلحظة
فارقة لتغيير الواقع وإزالة النظام".
"غياب
محددات القوة"
من جانبه،
يرى رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث
مصطفى خضري، أن "هناك 3 محددات لقوة اقتصاد الدولة، أولها النموذج الاقتصادي الذي
تتبناه الدولة، والثاني قدرته على توليد القيمة المضافة، والثالث السياسة النقدية".
الخبير
في التحليل المعلوماتي، أضاف لـ"عربي21": "إذا نظرنا للمحددات الثلاثة؛
سنجد أن الأول لا يمكن أن يستمر، فالدولة لا تتبنى الاقتصاد الحر فتفتح الطريق للقطاع
الخاص لقيادة الاقتصاد، ولا تتبنى الاقتصاد الحكومي الذي يوفر احتياجات المواطنين من
خلال نموذج اقتصادي ذا بعد اجتماعي".
واستدرك:
"ولكن النموذج الاقتصادي السائد بمصر يعتمد على اقتصاد الفساد الممنهج بتوزيع
الثروات بين نظام الحكم وحاشيته من بعض رجال الأعمال، واعتبار المواطنين سوقا مستهدفا
ليس له حقوق بالدولة أو اقتصادها".
وعن
المحدد الثاني، أشار خضري، إلى أن "السياسات الاقتصادية للنظام أظهرت أنه غير
معني بقدرة الاقتصاد على توليد القيمة المضافة، حيث أهمل متعمدا المقومات الأساسية
للاقتصاد كالصناعة والزراعة والخدمات، وتفرغ لسياسة الجباية".
وبشأن،
المحدد الثالث، لفت إلى أن "السياسات النقدية للنظام كشفت اعتماده على الدولرة
وطباعة العملة في إدارة سياسته النقدية، وهي سياسة تؤدي بالنهاية لانهيار الاقتصاد
والدولة معا".
"مركز
للطاقة"
ويقول
عنوان إحدى التقارير الصحفية المحلية: حصاد 2022: وقود التنمية.. قفزات فى الطاقة ومصر
مركز إقليمى للغاز"، مؤكدا أن "الدولة وجهت استثمارات قدرها 49.5 مليار لتنمية
البترول والثروة المعدنية بخطة العام 2022/ 2023، لتحويل مصر لمركز إقليمى لتداول وتجارة
الغاز".
فهل
بالفعل حققت مصر قفزات بملف الطاقة وصارت مركزا إقليميا لها؟
وهنا
قال بركات: "يدعي السيسي، أنه حوّل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، وأن اكتشافات
الغاز بحقل (ظهر) نقلت مصر لمكانة عالمية متقدمة بمجال الطاقة؛ لكن الواقع أنه أمر
بإغلاق حقول غاز مصرية، مثل (أبوقير)، ليشتري الغاز الإسرائيلي".
ولفت
إلى أنه في الأصل،"غاز مستخرج من حقول مصرية فرط فيها السيسي، واشتراه بأعلى من
السعر العالمي وضخه بشبكة الغاز الوطنية، ما يعد إهدارا للمال العام، وتحميلا للمواطن
بتكاليف زائدة، ويدعي أنه أحرز هدفا، بحسب تعبيره، ولكن الحقيقة أن ارتكب جريمة خيانة
عظمى".
لكن،
خضري، يرى أن "مصر حققت بالفعل قفزات كبيرة في ملف الطاقة؛ ولكن ليس لصالح الدولة
وإنما لصالح الشركات العالمية، فنسبة الدولة التي تنص عليها تلك العقود تتراوح بين
10 و30 بالمئة فقط، والباقي لصالح تلك الشركات، ونظرة واحدة للموازنة العامة للدولة
سنعرف منها نصيب مصر من هذه الثروات المنهوبة".
"توفير
الغاز"
عنوان
ثالث يقول: "حصاد 2022: طاقة نظيفة فى بيوت مصر.. 60 مليون مواطن يستفيدون من
الغاز الطبيعى"، ويؤكد أن "معدلات توصيل الغاز للمنازل يخدم أكثر من 60 مليون
مواطن، ما يحقق وفرا بعدد أسطوانات البوتاجاز يبلغ 250 مليون أسطوانة سنويا".
فهل
بالفعل استفاد 60 مليون مواطن من الغاز الطبيعي، بينما سعر أنبوبة البوتاجاز يصل من
80 إلى 100 جنيه؟
وفي
إجابته، قال بركات: "تصريحات المسؤولين تؤكد أن معدل ضخ أنابيب البوتاجاز لم تتغير
منذ 2018".
وأنها
"في حدود المليون أسطوانة يوميا، وأن قيمة دعم أنابيب البوتاجاز لم تقل عن 30
مليار جنيه سنويا، وفق تصريحات مجلس الوزراء"، مؤكدا أن معلومات تلك التقارير
الإعلامية "تحتاج لتدقيق وتحقيق ومحاسبة بجو من الشفافية والنزاهة المفقودة بمصر
منذ منتصف 2013".
ويعتقد
خضري، أن "هناك فرق بين الاستفادة والبيع بسعر السوق الحر، فأسعار الطاقة المنزلية
في مصر مقدرة بأسعار السوق الحر، والدولة تتعامل مع مواطنيها كسوق مستهدف وزبائن إذعان
تبيعهم خدماتها بهدف الربح وليس الخدمة والإفادة".
"60
مليونا بحياة كريمة"
وفي
السياق، يقول تقرير آخر: "حصاد 2022.. تحسين معيشة 60 مليون مواطن تحت مظلة حياة
كريمة".
وبرغم
أن مساعدات "حياة كريمة"، لا تصل مبلغ 500 جنيه نحو (20 دولارا)، نشر التقرير
أن "المبادرة الرئاسية حياة كريمة المشروع الأكبر فى مصر والأضخم تمويلا"،
"ويستفيد منه نحو 60 مليون مواطن يعيشون فى أكثر من 4500 قرية".
فهل
بالفعل تحسنت معيشة 60 مليون مصري مع حياة كريمة؟
وهنا
يجيب خضري: "يظن النظام أحيانا أن تلاعبه بالأرقام يغير الحقيقة في عين المصريين،
فما زال إعلام النظام يعيش في عصر الستينات، ويظن النظام أن تكراره الأكاذيب سيعمل
على إعادة توجيه الرأي العام، وتناسى هؤلاء أن الحال أبلغ من أي مقال".
"أسرع
إنترنت"
وفي
عنوان مثير أيضا، تتحدث إحدى التقارير عن "حصاد 2022: اتصالات الجمهورية الجديدة..
مصر "أسرع إنترنت" فى أفريقيا".
ومع
شكاوي المستخدمين المصريين الدائمة من بطء الإنترنت في مصر، وسوء الخدمة، إلا أن تقارير
الصحافة المصرية قالت إن "مصر استعادت ريادة أفريقيا بالقطاع لتصبح أسرع إنترنت
ثابت بالقارة".
فهل
بالفعل حققت مصر نجاحات في 2022 بمجال الانترنت والاتصالات؟
يقول
خضري، في رده إن "القائم على هذا النظام يعاني من مشاكل نفسية تجعله دائم البحث
عن عناوين فارغة مثل أعلى برج وأكبر كنيسة وأطول ساري وأسرع إنترنت إلخ".
وأضاف:
"إذا كانت الأكاذيب غير المتماسة مع المجتمع يمكن أن تمر بتجاهل المجتمع لها،
فلن تمر تلك الأكاذيب التي تصف حالا غير حقيقي، بل إنها تزيد من حالة الاحتقان داخل
المجتمع المصري".