على خلاف التوقعات بحدوث انتعاش عالمي، في عام 2022، عقب الضربات التي
تلقاها الاقتصاد العالمي منذ تفشي فيروس كورونا، إلا أن العالم فوجئ بشن
روسيا
غزوا على جارتها الغربية أوكرانيا، بعدد هائل من الجنود والقطع العسكرية، وعلى
مدار 10 شهور لا يزال العالم مضطربا على وقعها ولا حلول في الأفق.
وتستعرض "عربي21"، في هذا التقرير، حصاد الشهور العشرة
الماضية من
الحرب الدائرة في أوكرانيا.
بداية الحرب
في الـ24 من شباط فبراير 2022، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،
إطلاق ما أسماه "عملية عسكرية خاصة"، للدفاع عن إقليمي لوغانسك ودونيتسك
الأوكرانيين، اللذين يسيطر عليهما انفصاليون موالون لموسكو.
وبرر بوتين الحرب بـ"اجتثاث النازية" في بادئ الأمر، لكنه
تحدث لاحقا عن تغلغل حلف الناتو في أوكرانيا، وتشكيله تهديدا استراتيجيا لبلاده،
وطالب بضمانات بعدم انضمام كييف إلى الحلف، وإبقائها منطقة محايدة.
وبدأ الغزو الروسي بتجمع قرابة 100 ألف جندي
على الحدود الشرقية لأوكرانيا، على مدار أسابيع، قبل أن تعطى أمرا بدخول أوكرانيا،
ما تسبب في حالة من الفوضى في صفوف الجيش الأوكراني، وتوغلت القوات الروسية
بمساحات كبيرة شرق البلاد، ووصلت إلى تخوم العاصمة كييف، واحتلت مواقع استراتيجية فيها، من
أبرزها منطقة مفاعل تشيرنوبل النووي، الذي تسبب بكارثة عام 1986.
في المقابل، أخلت القوات الأوكرانية العديد من المواقع المتقدمة، وبدأت
بتنظيم نفسها مجددا لمواجهة القوات الروسية، التي بدا أنها
في طريقها لاحتلال البلاد بالكامل.
وقامت روسيا بتوجيه ضربات عنيفة لكافة المدن الأوكرانية، وضربت أهدافا في أقصى غرب البلاد،
شملت قواعد جوية، ودمرت أعدادا كبيرة من المقاتلات الأوكرانية، وشلت عملها في
بدايات الحرب.
تزامن ذلك مع موجة لجوء هائلة لدول جوار
أوكرانيا وتجاه أوروبا، ومنع الرجال من سن 18 عاما فما فوق من مغادرة البلاد؛ لتدريبهم من أجل حمل السلاح والانخراط في صفوف الجيش، وسمح فقط للنساء والأطفال
باللجوء حفاظا على حياتهم.
عقوبات متلاحقة
وبعد إعلان الغزو
الروسي بأيام، بدأت الرد الدولي بتفعيل العقوبات، وأقرت حتى الآن 9 حزم من
العقوبات على موسكو، بصورة أرهقت اقتصادها، وضيقت على كل المتعاملين معها، فضلا عن
ملاحقة الأثرياء الروس الذين يقدمون الدعم لبلادهم في الحرب الدائرة حتى الآن.
وحظرت الولايات
المتحدة واردات الغاز والنفط الروسية المتجهة إليها، في حين خفض الاتحاد الأوروبي
واردات الغاز بنسبة الثلثين، وهو ما سيخلق أزمة خلال الشتاء في أوروبا، بسبب صعوبة
تعويض الغاز المخصص لأغراض التدفئة والطاقة.
وفرضت الحزمة الأولى
من العقوبات، في 23 شباط/ فبراير، واستهدفت تقييد وصول روسيا للسوق المالية بأوروبا، وفصل موسكو عن نظام سويفت المصرفي، ومنع التعامل مع ما أطلق عليه جمهوريتي لوغانسك
ودونيتسك، كما فرضت عقوبات بحق مئات البرلمانيين والأفراد الروس والمؤسسات.
أما الحزمة الثانية من العقوبات،
ففرضت في 25
شباط/ فبراير، واستهدفت التصدير إلى روسيا، وعمليات تمويل الصادرات، وسياسات
التأشيرات، كما نشرت قوائم جديدة لأفراد روس فرضت بحقهم عقوبات.
وتوسعت العقوبات في الحزمة الثالثة،
في 28 من
شباط/ فبراير، لتطال أصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي
لافروف، إضافة إلى عقوبات على البنوك والصناعات الروسية.
وفي الـ15 من آذار/مارس، فرضت الحزمة
الرابعة عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، كما منعت أوروبا استيراد منتجات الصلب
الروسية والسلع الكمالية.
أما الحزمة الخامسة من العقوبات، فشملت شركات
في مجال الصناعات العسكرية، وصناعات السفن ووسائل النقل، والماكنات، وحظرت أوروبا
استيراد الفحم الروسي، كما فرضت عقوبات على 4 بنوك روسية، ومنعت التعامل معها.
وفي الـ 8 من حزيران/ يونيو، جرى فصل 3 بنوك
جديدة عن نظام سويفت للتعاملات المالية، ومنح مهلة لحظر استيراد النفط الخام
ومنتجات البترول.
وطالت الحزمة السابعة في 21 تموز/ يوليو قطاع
الذهب الروسي، وصدر قرار بحظر استيراده، كما حظر توريد تقنيات يمكن أن تستفيد منها
روسيا في القطاع العسكري، ودخلت شخصيات وأصول جديدة في قائمة العقوبات.
أما في الـ22 من تشرين أول/ أكتوبر، فوافق الاتحاد الأوروبي على الحزمة
الثامنة من العقوبات، وتركزت في حظر صادرات الفحم والمكونات الإلكترونية للأسلحة،
والمعدات العسكرية، وتقنيات الطيران والمواد الكيماوية، فضل عن تحديد سقف لسعر
برميل النفط الروسي.
كما منعت الحزمة تولي مواطني الاتحاد الأوروبي، مناصب إدارية، في
شركات مملوكة للحكومة الروسية، إضافة إلى حظر جميع المعاملات مع قطاع الشحن البحري
الروسي.
وفي الـ 16 من كانون ثاني/ديسمبر فرضت الحزمة التاسعة وتضمنت 200 فرد
وكيان و3 بنوك، وحظر قنوات تلفزيونية روسية جديدة، إضافة إلى فرض حظر على إمداد
إيران وروسيا بمحركات طائرات دون طيار، بعد استخدامها المكثف في هجمات على كييف.
كما توسعت العقوبات على القطاع العسكري الروسي، وشملت مجمعات روسيا
لهذه الصناعات، ومنظمات متورطة في الهجوم على المدنيين، وخطف أطفال أوكرانيين.
أسلحة فتاكة في الحرب
ومنذ اليوم الأول للحرب على أوكرانيا، بدأت
الدول الغربية في عمليات إمداد للقوات الأوكرانية، بعد امتصاص الصدمة الأولى
للغزو الروسي، وتدفقت كميات هائلة من الأسلحة، لتحقيق نوع من التوازن في جبهات
القتال.
وحصلت كييف على أسلحة أمريكية وأوروبية هامة،
غيرت الكثير في مسار المعارك، وكبدت القوات الروسية خسائر فادحة، وأبرز تلك
الأسلحة:
صواريخ جافلين ضد الدبابات
حصل الأوكرانيون على أكثر من 18 ألف صاروخ
جافلين ذاتي التوجيه، والذي يعمل بنظام "أطلق واهرب"، وهو محمول على
الكتف يحدد الهدف فيه، ويتم إطلاق الصاروخ الذي يتجه مباشرة إليه دون الحاجة إلى
جندي ليوجهه.
وحقق جافلين الأمريكي نتائج كبيرة في استهداف
الدبابات وناقلات الجنود والآليات المدرعة الروسية، بقدرته العالية على تدمير هذه
القطع، ونسبة إصابته التي تكاد لا تخطئ.
صواريخ مضادة للدروع متنوعة:
كما تلقى الأوكرانيون آلاف القطع من أسلحة
تفتك بالدروع مثل"NLAW" البريطانية و"AT4" و"Carl-Gustav" السويدية و"Panzerfausts" الألمانية و"Instalaza C90" الإسبانية.
صائد المروحيات "ستينغر"
حصل الأوكرانيون على صاروخ ستنيغر الحراري، القادر على اصطياد
المروحيات، وهو صاروخ محمول بالكتف يعمل بالأشعة فوق البنفسجية.
ولعب هذا الصاروخ دورا مهما في الحرب الأفغانية خلال التسعينيات، حين
زودتهم واشنطن به، لإسقاط المروحيات السوفيتية.
كما تلقت أوكرانيا صواريخ
ستريلا من ألمانيا، إضافة إلى منظومات دفاع
جوي متطورة.
الطائرة المسيرة بيرقدار
منذ اليوم الأول للحرب، قامت أوكرانيا، بتشغيل طائرة بيرقدار التركية،
التي أثبتت كفاءتها القتالية في عدة ساحات حربية.
ورغم أن أوكرانيا اشترت الطائرة بيرقدار قبل الحرب، إلا أنها ألحقت
أضرارا كبيرة بالأرتال الروسية المتكدسة في بعض المناطق، فضلا عن لعبها دورا في
تدمير القوات الروسية، التي احتلت جزيرة الثعبان بالبحر الأسود، والتي اضطرت
للانسحاب منها نهائيا لاحقا.
مدافع هاوتزر الأمريكية:
واحدة من الأسلحة الثقيلة التي حصلت عليها كييف، ولعبت دورا فعالا في
ضرب تحصينات القوات الروسية، في جبهات القتال، وخاصة بإقليم دونباس وحققت نوعا من
التوازن مقابل المدفعية الروسية الثقيلة.
صواريخ "هيمارس":
السلاح الأمريكي الفتاك، وهي قاذفات متنقلة، قادرة على ضرب القواعد
الروسية بدقة كبيرة، وتوجيه ضربات خلف الخطوط الأمامية، ولمسافات كبيرة، خاصة
لمستودعات ذخيرة الروس.
وقالت أمريكا إنها زودت أوكرانيا بالهيمارس، من أجل إحداث تحول في سير
المعارك، وشكلت عاملا مساندا في الهجوم الأوكراني الكبير على خاركيف.
صواريخ هارم
وهي عبارة عن صواريخ جو أرض، تطلق من الطائرات،
وتستهدف أنظمة الدفاع الجوي الروسية، المجهزة برادارات وتدمرها. وبمقدور هذه الصواريخ التي تحمل رأسا
متفجرا يزن 350 كغ، تحديد أنظمة رادار وضربها عن بعد حتى لو جرى إيقافها.
سير المعارك
على الرغم من التوغل الروسي الكبير في أغلب مناطق شرق أوكرانيا، منذ
اليوم الأول للحرب، إلا أن تدفق الأسلحة على الجيش الأوكراني، تسبب في خسائر
فادحة للجيش الروسي.
ومنذ الشهر الماضي، أعلنت القوات الروسية، الانسحاب من مدينة خيرسون الاستراتيجية، وهي واحدة من المدن التي
أعلنت موسكو ضمها للاتحاد الروسي، فيما قالت إنه استفتاء شعبي شارك به سكان
المناطق الشرقية.
وعادت القوات الروسية إلى شرق نهر دنبيرو، في
حين قطعت القوات الأوكرانية النهر، وتقدمت لملاحقة القوات الروسية في المنطقة، في
حين تدور معارك طاحنة في باخموت شرقا، وخاركيف.
الخسائر المعلنة:
لا تزال أطراف الحرب تتكتم بشدة على الحجم
الحقيقي للخسائر البشرية في صفوفها، على صعيدي القتلى والمصابين، لكن الأرقام
تتباين مع ما أعلنه الجيش الأمريكي، من إحصاءاته الخاصة، على لسان رئيس الأركان
الجنرال مارك ميلي.
القوات الروسية من جانبها أعلنت عن سقوط 5937
من جنودها، منذ غزوها أوكرانيا. في حين قال الأوكرانيون إن خسائرهم قاربت على 9
آلاف جندي سقطوا قتلى حتى الآن في الحرب ولم يفصحوا عن عدد المصابين.
لكن الأرقام الصادمة للخسائر كانت على لسان
ميلي، حين قال إننا نتحدث عن مقتل وجرح أكثر من 100 ألف جندي روسي، يقابلهم عدد مماثل
في الجانب الأوكراني.
والعدد الذي أعلنه ميلي، أكبر بأضعاف من خسائر الاتحاد السوفيتي في
حرب أفغانستان التي استمرت 10 سنوات، ووصلت إلى 15 ألف جندي سوفيتي.
وقالت الأمم المتحدة، إن الأرقام الصادرة عن أطراف الحرب، لا تعتد بها
وليست تقديرات موثوقة.
وعلى صعيد اللجوء الأوكراني، قالت الأمم المتحدة إن 7.8 مليون لاجئ
أوكراني، توجهوا إلى أوروبا، وبعضهم إلى روسيا، لكن الأرقام لا تشمل موجة النزوح
الداخلي بين المدن الأوكرانية.