نشر
موقع "
ميدل إيست آي" مقالا للكاتب جدعون ليفي، قال فيه إن "إسرائيل"
تبدو للناظر في حالة من التغير. وأوضح ما يكون ذلك التبدل من الخارج، حيث يرى
العالم كياناً ليبرالياً ديمقراطياً غربياً يتحرك بسرعة تبعث على الذعر باتجاه
القومية المتطرفة والأصولية والعنصرية والفاشية، ونحو تفسخ المؤسسات الديمقراطية،
وكل ذلك كنتيجة مباشرة للانتخابات الأخيرة.
ورأى
الكاتب أن هذه النظرة رغم ما فيها من الصحة إلا أنها مشوشة، إذ أنها تفترض أن "إسرائيل" لم تزل حتى الآن منظومة ديمقراطية غربية بالفعل. إلا أن الحقيقة لا تتعلق
بكون "إسرائيل" تمر بتغيرات جوهرية بقدر ما تتعلق بكونها تنزع عن نفسها
الأقنعة ووسائل التخفي والتستر.
وأوضح
أن الذي يتغير هو المظهر. وهذه الصدوع التي تظهر في صورة "إسرائيل" ليس
لها علاقة تذكر بجوهرها من الداخل. من هذا الموقع، وهذا الموقع فقط لا غير، يمكن
اعتبار الحكومة الجديدة ساعيا يحمل رسالة إيجابية، ومفادها أن "إسرائيل"
ستنكشف على حقيقتها، ولئن كان ثمن ذلك باهظاً يتمثل في قهر
الفلسطينيين وانهيار
الهياكل الديمقراطية الهشة التي ما فتئت حتى هذه اللحظة مكرسة في خدمة يهود
إسرائيل.
وأشار
إلى أن الحكومة الجديدة للاحتلال سوف تكون أكثر حكومة يمينية وأكثر حكومة محافظة
دينياً في تاريخ إسرائيل. والحقيقة هي أنها، على الأقل من حيث الأيديولوجيا التي
يحملها معظم وزرائها، سوف تكون أيضاً الحكومة الأكثر تطرفاً في أي مكان في الغرب
في يومنا هذا. فاليمين المتطرف في "إسرائيل" أشد تطرفاً من أي يمين في أوروبا، وربما
حتى من اليمين في الولايات المتحدة.
فهي
تستعد الآن لأن تحكم إسرائيل وتتحكم بأعلى المناصب فيها. إن حكومة يتولى فيها
بنيامين
نتنياهو حمل راية العلمانية واللبرالية لهي بالفعل حكومة شديدة التطرف.
وبين
أن الأخطار تتربص من جميع الجهات: تدمير النظام القضائي، إيذاء الأقليات، تكريس
فكرة التفوق العنصري اليهودي، فرض يد الدين في كل شؤون الحياة، وإخضاع الفلسطينيين
لاحتلال يزداد توحشاً يوماً بعد يوم. يصعب في هذه المرحلة المبكرة معرفة أي هذه
الأخطار سوف تتجلى.
سبق
للاحتلال أن شهد حكومات يمينية وأحزاباً متطرفة كان صعودها إلى السلطة سبباً في
التخفيف من غلواء مخططاتها، وذلك لمختلف الأسباب. والتفسير الذي يجد رواجاً لهذه
الظاهرة هو "الأمور تبدو مختلفة من هذا الموقع عما تبدو عليه من ذاك."
ولكن من المؤكد أن شركاء نتنياهو الجدد يتكونون من مادة أشد صلابة وسوف ينفذون
تهديدهم بإحداث تغيير في النظام في العديد من المساحات ذات الأهمية القصوى بالنسبة
لإسرائيل.
الضغط
على زر الذعر
سارع
اليسار والوسط الإسرائيلي في مواجهة إمكانية تحقق هذا السيناريو المتطرف إلى الضغط
على زر الذعر، وبشكل ملحوظ من خلال إطلاق حملة من التخويف، فلا يمر يوم دون التنبؤ
بوقوع كارثة مأساوية – وبعض هذه التنبؤات، وإن لم يكن كلها، من الوارد أن تصبح واقعاً.
ومع
ذلك لا يملك المرء إلا أن يسأل: هل التغيير الذي يجري التهديد به راديكالي فعلاً؟
هل كانت إسرائيل بالفعل موقعاً متقدماً ووحيداً من الأعراف الديمقراطية، ومن
المساواة أمام القانون، وحماية حقوق الإنسان، وقدسية الأنظمة القضائية، حتى تأتي
هذه الحكومة الجديدة فجأة وتدمر كل ذلك دفعة واحدة؟
هل
كانت "إسرائيل" "في زمن الأيام الجميلة" القديمة – أي قبل
قدوم الحكومة الجديدة – بلداً أبعد ما يكون عن الفاشية والقومية المتطرفة
والأبارتيد بحيث تتمكن الحكومة الجديدة من الوصول إلى السلطة ومن تغيير كل شيء،
حتى تتحول إسرائيل إلى البلد الذي نراه حالياً؟
الإجابة
بوضوح: لا. وبدون التخفيف من الأخطار التي تشكلها الحكومة الجديدة بما اختارته من
نهج، لا يملك المرء إلا أن يلاحظ أن حملات الذعر والتخويف التي انطلقت رداً على
المواقف المعلنة للحكومة الجديدة يبدو أن لها غاية خفية، ألا وهي خلق انطباع بأن
الأمور كانت وردية هنا عندما كان اليسار والوسط الصهيوني في السلطة، وكيف أن كل
ذلك سينتهي الآن، وكم سيكون الوضع سيئاً فيما بعد. إنها محاولة لرسم صورة أبعد ما
تكون عن الحقيقة.
خذ
على سبيل المثال 166 فلسطينياً، بما في ذلك 39 طفلاً، قتلوا في عمليات نفذها الجيش
الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية هذا العام. هذا
بالإضافة إلى 49 فلسطينياً، بما في ذلك 17 طفلاً، قتلوا في غزة أثناء العدوان
الإسرائيلي على القطاع المحاصر على مدى ثلاثة أيام في شهر أغسطس.
هل
قتل هؤلاء في ظل الحكومة الجديدة المرعبة التي يشارك فيها إيتامار بن غفير
وبيزاليل سموتريتش أم في ظل حكومة التغيير التي قامت على التعهدات الليبرالية من
قبل يائير لابيد وبيني غانتز، والتي توشك الآن فترتها على الانتهاء؟
الأغلب
أن الفرق بين الحكومة الجديدة وسابقتها لا يتجاوز الكلام. بينما يحاول الوسط القفز
عن الحقائق، لا يخفي اليمين المتطرف شيئاً، ولعل في هذا مصلحة.
من
خلال ألفاظها وأفعالها، قد تفرض الحكومة الجديدة على حلفاء إسرائيل، وكذلك على
المعسكر اليساري الإسرائيلي الذي يكاد أن يتلاشى، النظر بصدق إلى إسرائيل والإقرار
بالواقع. فمع حكومة مثل تلك التي توشك أن تستلم السلطة، لن يبقى لدينا خيار
التجاهل، أو غض البصر، أو التعمية، أو الاكتفاء بإصدار تنديدات لا تسمن ولا تغني
من جوع، والتمسك بعملية سلام وهمية، أو بحل الدولتين الذي تم وأده قبل وقت طويل.
سوف
تفرض الحكومة الجديدة على الغرب أن ينظر إلى إسرائيل ويعترف، على الأقل لنفسه، بأن
هذه بالفعل دولة فصل عنصري (أبارتيد). لم يعد من المجدي الاستمرار في لعبة الخداع
مع إسرائيل. بل قد تفرض الحكومة الجديدة على حلفاء إسرائيل اتخاذ خطوة واحدة نحو
الأمام، لأول مرة في تاريخ إسرائيل، تتمثل في تبني إجراءات عملية ضدها.
سبب
للرجاء
قد
لا يحدث هذا كله. قد لا تتطرف إسرائيل إلى المدى الذي يجعل البعض منا يدفع بنا نحو
الخوف. أو حتى بالرغم من تطرفها، قد يستمر الغرب – وبشكل خاص الولايات المتحدة –
في الإصرار على أن أحجار الراين قطع من الماس، وفي الزعم بأن إسرائيل موقع متقدم
للغرب في الشرق الأوسط، وفي الإصرار على أن انتقاد الدولة محرم بسبب المحرقة.
ولكن
ثمة احتمال آخر. عندما تسن إسرائيل قوانين بغيضة تكرس القومية المتطرفة، وعندما
ترتفع وتيرة هدم وتفجير المنازل في الضفة الغربية المحتلة، وعندما يقتل الجيش
أعداداً لا يمكن تصورها من الفلسطينيين، وعندما يصبح ضم الأراضي المحتلة واقعاً لا
قبل لأحد بإنكاره – ربما عندها لن يبقى أمام الغرب خيار سوى أن يدير ظهره لمحبوبته
إسرائيل، بطل العالم في التصرف بمأمن من المساءلة والمحاسبة، والتي لم يزل يباح من
أجلها كل محظور تقريباً.
ربما
حينذاك سوف يتغير موقف الغرب. وحينها ربما يفهم الغرب أخيراً أنه لا يوجد فرق
قانوني ولا أخلاقي بين
الاحتلال في أوكرانيا والاحتلال في فلسطين، وأن الإجراءات
التي اتخذها مباشرة ضد الاحتلال الروسي يمكن أن ينظر في اتخاذ مثلها ضد الاحتلال
الإسرائيلي، بعد خمسة وخمسين عاماً تأجلت خلالها العاقبة النهائية.
صحيح
أن الحكومة الجديدة، وبشكل خاص بعض وزرائها، قد تتخذ خطوات لا يمكن التراجع عنها
من شأنها أن تعمق انعدام المساواة، وتكثف من القهر والحرمان والتمييز، وتكرس فكرة
التفوق العنصري اليهودي، في جميع مناحي الحياة. وصحيح أيضاً أن أول من سيدفع الثمن
عن كل ذلك هم الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة والفلسطينيون من مواطني إسرائيل.
من المؤكد أن حياتهم سوف تتغير، ولكن دعونا نأخذ بالاعتبار أن وضعهم أصلاً لا
يُحتمل، وهو كذلك منذ عقود.
وقد
يدفع الثمن أيضاً حفنة من نشطاء حقوق الإنسان في إسرائيل، وسيرافق ذلك تقويض حرية
التعبير، والتي تواجه أصلاً محاولات كثيرة لتقييدها.
بالإضافة
إلى ذلك قد ينجم عن الإضرار بآليات الرقابة والتوازن الحكومية تهديد كيان الدولة
بأسرها، من "شرط التجاوز" الذي يقوض سلطة المحكمة العليا في بلد لا يوجد
فيه دستور إلى التشريع المؤجل الذي كان قد صمم من أجل السماح للمجرمين المدانين
بالعمل في الحكومة. نُشرت العديد من مقالات الرأي التي تحذر من هذه الأخطار، والتي
لا يجوز بحال الاستخفاف بها.
في
هذه الأثناء، آن لإسرائيل أن تخضع لعملية نفض كاملة، بما في ذلك سلوك أصدقائها في
الغرب. على مدى ما يزيد عن خمسة عقود، زعمت إسرائيل بأن احتلال عام 1967 كان
مؤقتاً، وصدقها العالم في كذبتها تلك.
سوف
تضع الحكومة الجديدة حداً لذلك، إذ سيصبح الاحتلال دائماً، لا مؤقتاً، وسوف يكون
جلياً انعدام النية في منح حقوق وطنية لنصف السكان الذين يعيشون ما بين نهر الأردن
والبحر المتوسط.
يتطلب
ذلك رداً دولياً، فالمسألة ليست شأناً إسرائيلياً محلياً. كل من يظن أن إسرائيل
سوف تغير من نهجها طواعية، من ذات نفسها، فهو لا يعرف إسرائيل جيداً. فإسرائيل ليس
لديها سبب أو حافز للقيام بذلك. وحتى الآن تقبل العالم إسرائيل بما عليه من ممارسة
للأبارتيد والقهر، بينما تتجاهل إسرائيل المجتمع الدولي ومؤسساته وقراراته.
لا
يوجد بلد آخر يتعامل بمثل هذا الازدراء مع القانون الدولي كما تفعل إسرائيل، ولا
تدفع ثمناً مقابل ذلك. ولكن من الواضح أن ثمة نقطة معينة من الغطرسة والكبر والثقة
الزائدة بالنفس لن يجد العالم عندها خياراً سوى اتخاذ إجراء ما. والمرجو هو أن
تقرب الحكومة الجديدة إسرائيل من تلك النقطة تحديداً – وسوى ذلك لا يلوح في الأفق
رجاء يذكر.