نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية شهادات صادمة ضمن تقرير لكريس ماكغريل تحت عنوان "كسر الصمت"، وثق من خلاله
الانتهاكات البشعة التي يمارسها جيش
الاحتلال الإسرائيلي بحق
الفلسطينيين.
وقال الكاتب؛ إن هذه الشهادات جاءت بهدف تسليط الضوء على الكيفية التي يساهم بها التمويل الأمريكي على العنف الذي يمارسه جيش الاحتلال في فلسطين.
وشملت الانتهاكات، التي وثقتها شهادات عناصر سابقة في جيش الاحتلال، تدمير بيوت الفلسطينيين وإذلال العائلات عند الحواجز لمجرد أن أحد الجنود مزاجه متعكر، فضلا عن إساءة معاملة الأطفال وتعذيب الأسرى المعتقلين.
وأشار الكاتب إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تسوّق لأن جيشها هو "الأكثر التزاما بالأخلاق في العالم"، مستدركا بالقول؛ إن التقارير التي جمعتها "كسر الصمت" تثبت كيف أن الالتزام بالأخلاق كثيرا ما يخضع للأوامر العليا، التي تبرر اللجوء إلى الانتهاكات كضرورة لا مفر منها من أجل بقاء "إسرائيل".
وتاليا المقال مترجما من "عربي21":
تجفل جيل هيليل، وهي برتبة نقيب، وقد ارتسم الوعي في كل ملامح وجهها، بينما تنظر إلى الكاميرا وتصف كيف غيرها سلطان الحياة والموت إلى كائن بشري آخر.
تقول المرأة التي كانت تعمل ضابطا في الشرطة العسكرية الإسرائيلية: "مع مرور الوقت صرت أزداد عنفا المرة تلو الأخرى. مررت بتحول جنوني في أثناء العمل في تلك الوظيفة، من شخص هادئ وسهل جدا إلى شخص عنيف وعدواني جدا، ينفس عن إحباطات من خلال التسلط على الآخرين، هم في هذه الحالة الفلسطينيون والمعتقلون".
وتضيف: "صرت أضرب أكثر، وصرت أرتكب المزيد من الانتهاكات. في الواقع لم أكن أراهم على الإطلاق، فهم شخوص غير مرئية، لا تراهم".
في أثناء حديث هيليل، تنبعث في الخلفية أصوات محاربين قدامى آخرين خدموا في الجيش الإسرائيلي، وذلك من شاشات تنشر في أرجاء قاعة المعرض المقام في مدينة نيويورك. فعبر كل واحدة من الشاشات يتم عرض جانب من الواقع المريع الذي تتمكن إسرائيل من خلاله من الحفاظ على احتلالها المستمر منذ خمسة وخمسين سنة، وعلى هيمنتها المفروضة على الفلسطينيين.
تدمير بيوت الفلسطينيين كوسيلة من وسائل العقاب الجماعي. تعذيب وامتهان الفلسطينيين الذين يتم توقيفهم واعتقالهم. إذلال العائلات عند الحواجز لمجرد أن أحد الجنود مزاجه متعكر. بعض أشد الشهادات إيلاما، هي التي يتحدث أصحابها عن إساءة معاملة الأطفال وعن تعذيب المعتقلين.
وجوه بعض هؤلاء الجنود تكفهر حين يتأملون فيما كانوا عليه وما صاروا إليه، وبعضهم وجوههم خاوية تتعامل مع الأمر بواقعية تامة. إنهم بعض من المئات الذين أدلوا بشهاداتهم لمجموعة اسمها "كسر الصمت" أسسها محاربون إسرائيليون قدامى لتوثيق الانتهاكات التي يمارسها الجيش داخل المناطق الفلسطينية المحتلة.
مجموعة "كسر الصمت" معروفة جيدا داخل إسرائيل وكثيرا ما تتعرض للذم والشيطنة. يقول أوري غيفاتي، وهو آمر دبابات إسرائيلي سابق، ويعمل مديرا لقسم المحاماة داخل المجموعة؛ إنهم أتوا بالفيديو الذي يوثق الشهادات إلى نيويورك وواشنطن؛ لأنه ينبغي أن يعلم الأمريكيون كيف تُنفق المعونات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، التي تقدر بنحو 4.9 مليار دولار في السنة.
ويقول: "نحن معشر الإسرائيليين، قطعا نتحمل مسؤولية الاحتلال، ولكن أيضا الولايات المتحدة تتحمل 100 بالمائة من المسؤولية؛ لأنها تمول إسرائيل بمليارات الدولارات كل عام، وهذا التمويل هو الذي يجعل الولايات المتحدة متواطئة مع الاحتلال، وينبغي على الناس هنا أن يفهموا أن هذا هو ما يدعمه التمويل".
تصف الحكومة الإسرائيلية الجيش الإسرائيلي بأنه "أكثر جيش التزاما بالأخلاق في العالم". وتزعم أنه يبذل من الجهود أكثر من أي جيش آخر من أجل تجنب قتل المدنيين. إلا أن التقارير التي جمعتها "كسر الصمت"، تثبت كيف أن الالتزام بالأخلاق كثيرا ما يخضع للأوامر العليا، التي تبرر اللجوء إلى الانتهاكات كضرورة لا مفر منها من أجل بقاء إسرائيل.
فرديا، تبعث شهادات الجنود على القلق، حيث يصفون ثقافة تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين وتبيح استخدام العنف ضدهم. وجماعيا، تكشف بجلاء عن توحش لا هوادة فيه ولا قيود عليه، ما لبث يمارس طوال خمسة وخمسين عاما من الاحتلال، ومدى الضرر الذي يسببه ذلك لضحايا الاحتلال وجُناته في الوقت نفسه.
تستمد الشهادات قوة من كونها صادرة عن إسرائيليين خاطروا بحياتهم من أجل بلدهم. يتحدث الجنود عن أوامر صدرت لهم بإطلاق النار على المتظاهرين العزل، وعن السهولة التي بها تفضي مهمة إنزال العلم الفلسطيني إلى قتل رجل، كل ما فعله هو إلقاء حجر، أو إلى الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين وتدميرها.
تُحظر العقوبات الجماعية بموجب معاهدات جنيف، التي تقول الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية؛ إنها تنطبق على المناطق المحتلة. ومع ذلك، فإن اللجوء إلى هذه العقوبات الجماعية بات أمرا روتينيا.
يتذكر الرقيب أول إريز كاتساف أنه خدم في مدينة نابلس بالضفة الغربية، وأن الأوامر صدرت لهم بتفجير أي مبنى يأوي شخصا يشتبه بضلوعه بالإرهاب. يقول كاتساف؛ إن وحدته اكتشفت فلسطينيين مطلوبين يختبئون داخل برج المصعد في بناية سكنية من عشرة طوابق، فأعطي سكان المبنى ساعة لجمع أمتعتهم وإخلائه.
ويقول متسائلا: "ما أزعجني هو المغالاة في العقاب الجماعي؛ فقد كان ذلك عقابا جماعيا بكل ما تعنيه الكلمة. لا أعتقد أن السكان في الطابق العلوي كان لهم أدنى علاقة بالإرهابيين المختبئين داخل برج المصعد، فما الحكمة من إزالة مبنى يأوي مئات البشر؟".
على كل حال، تبرز بشكل خاص تلك الشهادات التي تتحدث عن العنف الممارس ضد أفراد.
خدم الرقيب أول إيدان بارير مع سلاح المدفعية في محيط قلقيليا، حيث كانت تنظم تظاهرات فلسطينية روتينية احتجاجا على الاحتلال. قال قائد الكتيبة للجنود؛ إنه يريد منهم أن يحضروا له ركبا عربية.
ويقول بارير: "لم يكن من بيننا من ظن أنه سمعه بشكل صحيح، فقال؛ إني أعلم ما الذي قلته. هناك متظاهرون وأشخاص يلقون الحجارة هناك، أشخاص يثيرون المشاكل، ونريد أن نفتك بهم. سوف تأتوني بركب عربية في أثناء دوريتكم. فكان يعد الكمائن ويضع فيها القناصة ليستهدفوا رماة الحجارة. وتم بالفعل إطلاق النار على ركب رماة الحجارة".
عبر شاشة أخرى، يتحدث الرقيب أميت لافي، الذي يتذكر أنه خدم في مدينة الخليل بالضفة الغربية، وهي منطقة شديدة التوتر، وذلك بسبب الإخلاء القسري للفلسطينيين، ليحل محلهم مستوطنون من اليهود المتدينين. وكان واحدا من عناصر وحدة قامت باعتقال مجموعة من الفلسطينيين، الذين تم من بعد تسليمهم إلى شرطة الحدود.
يقول عن الحادثة: "قبل أن ندرك ما الذي كان يجري بدؤوا بضربهم، يركلونهم ويلكمونهم. وقام أحد عناصر شرطة الحدود بخلع خوذته وانهال بها ضربا على الفلسطينيين. يخلع خوذته، ويمسكها بكلتا يديه، وينهال بها ضربا".
يقول لافي؛ إن ضابط شرطة آخر ركل أحد السجناء على خصيتيه.
ويضيف: "أوقفه على الجدار وركله على خصيتيه تارة أخرى، بينما هم معصوبو الأعين ومقيدو الأيدي، ولا يملكون سوى الصراخ".
لم تقتصر هذه الإساءات البدنية على الكبار، فقد تقدم عدد من الجنود في فيديو آخر بإفادات حول العنف الذي يمارس ضد الأطفال. يصف أحد الجنود كيف أن آمر وحدته دفع بفوهة بندقيته الإم 16 في فم طفل في الثامنة من عمره كان يلقي الحجارة باتجاه دوريتهم.
إلا أن من أكثر الشهادات إزعاجا تلك التي يقدمها الملازم دافيد زونشين، الذي خدم في وحدة الاستطلاع التي تعمل داخل الضفة الغربية، والذي وصف إلقاء القبض على فتى في الرابعة عشر من عمره يشتبه في إخفائه سلاحا أو في معرفة مكان وجوده.
وعن ذلك يقول: "ما جرى هناك كان تعذيبا صادما، بما في ذلك إيجاد لوح خشب سميك في أحد الحقول، ووضعه فوقه ثم ضربه بعنف ولعدة دقائق على خصيتيه. ثم يقولون له نحن نحبك، ويعودون لركله على خصيتيه، ثم يقولون له هيا، فقط أخبرنا، انتهِ من هذا الأمر، أخبرنا أين هو، وسوف نتوقف عن هذا".
ويقول زونشين؛ إن أحد الجنود حطم صخرة على يد الفتى، بينما ظل جندي آخر يضربه على رأسه. ويضيف: "وعند نقطة معينة، بدؤوا يلكمونه بقبضات أيديهم، فراح يتلوى".
يصف زونشين استجواب الفتى بأنه "لا بأس فيه من حيث الأمر برمته". وفي اليوم التالي، ذهب الجندي يبحث عن الفتى، فوجده في المستشفى. ويقول: "رأيناه هناك، كان داخل جبيرة، كل جسمه في جبيرة. لا أعلم حقيقة ماذا حدث له. ولكن لا أظن أنه نجا وبقي على قيد الحياة".
عرضت مجموعة "كسر الصمت" الفيديوهات على بعض السياسيين في واشنطن، بالإضافة إلى تنظيمها معرضا للجمهور هناك.
يقول غيفاتي: "نعتقد أن جزءا من حل مشكلة الاحتلال، هو إطلاع الجميع على ما يجري، وذلك من خلال شهادات الجنود الذين خدموا هناك. ومن الأمور التي نقولها لصناع القرار في الولايات المتحدة: هو أن عدم عمل شيء بخصوص الاحتلال ليس جيدا لإسرائيل، وهو عكس ما تسعى إسرائيل إلى إقناعهم به".