سياسة عربية

استمرار إضراب النقل بالأردن.. وأجواء احتجاجات 2018 تلوح في الأفق

صناعة الأردن: كبد إضراب شاحنات النقل ميناء العقبة خسائر كبيرة- عربي21
تتسارع وتيرة الإضرابات والاحتجاجات التي ينفذها قطاع النقل والشحن في الأردن رغم المحاولات الحكومية لامتصاص الإضراب برفع أجور الشحن ودعم قطاع النقل العام ماليا، إلا أن المحتجين يرفعون مطلبا واحدا: "خفض أسعار المحروقات".

 وبدأ الإضراب من مدينة معان (217 كم جنوبي العاصمة عمان) في 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، احتجاجا على رفع السلطات الأردنية أسعار المحروقات بشكل متكرر وخصوصا مادتي السولار والكاز، ما تسبب في خسائر لقطاع النقل والشحن ومس جيوب الفقراء.

 وشهدت مناطق متفرقة في المملكة إغلاقات للطرق بالإطارات المشتعلة.

وأخذت وتيرة الاحتجاجات بالتوسع لتعلن محال تجارية في مدينة معان إغلاق أبوابها، وقال ناشطون في المدينة لـ"عربي21" إن "إغلاق المحلات التجارية جاء ردا على قيام السلطات الأردنية، بإطلاق الغاز المسيل للدموع على محتجين سلميين يطالبون بتخفيض أسعار المحروقات".

إجراءات حكومية تفشل في وقف الإضراب


وفي محاولة لامتصاص الأزمة، فقد أوصى مجلس النواب الحكومة، بإعادة النظر في الضريبة الثابتة التي تفرضها على المشتقات النفطية في مشروع قانون الموازنة المقبل، وفق نائب رئيس مجلس النواب أحمد الخلايلة الثلاثاء.

ودعا مجلس الأعيان في بيان صحفي إلى "ضرورة تغليب لغة الحكمة والابتعاد عن إثارة الفوضى، وجلوس كافة الأطراف ذات العلاقة معا لبحث المطالب".

وزاد المجلس في بيانه: "أبناءنا المضربين، بهدف الوصول الى تفاهمات مشتركة تلبي مطالبكم وفق الإمكانيات المتاحة، فمن شأن ذلك تفويت الفرصة على كل من يحاول العبث  بجبهتنا الداخلية  واستقرار بلدنا ، مشيدا المجلس بحرص غالبية المضربين على الالتزام بالنظام العام والقانون".

بدوره قال وزير النقل الأردني ماهر أبو السمن خلال اجتماع مع نواب أردنيين الثلاثاء إن "الحكومة حققت مطالب لأصحاب الشاحنات منها رفع سعر النقل على شركات الفوسفات والبوتاس وطرح عطاء لتأهيل الطرق المؤدية إلى مناجم الرشيدية".

وأعلنت هيئة تنظيم قطاع النقل البري يوم الاثنين الماضي عن توصلها إلى اتفاق مع النقابة العامة لأصحاب الباصات الأردنية والنقابة العامة لأصحاب السيارات العمومية والتكسي على استمرار وزيادة تقديم الدعم النقدي لجميع أنماط نقل الركاب في المملكة ضمن اختصاص الهيئة.

إلا أن الإجراءات الحكومية فشلت في سحب فتيل الإضراب، إذ يصر المضربون على "تخفيض أسعار المحروقات، وليس رفع أجور الشحن".

ويصف رئيس بلدية معان الكبرى السابق ماجد الشراري إضرابات سائقي الشاحنات بـ"الشرعي والسلمي"، قائلا لـ"عربي21": "مطالبنا هي مطالب كل مواطن أردني، تخفيض أسعار المحروقات، والعيش بحياة كريمة، المعاناة واحدة، يجب رفع الظلم، والحلول متوفرة لكن العقول غُيبت".

وكشف النائب ماجد الرواشدة عن تفاصيل الاتفاق الذي يجري التفاوض على لمساته الأخيرة، بين الحكومة وممثلي أصحاب الشاحنات في مجلس النواب اليوم الثلاثاء.

وقال الرواشدة إن الحكومة تعهدت أمام اللجنة بتخفيض أسعار المحروقات بنسب مجدية نهاية الشهر الحالي ومطلع الشهر المقبل، وفق صحيفة "عمون" المحلية.

وقالت الصحيفة إنها حصلت على وثيقة من 9 بنود تم التوافق مبدئيا على تحقيق معظم ما جاء فيها، ومن بنودها:

إنشاء مكتب صرف تحت مظلة الحكومة، ورفع العمر التشغيلي للشاحنات، وتوزيع الحاويات على الجميع، أفرادا وشركات، بعدالة وعن طريق جهة موثوقة، وتفعيل قرار شطب السناغل، وإنشاء ساحة جمركية في القطرانة تحتوي على تتبع إلكتروني، وإلغاء الرسوم الوهمية المفروضة على الحاويات من قبل ساحات التحميل والتنزيل.

ويستذكر أردنيون الاحتجاجات التي تسببت في استقالة حكومة هاني الملقي في 2018، والتي جاءت بعد إقرار الحكومة قانون ضريبة دخل مثيرا للجدل تسبب في غضب شعبي. كما أنهم يستذكرون ما عرف بـ"هبة تشرين"، وهي مظاهرات نظمها أردنيون ضد رفع أسعار المحروقات في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2012.

الكاتب والمحلل السياسي، بسام بدارين، يرى أنه بسبب سياسة إدارة ملف المحروقات والطاقة كان من المتوقع أن تنزلق الأردن لهذا النوع من الاحتجاجات، يقول لـ"عربي21": "هنالك عدم وضوح في آليات التسعير للمحروقات وكيفية التعامل مع ملف حساس مثل المحروقات".

يضيف: "أتوقع أن تكون هناك عدوى في الاحتجاجات بحيث تشمل قطاعات مختلفة، وهذا نتيجة غموض الحكومة في هذا الملف وتعثرها في تقديم رواية حقيقية لأسعار الوقود، هذه الإضرابات ستزيد وأخشى أن تكون مؤشرا لعودة حراك شعبي وعودة الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، وهنا نذكر الحكومة بأننا ما زلنا في مرحلة التعافي الاقتصادي بسبب جائحة كورونا".

ويتابع: "على الحكومة أن تحتوي هذه الأزمة التي يمكن أن تتحول إلى أزمة تحريك، وستحدث المزيد من حالة التأزيم، المواطن لا يوجد أمامه خيارات سوى رفع صوته كون رفع كلفة المحروقات تعني رفع كلفة المعيشة، بينما لدى الحكومة بدائل مثل تخفيض الضرائب على المحروقات وفتح باب الاستيراد الحر للمشتقات النفطية. لا يجوز للحكومة تحرير أسعار المحروقات في وقت يوجد فيه جهات تحتكر استيراد هذه السلعة، نحن إزاء أزمة وأخشى أن تكون إنذارا مبكرا تجاه الانزلاق باتجاه السيناريو اللبناني لا سمح الله".

خسائر يومية.. وتداعيات

وكبد إضراب شاحنات النقل ميناء العقبة خسائر كبيرة، ووصف رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان فتحي الجغبير، في بيان صحفي الثلاثاء تداعيات الإضراب بـ"الكارثية" على القطاع الصناعي.

قائلا إن "جميع القطاعات الصناعية متأثرة بشكل كبير؛ سواء تلك القطاعات التي تعتمد على التصدير من ميناء العقبة أو الاستيراد منه.. حجم صادرات المملكة من خلال موانئ العقبة يبلغ 22 مليون دينار يوميا؛ أي ما يقارب الـ600 مليون دينار شهريا، أما المستوردات، فتبلغ قيمتها 50 مليون دينار يوميا؛ أي ما يقرب من 1.3 مليار دينار شهريا".

وأعلنت جمعية حماية المستهلك الأردنية في بيان لها أن "ضعف القدرات الشرائية لدى المواطنين بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والضريبة المفروضة على أغلب السلع وبعض حالات الاحتكار قد أثر سلبا على الحركة الشرائية في الأسواق وأدى الى حالات ركود غير مسبوقة في الأسواق".

ودعت الحكومة إلى "زيادة شريحة السلع المعفاة من الضريبة وتخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على أغلب السلع وتخفيض أسعار المحروقات لحين تعافي الأسواق من حالة الركود التي يعاني منها".

ويرى عضو في الحملة الوطنية "صوت العمال"، مجد خلدون، في حديث لـ"عربي21"، أن "الحكومة وسياستها الاقتصادية هي التي تتحمل تداعيات الإضراب بسبب عدم قدرتها على إيجاد حلول اقتصادية وعدم وجود حماية اجتماعية".

وقال: "الإضراب سيؤثر على القطاعات الأخرى والحكومة التي تتحمل المسؤولية، المضربون خرجوا لأنهم لا يقبلون ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وارتفاع أسعار باقي السلع ناهيك عن فقر مدقع وصلت نسبته إلى 27% إلى جانب ارتفاع البطالة".

وأضاف: "الحل بيد الحكومة من خلال تخفيض أسعار المشتقات النفطية التي تعتبر الأعلى في العالم العربي بسبب رفع أسعارها بشكل هستيري، نستذكر هبة تشرين التي بدأت بإضراب النقل، وبالتالي يمكن أن تنتشر بشكل كبير رغم التضليل الإعلامي ومحاولة الالتفاف عليها والقول إن الإضراب انتهى، يمكن أن تزداد وتيرة الإضراب إذا لم يقرأ صانع القرار الحالة وبقي غير مبالٍ".