مع قرب إنجاز الحكومة اليمينية
الإسرائيلية، والكشف عن بعض بنود التحالف الحكومي الخاصة بالقضايا الدينية، وتصريحات عدد من رموز الائتلاف قيد التشكل، شهدت الحلبة السياسية والحزبية في دولة
الاحتلال جملة مواقف سياسية وحزبية وأيديولوجية متخوفة من تحولها مع مرور الوقت إلى "دولة تحكمها الشريعة اليهودية والأعراف التلمودية، مما يعني حدوث انقسام رأسي بين اليهود أنفسهم، فضلا عما سيسببه ذلك من عزلة دولية".
آخر هذه المواقف أصدرها رون خولدائي رئيس بلدية تل أبيب في لقاء مع
القناة 12، الذي هاجم التحالف الحكومي الناشئ لأنه يعمل على تحويل إسرائيل إلى دولة شريعة، مما يستدعي وقف الاتجاه الخطير الذي تمضي به الدولة، قائلا: "سأفعل كل ما بوسعي لإبقاء تل أبيب حرة، بعيدة عن أحكام دينية".
داني كوشمارو الصحفي الذي قابل خولدائي أكد في تقرير ترجمته "عربي21" أن "عضو الكنيست الحاخام آفي ماعوز، رئيس حزب ناعوم، الذي سيتولى وحدة البرامج الخارجية وتعزيز الشراكات في وزارة التعليم، نجح بإثارة غضب الكثير من الإسرائيليين، الذين عبروا عن رفضهم التدخل بالتعليم الحكومي وفق آراء الأرثوذكس المتطرفين عبر إدخال الجمعيات الدينية في مدارس الدولة، لأنه يعني، وفق رأي خولدائي، تحول إسرائيل إلى دولة دينية ثيوقراطية غير ديمقراطية".
أما رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد فأكد في تصريحات نقلتها
القناة 13، أن "الحكومة الجديدة تخلت عن تعليم أطفالنا، وسلمتهم للعناصر الأكثر تطرفاً وظلامية وعنصرية، وأنا أحث على عدم التعاون مع وحدة البرامج والشراكات في وزارة التعليم طالما أنها تحت سيطرة ماعوز".
فيما أعلن بعض رؤساء البلديات والمجالس المحلية عبر تقرير ترجمته "عربي21" أنهم لن يستسلموا لمواقف الحكومة الجديدة، وسيستمرون في التثقيف حول القيم التعددية والليبرالية، عقب إعلان ماعوز أنه يرفض ما يتعارض مع الدولة اليهودية".
فيما طالب وزير الرعاية الاجتماعية مائير كوهين في لقاء مع
القناة 13، ترجمته "عربي21" بعدم التقليل من نوايا بعض أعضاء الحكومة الجديدة، هذه ليست قصة شخصية ضدهم، لكن عندما يتحدثون بأن محتويات وزارة التعليم ستتغير، فإن دورنا كمعارضة أن نحتج ونحذر ونقاتل، هذه ليست فتنة، بل أكثر ما يجب فعله شرعيًا، ومن واجبنا أن ننزل للشوارع".
بالتزامن مع كل هذه التحذيرات الإسرائيلية من زيادة الجرعة الحاخامية في الحكومة الجديدة، فإن مسؤولي حزب
الليكود ذاته يعترفون في محادثات مغلقة بوقوع خطأ في بعض الاتفاقات الائتلافية، لأن بعضها يتضمن منح أعضاء في الائتلاف الحكومي المسؤولية عن التعامل مع المحتويات التعليمية مثل الرياضيات والجغرافيا واللغة الإنجليزية، وهم لا يتفهمون لماذا منح رئيس الحكومة المكلف بنيامين
نتنياهو هؤلاء المتطرفين مفاتيح جوهر النظام التعليمي، رغم أن تصريحاتهم أثارت حفيظته، لأنهم يحاولون فرض أسلوب حياتهم على جميع الإسرائيليين.
دافنا ليئيل مراسلة الشؤون الحزبية في
القناة 12، نقلت عن بعض أوساط الليكود في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الاتفاق مع ماعوز كارثة مزدوجة، لأن الليكود يعتبر نفسه حزبًا يمينيًا ليبراليًا".
ميخال كوهين الرئيسة التنفيذية السابقة لوزارة التعليم، ومؤسسة وحدة البرامج الخارجية فيها، أكدت في مقال نشرته
القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "سيطرة بعض المتطرفين على محتويات وزارة التعليم يجب أن يعتبره الجمهور الإسرائيلي خطاً أحمر، لأنه لا يوجد تيار في اليهودية يمكنه أن يختطفها، كما لو كانت احتكارا له أو لعائلته، ويجب ألا يُنظر لليهودية على أنها تنتمي فقط لتيار معين، وبذلك نفقد مجموعات أخرى لا تقل أهمية عن اليهودية بالنسبة لها، ويجب عدم تسليم سلطات النظام التعليمي لشخص مهما كان، لمجرد توزيع المناصب الحكومية، دون وضع مصلحة نظام التعليم أولاً".
يعود أساس التخوفات الإسرائيلية الليبرالية العلمانية من التوجهات الجديدة للحكومة المقبلة من إمكانية إقدامها على "تديين" التعليم الحكومي الرسمي، بحيث يشرف عليها نخبة من الحاخامات المتطرفين، مما سيدخل المجتمع الإسرائيلي عموما في حالة خلاف وصدام فكري وديني.
مع العلم أن قانون التعليم اليهودي العام لعام 1953، تنص مادته الثانية على "أن التعليم في إسرائيل يجب أن يرتكز على قيم الثقافة اليهودية، والولاء للدولة والشعب اليهودي، وتحقيق مبادئ الريادة في العمل الطلائعي الصهيوني"، ومع مضي السنوات أخذ التعليم الديني ينمو ويستولي على مساحات اجتماعية وثقافية وسياسية، ويمسك بزمام الشارع اليهودي في كثير من المستوطنات والأحياء الدينية الكبيرة في المدن، حتى أصبح أكثر عمقاً من التعليم الرسمي.