نشرت مجلة "
الإيكونوميست" البريطانية تقريرًا تحدثت فيه عن مدى قدرة الغرب على التحكم في أسواق الطاقة من خلال تسقيف
أسعار النفط الروسي.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي 21"، إنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي سعت الولايات المتحدة من خلال سياستها الطاقية لتحقيق هدفين أساسيين ومتناقضين؛ يتمثل الأول في الإبقاء على إمدادات النفط العالمية مرتفعة بما يكفي لتظل الأسعار مقبولة ويظل التأييد الشعبي للعقوبات قويًا، بينما يكمن الثاني في تقويض قدرات فلاديمير بوتين الحربية من خلال وقف تدفق عائدات النفط على
روسيا.
وأوضحت المجلة أن الغرب حاول التدخل في أسواق النفط من خلال صياغة مجموعة متزايدة من الإجراءات. ففي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، منحت الولايات المتحدة الإذن لشركة شيفرون - وهي شركة نفطية أمريكية كبيرة في فنزويلا - لزيادة إنتاجها النفطي، كما سحبت كميات ضخمة من مخزونها الاستراتيجي من النفط الخام.
وسعى البيت الأبيض إلى إقناع دول الخليج بزيادة الإنتاج، لكن في غضون أشهر من لقاء التقارب بين الرئيس جو بايدن ومحمد بن سلمان في الرياض في حزيران/ يونيو، أعلنت السعودية وحلفاؤها في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تخفيض الإنتاج بدلاً من رفعه.
وأشارت المجلة إلى أن الإجراءات الغربية الأكثر حزمًا للتفوق على بوتين لم تدخل حيز التنفيذ بعد. ففي حزيران/ يونيو، أعلن الاتحاد الأوروبي حظر واردات النفط الخام الروسي المنقول بحرًا بدءًا من تاريخ 5 كانون الأول/ ديسمبر التي تعادل مليونيْ برميل في اليوم أو 40 بالمئة من صادرات الخام الروسية.
وحسب المجلة يمكن أن تنجح حزمة العقوبات في التوفيق بين هدفين متناقضين للغرب، وسيضمن الحظر أن أوروبا لم تعد تموّل جهود بوتين الحربية، وبذلك حصلت روسيا في الشهر الماضي على عائدات بيع 2.4 مليون برميل في اليوم فقط من الخام والمنتجات المكررة.
ويرى مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية أن سقف السعر سيكون بمثابة "صمام تحرير"، مما يحافظ على توازن السوق العالمية من خلال السماح للدول النامية بشراء النفط الروسي بسعر مخفض، وبالتالي جني روسيا أموالًا أقل.
وفي غياب سقف سعر منخفض بما فيه الكفاية - كما هو مرجح أن يحصل - يرتفع عبء التكلفة على روسيا وتقل عائداتها ما يضيف المزيد من الزخم للعقوبات التي فرضها الغرب لإضعاف الاقتصاد الروسي على المدى الطويل وإن لم تثبت أنها نهائية حتى الآن.
وأشارت المجلة إلى أن هذه الخطوة تفترض عدم وجود عوائق لوجستية تمنع أشكال التداول القديمة من المرور بتحول سلس وسريع. وفي السيناريو الأقل تفاؤلًا قد تبرز ثلاث معضلات: أزمة في الناقلات، وفجوة تأمين، وإحجام عالمي عن الرغبة في المخاطرة.
في ما يخص الناقلات، تلوح في الأفق قبرص واليونان ومالطا في مجال الشحن، وأي حظر أوروبي محتمل على الخدمات البحرية لهذه البلدان التي لا تنضم إلى "الحد الأقصى للأسعار" يمكن أن يؤدي إلى نقص كبير في السفن القادرة على حمل الخام الروسي.
ويتوقع كلاوديو جاليمبيرتي من شركة "ريستاد إنيرجي" للبيانات حدوث عجز بحوالي 70 سفينة بطاقة استيعابية إجمالية تبلغ 750.000 برميل في اليوم، وتستمر من شهرين إلى ثلاثة أشهر.
ويشير المطّلعون على هذه الصناعة إلى أن هذه المعضلة قد تُحلّ من تلقاء نفسها بتوفير السفن من منتهكي العقوبات المعروفين في إيران وفنزويلا، وقد تعيد الشركات الروسية السفن المعلقة إلى الخدمة، ويقوم مالكو السفن في الاتحاد الأوروبي بنقل الأصول إلى مشغلين خارج مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. ويعتقد أحد خبراء الطاقة أنه بحلول شباط/ فبراير، سيكون هناك ما يكفي من السفن لنقل الخام الروسي.
أما في ما يخص أزمة تغطية التأمين، فهي عقبة محتملة أكبر. لا يتعلق الأمر بأن دول الشرق الأوسط أو آسيا الراغبة في الحصول على البراميل الروسية لا تملك شركات محلية قادرة على تأمين الناقلات والبضائع، وإنما ما قد يفتقرون إليه قريبًا هو غطاء لمخاطر أكبر بكثير من تدفق النفط التي يمكن أن تصل الالتزامات الخاصة بها إلى نصف مليار دولار.
أما المعضلة الثالثة فتتمثل في الافتقار إلى الرغبة للمخاطرة خارج مجموعة السبع المتوقع منها أن تلتف حول مخطط صممه الغرب، إذ لا يثق الكثيرون في الوعود الأمريكية بعدم التدخل إذا اختارت الدول الالتفاف حول الحد الأقصى لأسعار الخام الروسي، ناهيك عن أن العقوبات الأمريكية الأخيرة، مثل تلك التي استهدفت إيران، ذات حدود غامضة.
وأشارت المجلة إلى أن كل هذا من شأنه أن يتسبب في انخفاض جزء كبير من صادرات النفط الروسية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. لكن السيناريو الأسوأ بكثير هو أن تخفّض روسيا طواعية صادراتها النفطية لتخرج الأسعار عن السيطرة. وقد يحدث ذلك أيضًا إذا حاولت الصين - التي اضطرت إلى الاستغناء عن وارداتها من الدول الأخرى لشراء المزيد من النفط الروسي- الدفع بالأسعار إلى الارتفاع في ما يشبه صفقة رابحة مع روسيا. ويمكن أن تتكبد روسيا خسائر باهظة، حيث تأتي 40 بالمئة من عائدات صادراتها من مبيعات النفط.
وختمت المجلة تقريرها بالإشارة إلى أنه حتى الآن تمت صياغة سياسة الطاقة "لمجموعة السبع" بعناية في واشنطن وبروكسل. ولكنْ بتطبيق مقولة الملاكم الشهير مايك تايسون "كل شخص لديه خطة رائعة، إلى أن يتعرض للكمات في الوجه" على مجال الطاقة، فإن فلاديمير بوتين في الوقت الحالي لا يوجه أي لكمات وقد تكون أول محاولة لتحديد سقف الأسعار صعبة للغاية.