نشرت
صحيفة
"الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك قالت فيه إن المؤمنين بحرية
التعبير المطلقة هم مثل الجمهور المغرور المتفرج على لعبة رياضية، يعتقدون أنهم يستطيعون
أن يقدموا أداء أفضل من اللاعبين، لو حصلوا على فرصة اللعب. بالنسبة لهم، يجب أن يكون
الكلام حرا قدر الإمكان وانتهى.
لا يوجد
مكان يتجلى فيه الإفراط في تبسيط القضية أكثر من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث خلقت
إساءة الاستخدام والمعلومات المضللة حدودا جديدة للتنظيم، ومعها مجموعة من المحاربين
الماكرين باسم
حرية التعبير.
هؤلاء
المستبدون غير معتادين على مواجهة عواقب أفعالهم لدرجة أنهم دفعوا بفكرة أن هناك أرثوذوكسية
"واعية [للظلم الاجتماعي]" تسود الآن، وتشكل تهديدا لحرية التعبير. إيلون
ماسك واحد منهم، ولكن منذ استحواذه على "تويتر"، كان عليه أن يتعلم بسرعة
أن حرية التعبير لا تتعلق فقط بقول ما تريد دون رادع، ولكن حول التفاوض على حلول وسط
معقدة.
وصل
ماسك إلى "تويتر" بنهج أعتقد أنه ظنه واضحا ومباشرا.. يعتقد أن الموقع له انحياز
يساري يجب تصحيحه من خلال السماح للمستخدمين المحظورين بالعودة إلى المنصة. تمت إعادة
حسابات دونالد ترامب وكاني ويست وجوردان بيترسون، إلى جانب جميع الحسابات التي تم تعليقها
تقريبا لمخالفتها قواعد "تويتر" القديمة بشأن إساءة الاستخدام وخطاب الكراهية.
هذا
يعني أن "تويتر" على وشك أن يتحول إلى تجربة غير سارة وربما أكثر خطورة.
ويبدو أن القليل من هذا لا علاقة له باستراتيجية سياسية من جانب ماسك.
مثل
ترامب، أصبح ماسك منبر الفاشيين والعنصريين عن طريق المخالفة الصبيانية، وحاجة لا تشبع
للتباهي بسيطرته وعدم القدرة الكبيرة على التعامل مع إخباره بأنه مخطئ على الإنترنت.
وبالنسبة له، فيبدو أن "حرية التعبير" تعني مجرد وسيلة لخطته الوهمية لتحويل
"تويتر" إلى "ساحة مدينة رقمية" متملقة يرأسها.
ولكن
حتى أغنى رجل في العالم لا يستطيع أن يحقق هذا النوع من الساحة لحرية التعبير. ولا يتم
دعم "تويتر" من قبل المستخدمين الموقوفين سابقا، ولكن من قبل الملايين من
الأشخاص الذين يحسون بأن المنصة (في معظم الأحيان) تيار سياسي وثقافي جارف.
لدى
"تويتر" ميزة غريبة من بين وسائل التواصل الاجتماعي. إنها منصة مؤثرة للغاية
وغالبا ما تكون تافهة تماما، والتعايش بين الخاصيتين هو ما يجعل الموقع قابلا للعيش.
منصة
"تويتر" عبارة عن نافذة على روح السياسيين وصناع الرأي، وأسلوب المنصة في
التعليق التفاعلي المتداول يعمل بشكل جيد في جرّهم لنشر آرائهم أو التفاعل مع الآخرين،
وكشف شخصياتهم وسياساتهم التي لولا ذلك لأمكن أن تكون غائبة أو يتم عرضها مشذبة. وهي
الملاذ الأول للمواطنين الصحفيين ومن ينظمون الاحتجاج السياسي. كما أنها تظل المنصة
الوحيدة لوسائل التواصل الاجتماعي حيث يمكن للأشخاص المغمورين تحدي النخب بشكل مباشر.
لكن
"تويتر" أيضا مكان للأنانية، حيث يمكن حتى للمستخدمين الصغار أن يصبحوا أبطالا
في الخلافات التي يتم تضخيمها بعد ذلك من خلال خوارزميات الموقع ووسائل الإعلام اليمينية
التي تبحث فيها بحثا عن إشارات "الوعي" أو "ثقافة الإلغاء". ولكن
سواء كان الأمر أفضل أو أسوأ فإن قرب "تويتر" من الشؤون الحالية والخطاب
السياسي والثقافي العام هو ما يجعلها تبدو، بشكل فريد من بين المنصات، وثيقة
الصلة بالموضوع.
وإن
لم تكن على "تويتر"، فمن المحتمل أنك قد صادفت قصصا بدأت أو تم تسريعها هناك،
سواء كان نقاشا حول حقوق المتحولين يدور حول تغريدات جي كي رولينغ، أو دعوات لتنظيم
احتجاجات في الشوارع ضد الطغاة في العالم العربي.
ولكي
تصبح كل هذه الأشياء ممكنة على نفس الموقع، فإن الإشراف القوي على المحتوى ضروري لضمان
عدم انزلاق الحوار إلى التشهير (نشر معلومات شخصية لشخص ما بشكل ضار) والسلوك البغيض،
وإن الأخبار والصحافة يمكن التحقق منها.. في غياب الاعتدال، أو على الأقل ظهوره، تنهار
الأمور بسرعة كبيرة.
عندما
لا يكون المكان ممتعا أو مضيافا أو صادقا للمستخدمين، فإنه يصبح أيضا غير مجد تجاريا
للمعلنين.
منذ
أن تولى ماسك زمام الأمور، ورد أن نصف أفضل 100 معلن على "تويتر" غادروا
الموقع. إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فمن الصعب رؤية مستقبل للشركة.
سيكون
السبب النهائي لهذا الزوال هو فشل ماسك في فهم أنه لكي يكون بعض الكلام حرا، فيجب أن
يكون الكلام الآخر محدودا. من الصحيح بشكل عام أنه إذا كانت الخدمة مجانية، فهي بحكم
تعريفها استغلالية لمستخدميها، إذا كنت لا تدفع مقابل منتج، كما يقول المنطق، فأنت
هو المنتج. لكن في حالة وسائل التواصل الاجتماعي، فإن تنظيم خطابك هو المنتج. وإذا أصبحت
المنصة شديدة السمية، فلا فائدة منها لأي شخص باستثناء أولئك الذين يريدون غيتوا متطرفا
من المحرضين.
بهذا
المعنى، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تشبه إلى حد كبير المجتمع بشكل عام. تعمل السلطات
السياسية والقانونية على الإشراف على المحتوى، من أجل جعل مساحتنا المشتركة مستقرة
وآمنة قدر الإمكان لغالبية الناس.
إن الجمهور
وأصحاب المصلحة الآخرين، مثل الصحافة والشركات وشركات وسائل التواصل الاجتماعي أنفسهم،
في مفاوضات مستمرة مع هذه السلطات حول ما يجب أن تكون عليه هذه الحدود، على سبيل المثال،
ما إذا كان اللباس الديني خطابا محميا، أو ما يشكل تحريضا على العنف.
كان
موقع "تويتر" القديم بعيدا عن الكمال، ومن خلال اعترافه، فقد فضلت خوارزمياته
حسابات الجناح اليميني. لكنها كانت تتحسن بسبب العوائق التي كان المُعلنون والمنظمون
والمستخدمون يضعونها في حسها الخوارزمي على تشجيع النشاط العدائي.
يجب
أن تكون زعزعة الاستقرار عالية السرعة في "تويتر" بإدارة ماسك، بمثابة تحذير
للمؤمنين بحرية التعبير المطلقة.
مجموعة
القيود التي يعترضون عليها هي تلك التي تجعل تجربة المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي،
والحياة بشكل عام، ممكنة. إنها تحمي من التشهير وانتحال الهوية والانتحال والمعلومات
المضللة والاستمالة، وغير ذلك. من حيث الجوهر، تدور جميع حججنا حول حرية التعبير حول
التحايل على نظام القيود الوظيفية بدلا من محوه.
يتمتع
أصحاب السلطة بمزيد من الحرية لتحديد ماهية حرية التعبير، لكن نادرا ما يمكنهم القيام
بذلك دون قيود.
تعتمد
فرصة بقاء "تويتر" على قيد الحياة على ما إذا كان ماسك يختار قبول ذلك، مثل
حرية التعبير، فإن سلطته ليست مطلقة.