موسم
كأس العالم
في
قطر هذا العام هو الأسخن في تاريخ المونديال، لكونه تعبيرا عن مباريات ثقافية بين ما يسمى بقيم الشرق وقيم الغرب. والحقيقة أن
هذه المباريات الإعلامية ليست تعبيرا حقيقيا عن صراع بين الشرق والغرب بقدر ما هي
تعبير عن أمرين؛ أحدهما هو نموذج الحدث العالمي صديق العائلة أو الأسرة.. والأمر
الآخر هو صراع اللوبيات الغربية.
يتعلق الأمر الأول
بفكرة المتعة الجماعية في إطار متصالح مع العائلة ووجود الأطفال في ظل حدث أو مكان
صديق العائلة، وهو نموذج موجود في الغرب لكنه نموذج هامشي وليس أساسيا، فمن غير
المسموح للأطفال بدخول الحانات مثلا أو صالات الرقص أو السماح لمن هم دون الـ18 عاما
بشرب الكحول. وهناك معايير عمرية لمشاهدة الأفلام، وحتى وقت قريب كان محظورا
تناول قضايا المثلية الجنسية في المدارس ومع الأطفال. وإذا أرادت بعض الهيئات
تنظيم مهرجان أو حدث كبير تشترط الجهات التي تمنح التراخيص معرفة وجود المرافق
الأساسية عند السماح بوجود الأطفال.
ما فعلته قطر في مونديال عام 2022 هو أنها حركت الحدث الجماعي صديق العائلة من الهامش إلى المتن، هذا الحدث الموجود أصلا لدى المجتمع الغربي في مقاهي معينة وفي بعض المناسبات واللجوء إليه هو أمر اختياري
ما فعلته قطر في
مونديال عام 2022 هو أنها حركت الحدث الجماعي صديق العائلة من الهامش إلى المتن،
هذا الحدث الموجود أصلا لدى المجتمع الغربي في مقاهي معينة وفي بعض المناسبات واللجوء
إليه هو أمر اختياري، بينما سرى العرف أن يكون الحدث الكبير مرتبطا بالخمور والسكر
والتعري وتجاوز كل القواعد، في تعاقد غير مكتوب حول شروط المتعة. أما أن يكون الحدث
الجماهيري العالمي هو مكان آمن للأطفال بدنيا ونفسيا فهي فكرة غريبة عن العقلية
الغربية، وإن بدت بدهية لنا نحن أبناء الدول العربية. ولهذا ربما فات منظمو
المونديال أن يروجوا لهذه الفكرة الذكية حول أن اصطحاب الأطفال والأهل فكرة مرحب
بها؛ لأن هناك خدمات من مرافق وألعاب وتأمين يضمن لهم مجالا أشبه ما يكون بالبيت
الكبير.
الصراع حول تفاصيل هذه القيم ليس مرتبطا بالغربيين كحكومات وشعوب؛ بقدر ما هو مرتبط بعمل اللوبيات السياسية الغربية على عدة مستوياتها ضد قطر بشكل خاص وضد العرب والمسلمين بشكل عام. فاستهداف قطر غربيا كان ضمن حملة معروفة انطلقت قبل عدة سنوات وسارت بعد ذلك
ووفق لهذه
الفلسفة، ليست مصادفة أن يكون اسم معلب حفل الافتتاح هو استاد البيت، وليس سرا أيضا
أن المطاعم الخليجية تختلف عن نظيرتها الغربية بشكل عام بوجود فضاء عائلي وصالات
منفصلة ذات خصوصية عن صالات الأفراد. فهذا الاعتبار لما تمثله العائلة في الحيز
العام أمر يثير شغف وإعجاب كثير من الغربيين وهو ما لمسته بحكم التعامل الطويل
معهم، خاصة حين يصاحب ذلك فكرة الكرم والحفاوة التي هي مرتبطة بفكرة البيت والضيف
والعائلة بطريقة غير مصطنعة.
الأمر الآخر هو أن
الصراع حول تفاصيل هذه القيم ليس مرتبطا بالغربيين كحكومات وشعوب؛ بقدر ما هو
مرتبط بعمل اللوبيات السياسية الغربية على عدة مستوياتها ضد قطر بشكل خاص وضد
العرب والمسلمين بشكل عام. فاستهداف قطر غربيا كان ضمن حملة معروفة انطلقت قبل عدة
سنوات وسارت بعد ذلك، بخاصة وسط النخب السياسية والإعلامية.
وقد
رحبت التيارات اليمنية المتطرفة بهذه
الحملات لكونها تغذي سرديتها لشيطنة العرب والمسلمين
كورقة انتخابية رابحة. وهذه أحد مساوئ التجربة السياسية الغربية رغم محاسنها
الكثيرة، وهو أنها سمحت بأن تكون المنافسة السياسية تجارة يسمح فيها بتحويل الدعاية السياسية السوداء إلى صناعة ثم إلى قيمة.
وهكذا يقف مذيع لينتقد دولة ما بشدة ويغض
الطرف عن دول أخرى وفق ما يراه مبادئ وقيما، وهو في حقيقة الأمر تأثر وقتي بلوبي
معين نجح في بلورة تصدير خطاب إعلامي. وهنا يحدث تداخل مقصود أحيانا وغير مقصود في
أحيان أخرى بين منظومة حقوق الإنسان ومطالبها وبين الرياضة من جهة أخرى، تماما كالتداخل
غير المحسوم بين كأس العالم والسياسة. فالمذيع حسم المسألة ابتداء، لأننا إذا
أردنا تنحية الرياضة عن
السياسة فلا يجب حرمان روسيا من المشاركة في المونديال،
وإذا سمحنا فنسمح لمن هم مثل اللاعب السابق محمد أبو تريكة برفع علم فلسطين. وكذلك
الأمر بالنسبة لمطالب حقوق الإنسان، فلا يجب أن تفتح لمطلب واحد في المونديال وبين
لاعبي المنتخبات وتحرم قضايا أخرى.
twitter.com/HanyBeshr