كالعادة، رافق افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر بعض الأحداث والإشارات
غير الرياضية ولا سيما السياسية، ولعل أبرزها كان
المصافحة بين الرئيسين التركي
رجب طيب
أردوغان والمصري عبد الفتاح
السيسي. تركت المصافحة بصمتها على
افتتاح المونديال وأعادت للأذهان والنقاش "دبلوماسية كرة القدم" التي
ذكّرت ببعض التطورات السياسية، لا سيما على صعيد إعادة العلاقات أو التواصل
السياسي، على هامش المباريات أو المسابقات المهمة.
يمكن القول إن لقاءً ما بين الرئيسين كان متوقعاً بالنظر لمشاركتهما معاً
في افتتاح كأس العالم وتحديداً في قطر، فضلاً عن مسار التهدئة والتقارب المستمر
بينهما منذ شهور طويلة. فقد بدأ التواصل بين الجانبين، بعد قطيعة استمرت ثماني
سنوات، عبر قناة استخبارية، ثم تطورت لتواصل دبلوماسي على مستوى وزارة خارجية كل
منهما، مع "إجراءات بناء ثقة" تعلقت بتخفيف حدة الخطاب ضد بعضهما البعض
وتراجع الحملات الإعلامية، و"تأطير" المؤسسات الإعلامية
المصرية
المعارضة العاملة على الأراضي التركية.
ولكن مسار التقارب بين الجانبين
لم يصل لمراحل متقدمة أسوة بالسعودية
والإمارات وحتى دولة الاحتلال، إذ وقف عائقاً أمامها مطالب مصرية بالأساس تعلقت
بتسليم مطلوبين من المعارضة المصرية المقيمة على الأراضي التركية (وفق المعلن)،
والاعتراف التركي الكامل والصريح بالنظام المصري برئاسة السيسي (وفق المفهوم
ضمناً).
لغة الجسد خلال لقاء أردوغان والسيسي لا تحيل على لقاء بروتوكولي ولا ارتجالي ولا اضطراري، وإنما لمصافحة مقصودة ومرتب لها جيداً، بوساطة قطرية فيما يبدو
ورغم اللقاءات التي تمت على مستويات وسطى، لم يحصل لقاء بين وزيري خارجية
البلدين رغم الإعلان عنه أكثر من مرة. وعلى المستوى الرئاسي كان هناك تصريحات
سابقة للرئيس التركي، يعودُ أحدَثُها للانتخابات البلدية في 2019، يؤكد فيها رفضه
الوساطات التي تحاول جمعه بالسيسي.
لكن لغة الجسد خلال لقاء أردوغان والسيسي لا تحيل على لقاء بروتوكولي ولا
ارتجالي ولا اضطراري، وإنما لمصافحة مقصودة ومرتب لها جيداً، بوساطة قطرية فيما
يبدو. فقد تصافح الرجلان بكلتا اليدين، وبابتسامة ملحوظة على وجهيهما، وبجسد مواجه
للآخر مقبل عليه، وتوحي الصور بأن حديثاً خفيفاً قد جرى بينهما.
وعليه، فالسؤال المطروح هو ما إذا كانت القاهرة قد حصلت على ما تريده، أو
على جزء منه، أو على وعد بتحقيقه، أو تجاوزته إكراماً للوساطة أو لأي سبب آخر.
وبالنظر لمجريات اللقاء والمصافحة، يمكن القول إنها قد حصلت بالحد الأدنى على ما
يمكن أن تسوّقه على أنه اعتراف تركي بالنظام القائم وعلى رأسه السيسي.
ولذلك، فقد روجت أوساط إعلامية مقربة من النظام المصري فكرة الثبات والصمود
والانتصار في النهاية، من باب أن أردوغان كان يرفض لقاء السيسي وقد قبله الآن. في
المقابل، وجه بعض المعارضين والإسلاميين الأتراك انتقادات لأردوغان، حيث رأوا أن
اللقاء تم دون تحقيق أي مكاسب أو شروط تركية، ولا سيما الإفراج عن بعض المعتقلين
السياسيين المصريين كما جاء سابقاً على لسان أردوغان نفسه.
المتوقع في المستقبل المنظور هو تسريع مسار التقارب بين البلدين، خصوصاً وأن تركيا كانت قد لبّت سابقاً بعض المطالب المصرية المتعلقة بالمعارضين المصريين المقيمين على أراضيها
ومن الملاحظ أن الرئيس التركي حاول تخفيف وطأة اللقاء والتقليل من دلالاته،
حين قال ما معناه إن اللقاء لم يتم بين الرئيسين بل بين الشعبين وأن بلاده تسعى لاستعادة
العلاقات التاريخية والروابط الأخوية مع الشعب المصري.
بالنظر لكل ما سبق، فإن المتوقع في المستقبل المنظور هو تسريع مسار التقارب
بين البلدين، خصوصاً وأن تركيا كانت قد لبّت سابقاً بعض المطالب المصرية المتعلقة
بالمعارضين المصريين المقيمين على أراضيها، وبالنظر لجملة المصالح الجوهرية التي
تجمع البلدين، وتنسيقهما بمستوى معين في المرحلة السابقة لا سيما في ليبيا، فضلاً
عن مسار المصالحة الذي خطّته أنقرة مع كل من الرياض وأبو ظبي، حليفَيْ القاهرة
الإقليميين.
تصريحات الرئيس التركي لدى عودته
من قطر إلى تركيا تشي بأن الطرفين قد توافقا على خطوات محددة في المستقبل القريب
لتطوير العلاقات بينهما، وهو ما يدعم توقعنا الذي توحي به المصافحة. ولذلك فيمكن
أن نشهد قريباً لقاءً يجمع بين وزيري خارجية البلدين، بل وتبادل السفراء، وهي
الخطوات التي تأخرت كثيراً وباتت ممكنة بعد لقاء الرئيسين، إذ بعدما حصل اللقاء
على مستوى الرئاسة لم يعد ما يمنع أن تتم على المستوى الوزاري. أما المدى الذي
يمكن للبلدين أن يقطعاه في مسار تحسين العلاقات، وتأثير ذلك على الملفات الخلافية
ولا سيما المعارضة المصرية في تركيا، فتبقى أسئلة حاضرة على طاولة النقاش والبحث في
المرحلة المقبلة.
twitter.com/saidelhaj