مقابلات

مفكر سوري: تقرير رفع العقوبات عن النظام سياسي بامتياز

رفض سيدا التقرير الأممي الذي دعا إلى رفع العقوبات عن النظام السوري - عربي21

وصف المفكر السوري والرئيس السابق للمجلس الوطني المعارض، عبد الباسط سيدا، التقرير الذي أصدرته المقررة الخاصة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، والذي دعا لرفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، بأنه "سياسي بامتياز، ويصب في صالح السلطة، خاصة أن دوهان لم تزر سائر المناطق السورية، بما فيها منطقة درعا القريبة من العاصمة دمشق".

وشدّد سيدا، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن "الاستمرار في مثل هذه العقوبات أمر مهم لمنع تعويم النظام، وعرقلة مشاريع الجهات التي تحاول إضفاء مسحة الشرعية عليه".

بينما أشار إلى أنه "لا يمكن حل الموضوع السوري عبر العقوبات الدولية وحدها؛ فالكل يعلم أنه لن يكون حل بوجود هذه السلطة المسؤولة عن كل ما لحق بالبلد من كوارث غير مسبوقة، ولن تكون هناك سوريا موحدة في ظل هذه السلطة التي أدخلت الجيوش والميليشيات وكل شذاذ الآفاق لقتل السوريين وتهجيرهم وتدمير البلد فقط من أجل البقاء وبأي ثمن".

يُذكر أن الخبيرة الأممية المستقلة، ألينا دوهان، كانت قد أصدرت، في أعقاب زيارة استغرقت 12 يوما إلى دمشق، تقريرا توصلت فيه إلى أن "العقوبات أحادية الجانب على سوريا تركت أثرا كارثيا"، داعية لرفع العقوبات لأنها تزيد وتطيل من أمد الدمار والمعاناة، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط السورية.

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

المقررة الخاصة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، دعت، قبل أيام، إلى رفع العقوبات عن النظام السوري.. كيف استقبلتم هذه الدعوة والجدل الكبير الذي أثارته؟


تقرير ألينا دوهان هو في نهاية المطاف مجرد وجهة نظر تخصها، ولم يتحول بعد إلى قرار مُعتمد من قِبل المنظمة الدولية أو المؤسسات التابعة لها. وهناك الكثير من التقارير والتصريحات الأخرى التي تدين النظام، ولكنها هي الأخرى ظلت من دون أي تأثير نتيجة عدم تحولها إلى قرارات معتمدة، بل هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة لم تؤخذ بعين الاعتبار، وظلت مجرد حبر على ورق.

ولكن المهم هنا أن نلاحظ أن دوهان قدمت تقريرا مماثلا إلى حد التطابق لصالح النظام الإيراني في شهر أيار/ مايو 2022 بعد زيارة للبلد دامت 12 يوما، أي بنفس عدد الأيام التي كانت فيها في سوريا.

دوهان هي من بيلاروسيا كما نعلم، وتمارس عملها الأكاديمي والبحثي في مينسك بموافقة الحكومة؛ وجميعنا نعرف طبيعة الحكم الشمولي في بلادها، وموقفه المساند لسلطة بشار الأسد وحرب بوتين على أوكرانيا.

مؤسسات الأمم المتحدة تعاني بكل أسف من هكذا اختراقات نتيجة الحرص على إرضاء مختلف الدول. وهناك حالات عديدة تخص الفساد، ومواقف رفع العتب التي كان أطرافها بعض ممثلي الأمم المتحدة ممن كانوا في سوريا أو كانوا مسؤولين عن ملفات معينة تخص سوريا.

وحقيقة تقرير دوهان هو تقرير سياسي بامتياز، ويصب في صالح السلطة، خاصة أن دوهان لم تزر سائر المناطق السورية بما فيها منطقة درعا القريبة من دمشق.

إلى أي مدى تأثر نظام الأسد بالعقوبات الدولية التي فُرضت عليه؟


لقد بينت التجربة في منطقتنا ومناطق أخرى من العالم أن الأنظمة الاستبدادية لا تسقط بالعقوبات، ولكنها تضعفها، وتحد من قدراتها، وتؤكد عزلة تلك الأنظمة ومنبوذيتها على الساحة الدولية، وهذا ما هو مفروض حاليا على سلطة بشار الأسد.

لذلك، الاستمرار في مثل هذه العقوبات أمر مهم لمنع تعويم هذه السلطة، وعرقلة مشاريع الجهات التي تحاول إضفاء مسحة الشرعية عليها.

واليوم كما نلاحظ، ورغم فرض كل هذه العقوبات، تحاول جملة من الدول العربية وغير العربية التطبيع مع تلك السلطة لاعتبارات شتى. فكيف إذا رُفعت العقوبات الدولية وكأن شيئا لم يكن، بعد كل الجرائم التي اقترفتها هذه السلطة بحق السوريين من قتل وتهجير وتدمير؟


ولكن كما أسلفت، لا يمكن حل الموضوع السوري عبر العقوبات وحدها؛ فالكل يعلم أنه لن يكون حل بوجود هذه السلطة المسؤولة عن كل ما لحق بالبلد من كوارث غير مسبوقة، ولن تكون هناك سوريا موحدة في ظل هذه السلطة التي أدخلت الجيوش والميليشيات وكل شذاذ الآفاق لقتل السوريين وتهجيرهم وتدمير البلد فقط من أجل البقاء وبأي ثمن.

فهناك بيان جنيف 1 عام 2012، المبني على خطة النقاط الست التي صاغها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، وهناك قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، يمكنهما أن يكونا الخلفية القانونية السياسية لأي حل، هذا إذا توفرت الإرادة الدولية.

ماذا لو تم رفع العقوبات الدولية عن النظام السوري؟


لا ننكر أهمية دور الأمم المتحدة، في حل النزاعات، وصياغة الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان على جميع المستويات. ولكن فشل الأمم المتحدة، لا سيما في مجلس الأمن يعود بالدرجة الأولى إلى نظامها المترهل غير القادر على التعامل مع المشكلات التي تواجه عالمنا المعاصر. فروسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) منذ بدايات الثورة السورية ربيع عام 2011 حتى يومنا هذا 17 مرة لتعطيل أي مشروع قرار يدين النظام وينصف السوريين حتى ضمن الحدود الدنيا؛ وقد شاركت الصين في الكثير من الأحيان روسيا في هذا المجال.

ما تقييمكم لمجمل الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في التعاطي مع الأزمة السورية؟


الأمم المتحدة لم تؤد الدور المطلوب، والسبب في ذلك يعود إلى الموقف الروسي بالدرجة الأولى؛ فمن أجل الحصول على موافقة الروس، أو تحاشي استخدام حق النقض من جانبهم، كانت القرارات المُتخذة الخاصة بالقضية السورية ضعيفة، كالقرار 2642 لعام 2022 الخاص بالتمديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية؛ وتعاني من الكثير من الغموض وعدم الوضوح كما هو الحال بالقرار 2254 لعام 2015، مما يعطي المجال لكل طرف أن يفسرها وفق ما يتناسب مع حساباته.

ولكن من الضروري أن نؤكد في هذا السياق أن العتب هنا لا يقع على عاتق الأمم المتحدة وحدها؛ فمجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي بلغ عدد أعضائها أكثر من 100 دولة في يوم ما، كان في مقدورها أن تطرح مبادرتها من خارج مجلس الأمن، ولكنها لم تفعل ولم تساعد السوريين كما ينبغي سواء في المجال السياسي أم العسكري، وكانت الحجة المستمرة تتمثل في ضرورة إقناع الروس الأمر الذي لم يحصل نتيجة التقاعس الدولي أو الحسابات الدولية.

كيف تقارن بين أداء وفاعلية "المجلس الوطني" و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"؟


الموضوع لا يتعلق بالفاعلية وحدها، بقدر ما يتعلق أيضا بمدى التزام كل مؤسسة بأولويات السوريين. في مرحلة المجلس الوطني السوري كان للسوريين دور كبير في تشكيل المجلس؛ فهم الذين اختاروا ممثليهم بناءً على جملة من المعايير الوطنية.

أما في مرحلة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية؛ فالدول هي التي تدخلت، وفرضت أشخاصها سواء في مرحلة التأسيس، أو لاحقا أثناء عملية التوسعة الشهيرة عام 2013، وعمليات التوسعة اللاحقة الوظيفية التزيينية.

في المرحلة الأولى من تأسيس الائتلاف كان هناك ثقل للمجلس يساهم في ضبط الأمور رغم كل الانتقادات والاتهامات، ولكن بعد أن تمكنت الدول من استمالة بعض الأوساط ضمن المجلس، وفرضت المزيد من أشخاصها، تحوّل الائتلاف إلى مؤسسة خاضعة لإرادة الدول التي كانت توجهه بما يتناسب مع حساباتها، خاصة من جهة المال السياسي.

ولكن في جميع الأحوال لا بد من القول هنا إنه لم يكن في مقدور الدول أن تمرّر وتفرض ما تريد، لولا استعداد العديد من السوريين لذلك بكل أسف.

هناك أقاويل حول أن الائتلاف سيبدأ إجراءات نقل مقره إلى الشمال السوري، ليكون جزءا من إدارة المنطقة التي يجري ترتيبها إلى جانب الحكومة المؤقتة والجيش الوطني في هيكلتهم الجديدة القادمة.. هل لديكم معلومات في هذا الصدد؟


كان الائتلاف يعاني منذ البداية من أزمة بنيوية عصية على المعالجة. واليوم باتت هذه الأزمة مستفحلة ومنتشرة ومتحكّمة في كل مفاصله. لذلك، مهما فعل لن يستطيع أن يؤدي دوره المطلوب. نفس الأشخاص يتصدرون المشهد منذ نحو عشرة أعوام من دون أي مساءلة أو محاسبة. أما النتائج فهي صفرية، بل المزيد من الانهيارات والتداعيات. لنتذكر كيف كنّا في عام 2013- 2014. وكيف أصبحنا اليوم؟

عاد النظام إلى حلب، وسيطر على حمص والغوطة ودرعا وحماة، ومناطق كثيرة في إدلب نفسها.

كنّا نفاوض على هيئة الحكم الانتقالي، واليوم نركض خلف سراب اللجنة الدستورية. لم يعترف الائتلاف حتى الآن بأنه شارك بصورة رسمية في مسار أستانا (بين الدول الضامنة، وهي روسيا وإيران وتركيا، وبين وفد النظام، ووفد باسم المعارضة)، وفي لقاء سوتشي، ولكنه التزم بكل المخرجات، أليست هذه الوقائع، والكثير غيرها، جديرة بالتساؤل حولها، والتأمل فيها، لنعرف مَن المُسبّب ومن المستفيد؟

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أعلن سابقا عن مبادرة بقيادة عربية قد تشمل السعودية، إضافة إلى دول أخرى لم يسمها، لاتباع نهج تدريجي، وقيادة حل للصراع السوري.. فما هي تفاصيل المبادرة العربية التي تحدث عنها الصفدي؟


كل دولة تحاول أن تسعى في سبيل مصالحها، هذا أمر طبيعي. ولكن السلطة عندنا التي تماهي بين رأسها والدولة تسعى من أجل بقائها، وهي مُستعدة لتهجير وقتل المزيد من السوريين، وتدمير المزيد في البلد من أجل بقائها.

لست مطلعا على ما يجري بين أجهزة الدول العربية حول الوضع السوري، ولكن ما نعرفه بالتأكيد هو أن الأوضاع لن تستقر في سوريا بوجود هذه السلطة التي أوصلت العباد والبلاد إلى الكارثة.

هناك دول تعتقد أنها يمكن أن تضمن مصالحها عبر عقد صفقة أمنية أو عسكرية مع سلطة بشار الأسد. ولكن الأوضاع في سوريا مُعقدة أكثر من ذلك إذا ما وضعنا في حسابنا أن أكثر من نصف الشعب السوري مُهجّر، ولدينا أكثر من مليون ضحية، فضلا عن مئات الآلاف من المغيبين، و90% من السوريين تحت خط الفقر، والبطالة وصلت إلى مستويات مرعبة، والأسعار في تصاعد مستمر، والمشكلات البيئية والاجتماعية والتعليمية والصحية كارثية. كل ذلك نتيجة سياسات وممارسات السلطة المعنية التي يتحدث بعضهم عن إمكانية تعديل سلوكياتها أو استيعابها.

الدول العربية مشغولة في واقع الأمر بأوضاعها الخاصة، وهناك الكثير من الأزمات المفتوحة في العديد من الدول العربية، خاصة في السودان وليبيا ولبنان والعراق وتونس وغيرها.

 

اقرأ أيضا: رئيس الائتلاف: ننتظر دورا عربيا فاعلا يوصل إلى الحل في سوريا

وما يجري اليوم هو نتيجة من نتائج عدم وجود موقف عربي مُتماسك، يرتقي إلى مستويات تضحيات وتطلعات الشعوب العربية.

لو كان هناك موقف عربي متماسك، لما وجدنا كل هذا التدخل الإقليمي والدولي في أوضاع الدول العربية.

والمسؤولون الأردنيون قدّموا أكثر من مرة مقترحات وتصريحات حول إمكانية الانفتاح على سلطة بشار كأمر واقع، ولكنهم سرعان ما واجهوا التحديات، لا سيما المخدرات. المنطق الطبيعي يقول: إذا كانت أوضاع المنطقة المحيطة بالأردن ودول الخليج بأسرها مضطربة (سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن)؛ فهذا فحواه أن الحل المطلوب هو حل شامل يقوم على المعالجة السببية. أما المعالجة العرضية التي تعتمد على المسكنات الآنية المحدودة النطاق والتأثير فتظل تخديرية لن تنفع، خاصة في ظل وجود استراتيجية متكاملة يعتمدها النظام الإيراني مع داعميه، لخلخلة مجتمعات ودول المنطقة. وواهم كل مَن يعتقد أنه خارج دائرة الخطر.