رغم ما تزعمه قوات الاحتلال
بين حين وآخر أنها دمرت مخزون الصواريخ وقذائف الهاون لمنظمات المقاومة في قطاع غزة،
سواء في المواجهات العسكرية الواسعة، أو في القصف المتكرر ضد أهداف في القطاع، فإن
التقدير الإسرائيلي السائد أنه فور أن يهدأ غبار المعركة، تبدأ المقاومة في غزة بسباق
تسلح للإعداد للمواجهة القادمة، ما يدفع جيش الاحتلال لشنّ حملة لإحباط تزودها بهذه
الأسلحة من قلب
البحر، الأمر الذي يكشف عن حرب سرية تشهدها أمواج البحر بين الجانبين.
مع أن هذه الحملات التي
يشنها جيش الاحتلال بزعم ملاحقة عمليات تهريب الأسلحة للمقاومة عبر البحر، تستهدف مئات
الصيادين الفلسطينيين قبالة سواحل القطاع، ممن يرمون شباك صيدهم في أعماق البحر لإعانة
عوائلهم، وفيما يشعل جيش الاحتلال "الأضواء الحمر" مع تزايد عمليات التهريب
البحرية عند الحدود المصرية، فإن التوتر يزداد، خاصة حين تنفذ الدبابير البحرية عملياتها
السرية دون أن تكون مرئية للفلسطينيين، وأي خطأ صغير سيكشفها، لاسيما حين تظهر خوذاتهم
وستراتهم، أو ارتفاع الأمواج والرياح، واهتزاز السفن بين حين وآخر.
أمير بوخبوط المراسل العسكري
لموقع
"واللا" نقل عن ديفيد حفتسدي قائد دورية "كسيف" أن
"القوات البحرية تسعى لتكوين صورة بحرية كاملة لكشف عملية التهريب الفلسطينية،
بحيث تتم مهاجمة قوارب الصيد المشتبه بها، وتستغرق العملية بين دقيقة ونصف ساعة، وأي
خطأ تقع فيه القوات يسمح للقارب بالهروب من النيران البحرية، والوصول لشواطئ غزة، وتفريغ
الشحنة السرية، أو أن يقفز المهربون من القارب إلى الماء، ويبدأوا بالسباحة نحو الشاطئ".
وأضاف في تقرير ترجمته
"
عربي21" أن "القوات البحرية ترصد أحيانا عودة المهربين من جديد للنزول
في البحر بعد وصولهم للشاطئ، ما يثير تقديرًا بأننا أمام شحنة قيمة للغاية، ومحظور
التفريط بها من جهة قوى المقاومة الفلسطينية، رغم أن من يقوم بذلك هي وحدة النخبة المتخصصة
في النشاط البحري في الذراع العسكرية لحركة
حماس، ما يدفعها للقيام بطريقة غير مألوفة
للغاية لتأمين المنطقة، بحيث يتمكنون من إخراج الحمولة من الغواصات، ويجعل جنود الاحتلال
أمام ساعات مرهقة للأعصاب من خلال تفعيل الروبوتات والغواصين، للتعرف على المحركات
والوسائل الأخرى لوحدة حماس البحرية".
وأشار إلى أن "تزايد
عمليات التهريب البحرية السرية تكثفت بعد فترة وجيزة من حرب غزة 2021، خاصة بعد تدمير
الأنفاق الأرضية الموصوفة بأنها "أنبوب الأكسجين" في السنوات الأخيرة، مما
لم يبق أمام حماس سوى طرق التهريب البحرية، فيما عرّف رئيس الأركان أفيف كوخافي سلسلة
الإجراءات البحرية المضادة بأنها تجري دون ضوضاء، وبعيدًا عن وسائل الإعلام، وقاد هذه
الحملة العقيد سوهوليتسكي من خلال القوات المتنوعة في قاعدة أسدود بمساعدة القيادة
الجنوبية، شعبة الاستخبارات، والشاباك، وشيتت 13، ووحدات أخرى".
وأوضح أن "القلق الإسرائيلي
يتمثل في أن الأسلحة والتقنيات والأنظمة المتقدمة يتم تهريبها بحرياً من أجل مساعدة
المقاومة في الحرب المستقبلية ضد جيش الاحتلال، وتزداد التعقيدات أمامه في ضوء أن عائلات
فلسطينية معروفة في جميع أنحاء غزة تعمل في صيد الأسماك، وفي نفس الوقت تهريب بضائع
أخرى، ورغم نجاح الجيش في الأشهر الأخيرة باعتقال عدد من كبار قادة التهريب، فإن دوافع
حماس لتعويض قدراتها العسكرية والصاروخية عبر البحر في تزايد دائم، وهذا تحدّ لإسرائيل".
وأكد أن "ما يزيد من
إشكاليات الملاحقة الإسرائيلية لقوارب تهريب أسلحة حماس في عرض البحر أنها سرعان ما
تندمج في فضاء المئات من قوارب الصيد المماثلة، وهذا تحدّ كبير ومعقد للغاية أمام الجيش
لتحديد موقع قوارب المهربين، الذين يتمتعون بخبرة كبيرة، ويعرفون كيفية مطاردة الأماكن
الخطرة جدًا، والقريبة حقًا من الشاطئ حتى يتسنى تعريض سفننا للخطر".
وختم بالقول إن "الأخطر
من ذلك أنه في البحر، بعكس الأرض، لا توجد ممرات ولا مسارات، فإذا لم تقم بتحليل المساحة
بشكل صحيح، فيمكن لقارب التهريب الاختفاء من أمام ناظريك، ولذلك فإن جيش الاحتلال بجانب
تجنيده لكافة القطع البحرية لمطاردة عمليات تهريب الأسلحة، يستعين بالطائرات بدون
طيار بدوريات فوق المناطق الحدودية في وسط البحر، واكتشاف المشاهد الشاذة عبر أجهزة
استشعار ورادارات متقدمة".
وتكشف هذه المخاوف الإسرائيلية
عن زيادة المقاومة من خطواتها المتواصلة لتهريب الوسائل القتالية عبر البحر المتوسط،
لاسيما الأسلحة والمواد المتفجرة؛ لأنها تعتبر أن هذه التهريبات جزء أساسي من
بناء قوتها العسكرية، مع العلم أن الأسلحة المهربة، وفي المزاعم الإسرائيلية، تتركز
في المعدات القتالية والمواد المتفجرة، عبر قوارب بحرية صغيرة.
في الوقت ذاته، تتذرع قوات
الاحتلال بهذه المحاولات لزيادة الضغط والتضييق على الصيادين الفلسطينيين في غزة بعدم
زيادة مساحة الصيد الممنوحة لهم عن 15 ميلا بحريا، بزعم وجود مخاطر جمة من الناحية
الأمنية؛ وأن توسيع مساحة الصيد مرتبط باعتبارات أمنية بحتة؛ لأن هناك مخاطر تحيط بمنصات
الغاز الإسرائيلية، ومحاولات حماس تنفيذ عمليات تسلل داخل العمق الإسرائيلي عبر البحر،
ومواصلة عمليات التهريب عبر المئات من قوارب الصيد التي تدخل البحر المتوسط يوميا.