لقد اطلعت على نص
الحوار الذي أجراه موقع "عربي21" مع الشيخ القره داغي بتاريخ الإثنين، 07 نوفمبر 2022.. وقد أثارت تصريحاته في قضايا تمس الواقع الإقليمي وثورات الربيع
العربي والعلاقة مع
إيران ردود أفعال متباينة كان من أهمها تعقيب زهير سالم مدير مركز الشرق العربي والقيادي في جماعة الاخوان المسلمين..
تصريحات الأستاذ سالم التي جاءت هذه المرة في شكل رسالة صوتية نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي وعبر رسائل صوتية..
ولعله من المناسب قبل مناقشة الأستاذ زهير سالم الاستفتاح بالمقولة الفريدة التي ذكرها ابن أبي الدنيا: "البلاءُ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ"، والمراد بها التحذير من سرعة النطق بغير تثبُّتٍ؛ خوفَ بلاءٍ لا يُطيق دفعه.
وإذا تجاوزنا جور الألفاظ التي وظفها الأستاذ زهير في رده على الدكتور القره داغي فإننا سنقف على أفكار لا يستقيم بحال ربطها بما قاله الشيخ القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
يبدو أن الأستاذ زهير اطلع وبشكل مستعجل على الحوار المذكور الأمر الذي دفع به لتسجيل اعتراضات لا ارتباط لها بما قاله الشيخ القره داغي .
رأيي أن تعقيب الأستاذ زهير سالم على حوار الشيخ القره داغي كان جائراً ابتعد عن الحق والحقيقة في فهم ما قاله الشيخ القره داغي، بل كان الأستاذ زهير سالم مجانبا للصواب تماما ويسلك مسلكاً بعيداً عن مراد وكلام فضيلة الشيخ علي القره داغي.
ويتجلى هذا في النقاط الآتية:
ـ حمل زهير سالم كلام أ.د. القره داغي على التقارب مع إيران السياسية مع أن الشيخ القره داغي أدان إيران ومواقفها الظالمة، حيث قال في الحوار ذاته: "بدون حل هذه المشاكل لن نستطيع تحقيق تقدّم حقيقي في هذا الأمر. وحقيقة هذا ما ندعو إليه في جلساتنا واجتماعاتنا الخاصة والعامة".
وشدّد على ضرورة أن "تقوم إيران بحل هذه المشاكل أولا، والوقوف مع غالبية الشعب السوري والشعب اليمني وبقية الشعوب الأخرى؛ وبلا شك ستقع على الدول العربية واجبات ومسؤوليات؛ فإذا تحققت هذه الخطوات المأمولة فحينها ستكون الوحدة الإسلامية واقعا ملموسا وقريبا بإذن الله تعالى".
ثم ومن دون مواربة يعلن صاحب فقه الميزان أن المشكلة الحالية هي في التلاعب السياسي وحدد البلاد المتوترة بقوله "ولكن الإشكالية فيما يحدث الآن في سوريا والعراق واليمن، ولذلك لا بد أن تحل هذه المشاكل قبل أي شيء" إن لازم مفهوم المنطوق من كلام الشيخ الجليل أن التقارب مرهون بالكف عن مناصرة الظالم هو ما عبر عنه علي القره داغي بقوله :
"نحن مع وحدة الأمة الإسلامية القائمة على ثوابتها؛ فهذه فريضة شرعية وضرورة واقعية، ولكن هذه الوحدة تحتاج إلى تهيئة الأجواء المناسبة والبيئة الحاضنة لها".
لقد كان الإمام القره داغي واضحا في تصريحه من دون أي مجاملة وبعيدا عن هواة التضليل الذين تستهويهم الألفاظ الرنانة وتستثيرهم الحروب الخلبية.
بين القره داغي شروط التقارب وفق بينات جلية من: "بيئة مناسبة وجو ملائم"، "مسؤولية إيران في الفوضى في عدد من البلاد الإسلامية في اليمن ولبنان والعراق وسوريا" .
ومادامت الأصابع السياسية الإيرانية الرسمية تلعب وتذبح وتفجر وتغير فليس ثمة بيئة مناسبة لأي تقارب.
إن رفع الظلم فريضة مقدمة على التقارب الذي هو فريضة تتبع فريضة منع التغلغل الإيراني عبر سياسة توسعية جائرة يقول الإمام القره داغي :"نحن جميعا شركاء في هذه الأرض وشركاء في هذا الكوكب، ولكن علينا جميعا أيضا أن نأخذ بقواعد الشراكة التي تقوم على العدل والمساواة، وعلى عدم البغي وعدم العدوان وعدم محاولة اجتثاث الآخر؛ فهذا هو أهم شيء في قضية التعايش، لأنه حينما يكون هناك عدوان لا شك أن ذلك سيُقابل بعدوان آخر؛ فكل فعل يترتب عليه رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، وهذه قاعدة صحيحة".
اختار الإمام القره داغي الوقوف المعاكس لمواقف لا تعبر في العمق إلا عن مسايرة تيارات الإسفاف والاستخفاف، وتعميق الاحتقان والخلط بين المبدأ والسياسة وبين الطائفة والدين وبين الدين ولغة الاحتقان.
إن لغة الفقيه تختلف عن لغة متسايس يتلاعب أو كاتب يتشاغب أو مثقف يتثاءب أو ثوري يتكالب.
ـ وأسوأ ما في تعقيب زهير سالم دخوله إلى نية وضمير الشيخ القره داغي وتفسيره التصريح بأنه تحت ضغط أو هو تحقيق لمصلحة وهذا مسلك غير لائق ولا يصح علميا ..
لقد عرف الشيخ القره داغي بدفاعه عن كرامة الشعوب وهو من هاجر من بلاده فقط دفاعا عن حريته وهو يدرك قيمة العدل وضرورة رفع الظلم والتفريق بين الشعب وبين قيادة حزب وبين خطاب الفقيه وخطاب السياسة وبين الدين الذي يبني القناعات من دون ارتجاجات، ومسؤولية الفقيه كبيرة وتاريخية في إنجاح جسور التواصل وحقن الدم وكسر المعادلة التي تقول الطائفة = السياسة وهذا يوجب أن نحرف الدين ونحرق معانيه لصالح السياسة هل إذا نجح الجهال وغيرنا في ذلك علينا أن نسلك طريقهم؟
ومن هنا كان خطاب القره داغي لجم التطرف السياسي الرسمي دون خلطه بالمذهب حتى وإن كان يتستر بالمذهب فالحسين لا يشرب الدماء .
وأخيرا وثالثة الأثافي في تعقيب زهير هو شطبه للاتحاد العالمي ومطالبته السوريين بعدم موالاته بعد وفاة الشيخ القرضاوي، وهذا خطأ، فلا ينبغي ربط الحق بشخص ولا مؤسسة بعالم ولا نفي الخير وانقطاعه بوفاة شيخ مهما علا قدره.. وللعلم فإن ما طلبه هو إساءة أيضا للإمام القرضاوي الذي كان له كل الثقة بالشيخ القره داغي، كما أن الاتحاد صدقة جارية للشيخ، ولكل من ساهموا فيه.
* مدير المركز التعليمي لحقوق الانسان.