رحم الله الأستاذ إبراهيم منير نائب مرشد الإخوان المسلمين، والقائم بأعماله، الذي وافته المنية يوم الجمعة الماضي، في وقت تمر فيه جماعة الإخوان بظروف عسيرة وصعبة، على جميع المستويات، سواء السياسية أو الدعوية، أو الداخلية التنظيمية.
كانت أول مرة أسمع بإبراهيم منير، من خلال شيخنا المرحوم القرضاوي، حينما بذل جهده لتأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكتب صيغة وثيقته، وبدأ يجمع توقيعات العلماء من جميع أقطار العالم الإسلامي، وطاف على معظم الدول العربية ليعلن عن الاتحاد فيها، فلم تستطع دولة واحدة احتضان الاجتماع التأسيسي، فعمل على تأسيسه قانونيا في دبلن بإيرلندا، والإعلان عنه في لندن عاصمة بريطانيا في يوليو سنة 2004م.
وبالطبع يحتاج الأمر لدعم لوجستي، من حيث من يتواصل لدعوة الضيوف، وإرسال دعوة للحصول على التأشيرة لبريطانيا، وكعادة معظم هذه المشاريع تجد أبناء الحركة الإسلامية في مقدمتها، وكان ذلك بتوجيه ودعم من إبراهيم منير رحمه الله، وكنا عندما نكتشف خللا في الضيوف من دولة معينة، يرسل أسماء يقترحها من أهل العلم والدعوة والصلاح، وقد كان دور الرجل وأبناءه من الإخوان الدعم اللوجستي فقط، من حيث تيسير الأمور، والعمل على خدمة الضيوف، دون توجيه أو تدخل، ودون طلب لحضور أحد من الجماعة، بل إن أحد أكبر رموز الجماعة حين أتى للحضور بوصفه عالما أزهريا، وكنا قد طلبنا ممن يمكنه أن يتكفل بنفقة سفره وإقامته أن يفعل، فقام إخوان لندن بتحمل ضيافة هذا العالم رحمه الله.
وبعد الانقلاب العسكري في مصر، جرى في نهر الإخوان مياه عدة، وتعكرت كثير منها، وكانت هناك جبهات عاضبة من أداء القيادات الإخوانية، وبخاصة من الدكتور محمود حسين ورفاقه، ولأن غالب اللقاءات مع حسين يحتد فيها النقاش، أو تكون الإجابات المطروحة لا تهدئ من غضب الإخوان، كانت هذه القيادات دائما تصدر إبراهيم منير، المعروف بطيبته وبشاشته، ولينه في الحديث، فكان يجبر الغاضب أو الرافض على الهدوء على أقل تقدير، لأنه يرى رجلا في الثمانين من عمره، يسمع للجميع، حتى لو اختلف معه المناقش، لكنه لا يسعه إلا أن يقدر فيه هدوءه، وابتسامته التي لا تفارق وجهه، وكذلك صراحته، فلم يكن يدور ويلف في الحوار.
يمكنك أن تختلف مع إبراهيم منير في بعض الأفكار، أو بعض الخطوات في العمل، لكنك لا يمكن أن تختلف على حسن خلقه، وعفة لسانه، حتى مع من يغلظ له في القول، أو الفعل، حتى عند ضيقه ورفضه كان رفضا يرسم على صفحات وجهه فقط، مما دل على حسن سريرة الرجل، رحمه الله وغفر له، وجعل حسن خلقه، وعطاءه وصبره في ميزان حسناته.
وكثيرا ما كنا نختلف مع بعض القيادات، وحينما يقابلنا إبراهيم منير رحمه الله، نقول له: خلافنا ليس معك، فلا تكن في مواجهتنا، فقد كانت معظم القرارات التي تظلم أفرادا في الإخوان لمعارضتها ممارسات خاطئة على جميع الأصعدة، كان منها للأسف ما يصدر للناس باسم إبراهيم منير، وقد قابلته صباح صدور قرار حل مكتب الإخوان بالخارج، وقال لي: لقد بت أسوأ ليلة في حياتي يا أخ عصام، قلت له: ولماذا تبيت أسوأ ليلة، ألا يمكنك إلغاء ذلك، إن خلاف المختلفين من الإخوان ليس معك، بل مع من حولك، فلماذا يصدروك في كل مصيبة، ويستترون خلفك؟!
وحين طالب الكثيرون القرضاوي بالتدخل لإنهاء الخلاف في الإخوان، وكتب خطابا أرسله للطرفين المختلفين، كان منير في اسطنبول وقتها، وعلمت من الشيخ أنه أرسل رسولا من طرفه ليقابل الطرفين، ويعطي كلا منهما رسالته، قابلت إبراهيم منير، وأخبرته بمكالمة الشيخ لي، وأن رسوله وصل وعلى وشك الاتصال به، وقد كان وقتها في طريقه للمطار للعودة للندن، فقال لي: الشيخ القرضاوي أخي الكبير، وعشرة عمر، وما يطلبه مني سأنفذه، وأمتثل له.
وظن الأستاذ يوسف ندا أن القرضاوي ينوي بسعيه أن يعزل منيرا ومن معه، فقال له: يا مولانا، وجود إبراهيم منير مهم، لا مشكلة في عزل بقية من معه، لكن وجوده مهم جدا، فأخبره القرضاوي أن سعيه لا علاقة له بعزل هذا أو ذاك، بل هو لم شمل الجماعة، وذلك من خلال ستة أشهر فترة انتقالية بعدها تتم انتخابات شاملة لجميع المناصب، ولجميع البلاد التي فيها التنظيم المصري.
بعد اعتقال الدكتور محمود عزت فك الله أسره وأسر الجميع، أصبح منير رسميا هو القائم بعمل المرشد، وقد كان كلما طرح على محمود حسين ومجموعته، لم شمل الجماعة، والتصالح مع الإخوان المختلفين، يخبرونه بأن القائم بالأعمال في القاهرة يرفض، وإذ بمنير يعلنها لهم: كنتم تقولون القائم بالأعمال يرفض، فأنا القائم بالأعمال الآن، وسوف أنفذ ذلك، ووجد التفافا حول الأمر، فقام بالإجراءات التي تمت أخيرا، وتابع المهتمون تفاصيلها.
كان الرجل يشعر في آخر سنين عمره، أنه يريد أن يلقى الله والصف الإخواني موحد قدر استطاعته، حاول رجوع جل من طورد، وجل من حورب، ونجح في خطوات مهمة، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته، ولم يمهله القدر لإكمال ما أراد، وتكفيه هنا نيته، فنية المرء خير من فعله، وعلى من يحملون معه الحمل أن يكملوا ما بدأ، وفيهم الخير والبركة.
وقد استعان في العامين الأخيرين، بمن يحاولون معه العودة بالجماعة إلى المؤسسية، نجحوا في خطوات، وبقيت أخرى، والطريق شاق وطويل بلا شك، لكن لا صعب على نية صالحة، ولا عمل دؤوب.
يمكنك أن تختلف مع إبراهيم منير في بعض الأفكار، أو بعض الخطوات في العمل، لكنك لا يمكن أن تختلف على حسن خلقه، وعفة لسانه، حتى مع من يغلظ له في القول، أو الفعل، حتى عند ضيقه ورفضه كان رفضا يرسم على صفحات وجهه فقط، مما دل على حسن سريرة الرجل، رحمه الله وغفر له، وجعل حسن خلقه، وعطاءه وصبره في ميزان حسناته.
Essamt74@hotmail.com
إبراهيم منير الذي عرفت.. أتعب من بعده
حينما يرى المستبد أنه الحاكم بأمر الله!
بعد مسيرة 15 أكتوبر.. هل تغير ميزان القوى لصالح المعارضة في تونس؟