لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تدور رحى معارك
ضروس بين القوى الكبرى بشكل مباشر أو عبر وكلائها، على أرض غير الأرض العربية
والإسلامية، لتكون ضحاياها ليست من الدول العربية والإسلامية. وفي ظل انشغال هذه
القوى بنفسها، وتوجيه إمكانياتها وقدراتها بعيداً عن المنطقة العربية والإسلامية،
قد تجد الأخيرة متنفساً تتنفس منه في ظل انهماك القوى المعادية لها بنفسها
وبتحدياتها التي ستصوغ حاضرها ومستقبلها، ويجعلها أكثر حاجة للعالم العربي
والإسلامي من حاجة الأخير إليها، كما ظهر في العقود الماضية.
ولذلك، فإن طول أمد هذه الحرب سيجعل القوى الكبرى هذه
أكثر غوصاً في رمالها، بعيداً عن رمالنا، مما يوفر فرصة ذهبية للعالم العربي
والإسلامي وقواه الثورية في تحديد أولوياتها، واقتناص فرص أتتها كالريح، فإن هي
استغلتها واستثمرتها، كانت لها رافعة حقيقية ربما لعقود وأكثر.
تجّلى المكسب الثوري العربي من وراء الحرب الروسية
الأوكرانية في تظهير المأساة السورية، حيث الأطراف المعتدية في أوكرانيا هي نفسها
في
سوريا، وتتلخص في
روسيا، لتلتحق بها إيران عبر دعمها بالمسيرات والخبراء
القائمين على استخدام هذه المسيرات ضد الشعب الأوكراني.
طول أمد هذه الحرب سيجعل القوى الكبرى هذه أكثر غوصاً في رمالها، بعيداً عن رمالنا، مما يوفر فرصة ذهبية للعالم العربي والإسلامي وقواه الثورية في تحديد أولوياتها، واقتناص فرص أتتها كالريح، فإن هي استغلتها واستثمرتها، كانت لها رافعة حقيقية ربما لعقود وأكثر
ومع مقتل عدد من الجنرالات الروس في أوكرانيا بدأ
العالم يُذكر بسجلهم الإجرامي في قصف المدن السورية، كحال جزار حلب، الجنرال سيرجي
تشوركينين، الذي عُين أخيراً قائداً للعمليات العسكرية في أوكرانيا، وغيره من
جنرالات بوتين الذين أجرموا في العدوان على الشعب السوري لثماني سنوات تقريباً.
وتوافرت فرصة للثورة السورية في هذه الحرب، بحيث بدأ
الإعلام الغربي بعقد المقارنات بين التكتيكات العسكرية التي استخدمها
الاحتلال
الروسي في سوريا، وبين تكتيكاته في أوكرانيا، لتذهب صحيفة نيويورك تايمز أبعد من
ذلك؛ حين تحذر من نهاية ومصير لكييف وغيرها من المدن الأوكرانية كمصير مدينة حلب،
وحملات الإبادة التي تعرضت لها، كما كانت فرصة للتذكير بجرائم مليشيات فاغنر
الروسية، التي بدأت تتولى مهام واضحة وعلنية في أوكرانيا، وهي التي كانت تقوم بها
في حق الشعب السوري على استحياء، ويتحاشى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحديث
عنها طوال سنوات من الحرب في سوريا ثم في ليبيا وتدخله هناك.
دخول إيران على خط العدوان الروسي على أوكرانيا ربما
سيكون فرجة كبيرة للشعب السوري، فذاك سيوتر العلاقة بين روسيا والكيان الصهيوني،
خصوصاً أن دعم الأخير أوكرانيا بالقبة الحديدية التي طلبتها لحمايتها من الصواريخ
الروسية والمسيرات الإيرانية؛ سيوتر العلاقة بين روسيا والكيان الصهيوني، وسيجعل
موسكو أقرب إلى طهران، مما ينعكس ربما إيجاباً على الثورة السورية، في خلط الأوراق
بين القوى الدولية المعتدية على الشعب السوري، التي وإن اختلفت الأيديولوجيات
والأولويات والأسبقيات فيما بينها خارج سوريا، لكنها كانت متفقة على الشعب السوري
وقتله، كل باختصاصه ومجاله.
على صعيد تركيا ظهرت الوساطة التركية في
تأمين نقل
الحبوب من أوكرانيا إلى العالم بدعم روسي، فرصة ذهبية لتعزيز الحضور التركي وسط
القوى الدولية، ومن بينها روسيا. لكن في المقابل كانت ثمة معركة صامتة تدور في
البحر الأسود، الذي تعتبره تركيا تاريخياً شبه بحيرة تركية، هذه المعركة ظهرت
بقيام طائرات الدرون التركية "البيرقدار" بإدارة أوكرانية بالطبع، بقصف
الأسطول الروسي في البحر الأسود، وكانت موجة الهجوم تتضمن 18 طائرة درون، مما شلّ
مقر الأسطول الروسي وعدداً من سفنه وزوارقه الحديثة في شبه جزيرة القرم، وهو الأمر
الذي جعل حركة سفنه وطائراته مهددة بالتدمير في أي لحظة.
توافرت فرصة للثورة السورية في هذه الحرب، بحيث بدأ الإعلام الغربي بعقد المقارنات بين التكتيكات العسكرية التي استخدمها الاحتلال الروسي في سوريا، وبين تكتيكاته في أوكرانيا، لتذهب صحيفة نيويورك تايمز أبعد من ذلك؛ حين تحذر من نهاية ومصير لكييف وغيرها من المدن الأوكرانية كمصير مدينة حلب
وقد بدأ هذا التهديد في الحقيقة والواقع بعد تدمير
الطائرات الأوكرانية السفينة موسكافا، في هجوم لقي فيه عشرات الضباط وعناصر
البحرية الروسية مصرعهم. وتعد السفينة موسكافا فخر الصناعة البحرية الروسية، مما
أثار غضباً وحنقاً روسيا كبيرين، بالإضافة إلى التداعيات العالمية لذلك على سمعة
روسيا البحرية، التي بدأت بالتضعضع والتراجع أمام طائرات أوكرانيا، فكيف إن وقعت
المواجهة مع أمريكا والقوى الغربية بشكل مباشر؟
وقد زاد تراجع هيبة العسكرية الروسية بعد أن اضطرت
روسيا لسحب قواتها البرمائية من جزيرة الثعبان الاستراتيجية تحت ضربات البيرقدار،
حيث رأى بعض المحللين العسكريين أن أسطول البحر الأسود بات عاجزاً عن القيام بمهام
هجوم واسعة.
كل هذا يعزز الحضور التركي فيما تصفه أنقرة اليوم
وباتت تنعته بالوطن الأزرق، حيث إن الاستراتيجية التركية اليوم هي تعزيز الحضور في
البحر، وإضعاف القدرات الروسية في البحر الأسود اليوم سيشل نشر قواتها في سوريا
مستقبلاً، وهي المستهدفة في الواقع تركيا من سوريا وحتى السودان وليبيا.
التحالف الروسي-الإيراني ومعه الصيني الذي تعزز
أخيراً في الحرب الأوكرانية، تلقى صفعات بالتورط والانغماس الروسي في أوكرانيا،
والخسائر التي مني بها، بالإضافة إلى الغوص في الرمال الأوكرانية بحيث لا يعلم أحد
متى ستنتهي، بالإضافة إلى ما يتعرض له الحليف الآخر وهو إيران من انتفاضة شعبية،
هو ما سيلقي بتداعياته السلبية على الحضور الروسي والإيراني في نقاط عربية
وإسلامية عدة، مما يوفر فرصة ثمينة للقوى الثورية العربية وداعميها في تركيا
وغيرهم للاستثمار، وتحسين فرص هذه القوى في مواجهة القوى المعادية المتراجعة
والمشغولة بحروبها وبواقعها الداخلي.