منذ بداية الاستعمار
اليهودي الصهيوني لبلدهم في ثمانينيات القرن التاسع عشر، واجه
الفلسطينيون مطالب تحمّلهم
عبئا مزدوجا: النضال ضد المستعمرين العنصريين اليهود والاضطرار في نفس الوقت للدفاع
عن مستعمريهم ضد العنصرية المسيحية الأوروبية الكارهة لليهود. لم يُجبر أي شعب مستعمر
آخر قط على تحمل مثل هذا العبء المزدوج، ولم يُطلب حتى من الشعوب الأفريقية الأصلية
في ليبيريا الدفاع عن مستعمريهم العنصريين الأمريكيين السود الذين احتقروهم، ضد العنصرية
الأوروبية والأمريكية التي واجهها المستعمرون السود أنفسهم. ولم يُطلب من السود في
جنوب أفريقيا أبدا الدفاع عن مضطهديهم الأفريكانيين ضد البريطانيين الذين اضطهدوا الأفريكانيين
إلى حد وضعهم في معسكرات الاعتقال، ولم يطالب أحد أبدا الأمريكيين الأصليين بالدفاع
عن مستعمريهم البيض ضد الاضطهاد الديني الذي عانوا منه في أوروبا، والذي يزعمون
أنه دفعهم لاستعمار أمريكا الشمالية.
فعندما هاجمت هذه
الشعوب المستعمرة المختلفة قمع مستعمريها وجرائمهم العرقية والاستغلالية، لم يبد أحد
قلقا من أن مثل هذه الانتقادات ستستخدم من قبل مضطهدي المستعمِرين ضدهم، أو أن المستعمَرين
ليس لديهم الحق في إدانة مضطهديهم. ولكن وعلى النقيض من ذلك، فإن المطلب العام الذي
طرحه العديد من المسيحيين واليهود الأوروبيين، ناهيك عن اليهود الأوروبيين الذين
استعمروا فلسطين، على الفلسطينيين هو أنه كان عليهم التنازل عن وطنهم طواعية لليهود
الأوروبيين والتعبير عن تعاطفهم مع محنة اليهود الأوروبيين ضد
معاداة السامية الأوروبية.
بخلاف ذلك، سيصر المسيحيون الأوروبيون واليهود المستعمرون الأوروبيون على أن النضال
الفلسطيني ضد الاستعمار اليهودي هو "معاد للسامية"، بمعنى أن الفلسطينيين
لا يعارضون مبدأ استعمار وطنهم، بل يعارضون فقط حق اليهود، دون الشعوب الأخرى، في استعمارهم.
فلو استعمر المسيحيون أو المسلمون أو الهندوس فلسطين، لكان الفلسطينيون بحسب هذا المنطق،
قد تنازلوا عن وطنهم طواعية، لكن رفضهم فعل ذلك في حالة اليهود نابع من كونهم معادون
للسامية.
سيصر المسيحيون الأوروبيون واليهود المستعمرون الأوروبيون على أن النضال الفلسطيني ضد الاستعمار اليهودي هو "معاد للسامية"، بمعنى أن الفلسطينيين لا يعارضون مبدأ استعمار وطنهم، بل يعارضون فقط حق اليهود، دون الشعوب الأخرى، في استعمارهم
في الأعوام الخمسين
الماضية، أصر الليبراليون الغربيون المسيحيون واليهود ممن يتعاطفون مع الفلسطينيين
كضحايا للقمع
الإسرائيلي، ولكن ليس كمقاومين مناهضين للاستعمار، على أن جميع الانتقادات
الفلسطينية لإسرائيل يجب أن تتم معايرتها بعناية خشية أن ينظر إليها الأوروبيون على
أنها معادية للسامية. ولكن خلال الفترة ذاتها، شن الإسرائيليون وأنصارهم الغربيون حملة
كبيرة زعموا فيها أن كل انتقاد للصهيونية وإسرائيل إنما هو "معاد للسامية"،
وهي حملة بلغت ذروتها في تبني الدول الأوروبية والولايات المتحدة مؤخرا لتعريف معاداة
السامية الذي صاغه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، ومقره في أوروبا.
وقد تركزت هذه الاتهامات
على عدة حجج مشبوهة يريد العديد من المؤيدين الغربيين للفلسطينيين -كضحايا، ولكن ليس
كمقاومين- منع الفلسطينيين من طرحها:
يجادل الصهاينة والليبراليون
الغربيون بأنه إذا هاجم الفلسطينيون حق اليهود في استعمار أراضيهم، فسيكون ذلك
بمثابة معاداة للسامية، لأنه عندما ينكر الفلسطينيون حق اليهود الأوروبيين في أن يكونوا
مستعمرين، فإنهم ينكرون حق اليهود المزعوم في تقرير المصير، أو ما هو أسوأ من ذلك،
بأنهم ينكرون الأصول العنصرية المزعومة التي استحضرها البروتستانت الأوروبيون منذ القرن
السادس عشر، أي الطرح البروتستانتي الفانتازي بأن اليهود الأوروبيين هم الأحفاد
البيولوجيون للعبرانيين الفلسطينيين القدماء، وليسوا أوروبيين اعتنقوا اليهودية لاحقا،
وهذه فكرة فولكلورية اعتنقها بعض يهود أوروبا أيضا! وبحسب هذا المنطق، يجادل الصهاينة
بأن الفلسطينيين هم في الواقع مستعمِرو فلسطين، بينما المستعمِرون اليهود الأوروبيون
هم السكان الأصليون الحقيقيون لفلسطين، الذين عادوا إلى وطن أجدادهم القدامى المزعومين.
في أوائل القرن
التاسع عشر، اعتبر العديد من الأوروبيين العاشقين للإغريق القدماء أنفسهم من نسل
الإغريق، واعتبروا يونانيي القرن الثامن عشر بأنهم "صقالبة مسيحيون" كانوا
قد هاجروا جنوبا إلى اليونان القديمة، وبأنهم أقرب إلى الأتراك منهم إلى الإغريق
القدماء. ولكن نظرا لعدم نشوء مشروع استعماري استيطاني في نهاية المطاف لليونان،
فقد تم غض النظر عن الأمر لصالح "استقلال" اليونان عن العثمانيين، والاستحواذ
على اليونان الحديثة كجزء من أوروبا بدلا من كونها من بلاد شرق البحر الأبيض
المتوسط.
لم يبدع الصهاينة أبدا في أي من طروحاتهم، حيث إن معظم حججهم مسروقة من المستعمرين الأوروبيين المسيحيين. فقد كان الفرنسيون والإيطاليون هم مَن جادلوا بأن استعمارهم لشمال أفريقيا لم يكن إلا بمثابة العودة إلى أرض الإمبراطورية الرومانية القديمة وأن السكان العرب هم المستعمرون الفعليون
لم يبدع الصهاينة
أبدا في أي من طروحاتهم، حيث إن معظم حججهم مسروقة من المستعمرين الأوروبيين
المسيحيين. فقد كان الفرنسيون والإيطاليون هم مَن جادلوا بأن استعمارهم لشمال أفريقيا
لم يكن إلا بمثابة العودة إلى أرض الإمبراطورية الرومانية القديمة وأن السكان العرب
هم المستعمرون الفعليون! بل إن النجوم العنصريين الغربيين البارزين من أمثال
الكاتب الفرنسي ألبير كامو، كانوا قد أصروا على أن العرب الجزائريين هم المستعمرون
الأجانب بينما المستوطنون "الفرنسيون الجزائريون هم أيضا سكان أصليون،
بالمعنى القوي للكلمة". فهل ينبغي على الفلسطينيين إذن أن يتنازلوا ويقبلوا بالافتراء
الصهيوني بأن يهود أوروبا هم السكان الأصليون لفلسطين بينما الفلسطينيون هم
المستعمِرون لئلا يُتهموا بمعاداة السامية؟
عندما يزعم
الفلسطينيون أن وسائل الإعلام الغربية والأمريكية كانت دائما مؤيدة لإسرائيل
وعنصرية ضد الفلسطينيين، فإن مؤيديهم الغربيين يبدون قلقهم خشية من أن يُنظر إلى
ذلك الطرح على أنه معاد للسامية، لأن من مزاعم معادي السامية في أوروبا والولايات
المتحدة اتهام يهود أوروبا بالسيطرة على وسائل الإعلام الغربية. إلا أن الادعاء
الفلسطيني لا يختلف عن الادعاء الجزائري بأن الإعلام الغربي كان يدعم دائما
الاستعمار الفرنسي في الجزائر، أو ادعاء الهنود الحمر بأن وسائل الإعلام الغربية تدعم
حقوق المستعمرين البيض في الولايات المتحدة.
إن وسائل الإعلام
الغربية، وهي وسائل إعلام المستعمرين والمستعمرين-الاستيطانيين، تدعم الاستعمار، وتحيزها
للاستيطان الأوروبي ذو طابع بنيوي، وإن كان أحيانا تحيزا تآمريا أيضا، ضد الشعوب
الأصلية. ولا يعني ذلك أن اليهود يسيطرون على الإعلام الغربي كما يزعم معادو السامية،
بل ما يعنيه هو أن المستعمرين الأوروبيين المسيحيين واليهود وجميع المؤيدين
للاستعمار بينهم هم المسيطرون. هل ينبغي على الفلسطينيين إذن الامتناع عن مهاجمة
التحيز المستشري المؤيد لإسرائيل والمناهض للفلسطينيين في وسائل الإعلام الغربية
خشية أن "يخطئ" الليبراليون فهمهم ويعتبرونهم معادين للسامية؟
وسائل الإعلام الغربية، وهي وسائل إعلام المستعمرين والمستعمرين-الاستيطانيين، تدعم الاستعمار، وتحيزها للاستيطان الأوروبي ذو طابع بنيوي، وإن كان أحيانا تحيزا تآمريا أيضا، ضد الشعوب الأصلية. ولا يعني ذلك أن اليهود يسيطرون على الإعلام الغربي كما يزعم معادو السامية، بل ما يعنيه هو أن المستعمرين الأوروبيين المسيحيين واليهود وجميع المؤيدين للاستعمار بينهم هم المسيطرون
ويطرح
الفلسطينيون عادة أهمية القوة المالية والسياسية الهائلة التي حشدتها الحركة
الصهيونية منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر لتنفيذ خطتها لاستعمار فلسطين، بدءا من تمويل
عائلة روثتشايلد المصرفية التي مولت أولى المستعمرات اليهودية الأوروبية في
فلسطين. في هذا السياق أيضا، وعندما يتحدث الفلسطينيون عن يهود أوروبيين أو أمريكيين
أثرياء، من رجال الأعمال والمصرفيين الذين يدعمون الصهيونية وإسرائيل، ويرسمون خططا
لطرد وتهجير الفلسطينيين ويتعهدون بتمويل عملية تهجيرهم، كما اقترح الصهيوني
الأمريكي الثري إدوارد أ. نورمان في عام 1934، أو لسرقة أراضيهم، يجفل الليبراليون
الغربيون المسيحيون واليهود من أن هذه الحجج تكرر المزاعم المسيحية الأوروبية
المعادية للسامية التي تدعي بأن جميع اليهود أغنياء وأنهم يديرون النظام المالي
للغرب بأكمله.
لكن حقيقة أن
اليهود الأثرياء المؤيدين للصهيونية يدعمون إسرائيل ويمولون المستعمرين لا يختلف
عن استثمار الشركات والدول الأوروبية المسيحية في تمويل استعمار الجزائر، أو جنوب أفريقيا،
أو كينيا، أو نيوزيلندا، أو حتى إسرائيل. إن فضح يهود أوروبا والولايات المتحدة
الأثرياء الذين يمولون الصهيونية إنما يتعلق بدورهم الاستعماري الهائل وتأثيرهم في
تدمير المجتمع الفلسطيني واضطهاد الفلسطينيين. ولا يعني ذلك، كما يريدنا معادو
السامية أن نعتقد، أن جميع اليهود هم مصرفيون يديرون حياة المسيحيين الأوروبيين،
أو أن جميع اليهود أغنياء، وهم بالطبع ليسوا كذلك، حتى لو -بحسب معظم التقارير- قامت
غالبية اليهود الأوروبيين والأمريكيين منذ الحرب العالمية الثانية وتقوم بدعم
الاستعمار اليهودي الاستيطاني في فلسطين، تماما كما دعمت غالبية المسيحيين الفرنسيين
والبريطانيين الاستعمار في أفريقيا وأستراليا. هل يجب على الفلسطينيين إذن أن
يظلوا صامتين بشأن تأثير أولئك اليهود الصهاينة الأثرياء من أوروبا والولايات
المتحدة الذين يساهمون في قمعهم، خشية أن يساء فهمهم على أنهم معادون للسامية؟
بما أن الفلسطينيين
ليسوا أوروبيين، فقد واجهوا اليهود الأوروبيين منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر
بشكل أساسي كمستعمرين مسلحين، عازمين على سرقة أراضيهم وطردهم من بلادهم. وفي حين
أنه من الصحيح أن بعض القادة السياسيين الفلسطينيين قد سعوا إلى استخدام الخطاب
الأوروبي المعادي للسامية ضد مستعمريهم اليهود الأوروبيين للدفاع ضد الاستعمار
الصهيوني، فإن غالبية القادة الفلسطينيين غالبا ما فعلوا العكس تماما وتنازلوا وقبلوا
بالعديد من الادعاءات الاستعمارية والعنصرية الصهيونية، كما فعل الكاتب والمفكر
يوسف الخالدي منذ أكثر من قرن، شأنه في ذلك شأن ياسر عرفات، وشأن محمود عباس اليوم.
فقد احتج
الخالدي، الذي كان يعيش في فيينا في مطلع القرن العشرين، على اختيار فلسطين كموقع
لدولة مستقبلية لليهود الأوروبيين، على أساس أنها موطن العرب الفلسطينيين الأصليين،
ورد على طروحات ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، الذي بعث إليه برسالة في عام
1899 قائلا: "بأي حق يطالب اليهود بـ[فلسطين] لأنفسهم".
والغريب هنا هو
اقتناع الخالدي بالادعاءات العنصرية والمعادية للسامية الصهيونية بأن اليهود
الأوروبيين كانوا أحفادا بيولوجيين مباشرين للعبرانيين القدماء، حيث أكد الخالدي،
على الأرجح بسبب التعليم الاستعماري الأوروبي الذي تلقاه، بأن "الصهيونية، من
الناحية النظرية، طبيعية تماما وفكرة عادلة لحل المسألة اليهودية". وبالفعل، "من
يستطيع تحدي حقوق اليهود في فلسطين؟ يا إلهي، إنها بلدكم تاريخيا حقا". ولكن،
لمصلحة إحلال السلام، اقترح الخالدي أن تبحث الحركة الصهيونية عن "دول غير
مأهولة أخرى ليعيش فيها الملايين من اليهود الفقراء الذين ربما سيكونون سعداء
ويجدون حياة آمنة هناك كشعب. وربما يكون هذا هو الحل الأفضل والأكثر عقلانية
للمسألة اليهودية. لكن باسم الله، اتركوا فلسطين بسلام". ولا يزال العديد من
الفلسطينيين بعد الخالدي يسقطون في فخاخ هذه الحجج الصهيونية الزائفة حتى اليوم.
تكمن المفارقة في
حقيقة أن النقاد الليبراليين الغربيين للفلسطينيين وأولئك الذين يدعمون
الفلسطينيين كضحايا لا يسائلون الصهاينة والمؤيدين للصهيونية عن تقيؤاتهم العنصرية
التي لا نهاية لها ضد الفلسطينيين وغيرهم من العرب، واستخدامهم للخطابات التقليدية
العنصرية الأمريكية والأوروبية ضد العرب التي أدت إلى مقتل ملايين العرب من
الجزائر إلى ليبيا على يد الأوروبيين خلال النضالات ضد الاستعمار، وفي العراق على
يد الأمريكيين منذ عام1991.
يفتخر جيفري
غولبرغ، أحد الصحفيين اليهود الأمريكيين، على سبيل المثال، في أعماله المنشورة بكونه
كان مستعمرا في إسرائيل وبانضمامه إلى الجيش الإسرائيلي، حيث خدم في صفوفه كسجّان للفلسطينيين
المعتقلين نتيجة معارضتهم للاستعمار اليهودي (وقد كان هذا الصحفي أيضا أحد
المشجعين للغزو الأمريكي للعراق). ويتم الاحتفاء بالصحفي واحترامه ومنحه وظائف
تحريرية في أكثر المجلات الليبرالية الأمريكية شهرة على الرغم من آرائه العنصرية
تجاه الفلسطينيين والعراقيين، ناهيك عن دوره المباشر في اضطهاد الفلسطينيين.
يتم الاحتفاء بالصحفيين المسيحيين البيض الأمريكيين والأوروبيين الذين يدعمون الغزوات الأمريكية في الخارج ويقدمون تقارير متوهجة عنها دائما، بينما في المقابل يتم طرد الصحفيين اليهود الذين ينتقدون إسرائيل من وسائل الإعلام الغربية الليبرالية كما حدث مع إميلي وايلدر، ومؤخرا مع كاتي هالبر، بتهمة التعبير عن آراء معادية لإسرائيل
وفي المقابل، إذا
تم اكتشاف أن صحفية فلسطينية قد عبرت عن آراء بغيضة داعمة لمعاداة السامية
الأوروبية في شبابها غير الناضج والذي يفتقر إلى العلم، وعبرت عن وجهات النظر
أخطأت بشكل صارخ حين استخدمتها كجزء من تعبيرها عن الغضب ضد مضطهديها ونشرتها، ليس
في عمل صحفي منشور بل على فيسبوك، فيتم طردها من وظيفتها من قبل وسيلة إعلام تدافع
عن حقوق الفلسطينيين، ويتم سحب جوائزها الصحفية، بما يرضي الليبراليين الغربيين،
حتى وإن كانت هذه الصحفية لم تكرر التعبير عن آرائها المرفوضة هذه قط خلال مسيرتها
الصحفية. في تلك الأثناء، يواصل حارس السجن الإسرائيلي السابق خطابه الصحفي
المعادي للعرب والفلسطينيين، واتهاماته المستمرة للفلسطينيين الذين يدافعون عن
شعبهم ضد الاستعمار بصفتهم "معاديين للسامية".
وكان بن شابيرو، صحفي
يهودي أمريكي بارز آخر، قد دعا إلى الطرد الجماعي للفلسطينيين وأيد قتل المدنيين
الفلسطينيين والعراقيين. وقد أعلن هذا الصحفي نفسه ذات مرة أن "الإسرائيليين
يحبون البناء"، بينما "يحب العرب تفجير القمامة والعيش في مياه الصرف
الصحي المفتوحة". لكن تلك التعليقات العنصرية وغيرها لم تمنع صحيفة نيويورك
تايمز من الاحتفاء به باعتباره "مصارعا استفزازيا" و"محاربا متميزا"،
بينما أشارت في الوقت نفسه إلى أنه كان هدفا لمعاداة السامية.
بالطبع، يتم
الاحتفاء بالصحفيين المسيحيين البيض الأمريكيين والأوروبيين الذين يدعمون الغزوات
الأمريكية في الخارج ويقدمون تقارير متوهجة عنها دائما، بينما في المقابل يتم طرد
الصحفيين اليهود الذين ينتقدون إسرائيل من وسائل الإعلام الغربية الليبرالية كما
حدث مع إميلي وايلدر، ومؤخرا مع كاتي هالبر، بتهمة التعبير عن آراء معادية
لإسرائيل. وفي حالة وايلدر، يبدو أن "نشاطها [السابق] في الجامعة كان المشكلة
الحقيقية" التي أدت إلى فصلها من العمل. قارن قضيتها باحتفاء وسائل الإعلام
الغربية بكتاب السجّان الإسرائيلي الذي يروي قصة تعرفه بالفلسطينيين في الزنازين
الإسرائيلية، كأساس لترقيته، وليس لفصله.
ما يريده الليبراليون الأوروبيون والأمريكيون هو أن يظل الفلسطينيون صامتين تجاه الآليات الدولية التي تدعم وتدافع عن المستعمرة الاستيطانية اليهودية، وأن يعارض الفلسطينيون فقط الاضطهاد الذي يتعرضون له من قبل مستعمريهم اليهود، ولكن ليس حق المستعمرين اليهود في استعمارهم
ما يريده
الليبراليون الأوروبيون والأمريكيون هو أن يظل الفلسطينيون صامتين تجاه الآليات
الدولية التي تدعم وتدافع عن المستعمرة الاستيطانية اليهودية، وأن يعارض الفلسطينيون
فقط الاضطهاد الذي يتعرضون له من قبل مستعمريهم اليهود، ولكن ليس حق المستعمرين
اليهود في استعمارهم؛ وأنه على الفلسطينيين أن يدافعوا عن مستعمريهم اليهود ضد
معاديي السامية الأوروبيين؛ وأن يقف الفلسطينيون متضامنين مع مستعمريهم اليهود
كضحايا، بينما يتم سحق الفلسطينيين تحت أحذية المستعمرين وجيشهم.
في هذه الأثناء،
لا يبدو أن هنالك أي قدر، مهما كَبُر، من التعاون النشط مع الإسرائيليين في قمعهم
للفلسطينيين، ناهيك عن العنصرية الإسرائيلية وعنصرية داعمي إسرائيل المنتظمة ضد
الفلسطينيين، يستحق اللوم عندما يعبر عنها الإسرائيليون أو معجبوهم الغربيون.
عندما استجابت
غالبية الطبقة السياسية والفكرية الفلسطينية لدعوات الليبراليين الغربيين للدفاع
عن اليهود ضد معاداة السامية، كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية في تكريم ضحايا المحرقة
اليهود منذ السبعينيات، لم ترض إسرائيل ولا مؤيدوها. فهدفهم ليس تعليم الفلسطينيين
تاريخ اليهود الأوروبيين كضحايا للاضطهاد، بل تعليمهم لماذا كان لليهود الأوروبيين
بصفتهم مضطهِدين كل الحق في استعمار الفلسطينيين وانتزاع بلادهم منهم.