نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن أزمة اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو في نادي مانشستر يونايتد التي تكاد تنهي مسيرته، بينما يأفل نجمه داخل الملعب وخارجه وفي إنجلترا كما في البرتغال.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن رونالدو يظلّ أشهر شخص في العالم بالنظر إلى العدد الهائل من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، وأكثر الرياضيين إثارة للإعجاب، والأغنى والأكثر شهرة؛ لكنه مع ذلك ليس سوى إنسان سيمضي عليه الزمن، كما هو الحال مع سائر البشر. وفي الخامس من شباط/ فبراير من العام القادم، سيبلغ رونالدو الـ 38 من عمره ما يعني - على الأقل في نظر الأندية الكبيرة التي سعت طويلًا للتعاقد معه - نهاية مسيرته الرياضية.
وأشارت الصحيفة إلى أن أزمة رونالدو في فريقه الحالي مانشستر يونايتد على وشك أن تُنهي مسيرته. فقد تم استبعاده من التشكيلة التي واجهت تشيلسي يوم السبت 22 تشرين الأول/أكتوبر في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويبدو أنه يقترب من نقطة تحول كبيرة في مسيرته. وبالتأكيد، لا يزال أمامه خوض كأس العالم في قطر مع المنتخب البرتغالي، ولكن ماذا بعد ذلك؟
وراء هذا السؤال الرياضي القاسي يختفي موضوع آخر عاطفي بعض الشيء. ففي الوقت الذي بدأ فيه تأثيره الرياضي العالمي في التراجع، وفي خضمّ الأزمة التي تطبع علاقته مع النادي لسائل أن يسأل: ما هي علاقة نجم كرة القدم بمنتخب البرتغال؟ هل يخذله بلده أيضًا؟
وذكرت الصحيفة أن رونالدو لم يعد يعيش في بلده منذ أن وقّع عقده الأول مع مانشستر في سن الـ 18. من نادٍ إلى آخر؛ ومن مباراة إلى أخرى؛ ومن نصر إلى آخر؛ فإن اللاعب الذي أصبح في سنة 2022 الهداف التاريخي لكرة القدم وفقًا لتصنيف أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، قد امتدت هيمنته لتشمل أرجاء الكوكب بأسره ليس فقط من خلال مآثره على أرض الملعب، وإنما أيضا من خلال إستراتيجية تسويقية فعالة مكنته من الترويج لصورته بطريقة مثالية.
إلى جانب نجوميته العالمية، فإن نجاحه التجاري يتمتع بعوامل جذب مذهلة، إذ تمتد شهرته من ماديرا - الجزيرة التي ولد فيها سنة 1985 - إلى أرجاء المعمورة. في هذا الشأن، يلاحظ دانيال صا، مدير المعهد البرتغالي لإدارة التسويق قائلًا: "يوظف كريستيانو رونالدو فريقًا من المحترفين لتنشيط حساباته على منصات التواصل الاجتماعي. ومن هذه الناحية كل الرياضيين يفعلون ذلك، لكن لا أحد مثله يملك 750 مليون متابع على الشبكات الاجتماعية".
ماكينة الأموال
حسب الصحيفة، فإن الحديث عن الشهرة يقود بالضرورة للحديث عن الأموال. وفقًا لتصنيف مجلة "فوربس" السنوي لسنة 2022، احتل رونالدو المرتبة الثالثة بين الرياضيين الأعلى أجراً، خلف الأرجنتيني ليونيل ميسي ونجم السلة الأمريكي ليبرون جيمس. وبلغت ثروته 115 مليون دولار، بالإضافة إلى عائدات إضافية تقدّر بـ 55 مليون. ووفقًا للصحفي تييري مارشاند -الذي سيصدر له قريبًا كتاب بعنوان "كريستيانو" - جمع رونالدو أكثر من مليوني يورو عن طريق إنستغرام، خلال فترة الغلق فقط.
هذه هي آلة الأموال التي تدرّ على رونالدو الملايين. تغذي الشبكات الاجتماعية والرعاية بعضها البعض، وكل منها يعزز الآخر دون توقف. ووفقًا لشركة "هوبر كيو إتش" البريطانية المتخصصة في تحليل الجمهور، سمحت رسالة رعاية واحدة لرونالدو بكسب 750 ألف يورو. تضاف إلى هذه المكاسب، استثماراته في أجزاء العالم الأربعة، من العطور إلى النظارات الشمسية، وصولًا للملابس والمطاعم ومستحضرات التجميل… ناهيك عن استثمارات كبيرة في بلده، حيث تصنع شركة "ساكو براذرز" البرتغالية ملابس باسمه، بينما طوّر شراكة مع "إليت تيم" الأمريكية لتوزيع البطانيات في البرتغال.
كل شيء يرمز لرونالدو
وأضافت الصحيفة أنه أطلق أيضًا العنان لشغفه بالعقارات. فبالاشتراك مع مجموعة فنادق "ماديران بيستانا"، افتتح فندقين فاخرين أحدهما في لشبونة والآخر في فونشال، مسقط رأسه. كما يملك شقتين كبيرتين في العاصمة لشبونة، تصدرت إحداهما عناوين الصحف في سنة 2021.
وفقًا لآخر دراسة أجرتها شركة "ماركت آست"، التي تقيّم سنويًا سمعة الشخصيات العامة في البرتغال، كان كريستيانو رونالدو متقدمًا في أيار/ مايو 2022 بما يقارب 50 بالمئة عن غيره. بالنسبة للبرتغاليين، فإن اللاعب يقدم صورة قوية عن بلده في الخارج. كل البرتغاليين على نفس القصة: عندما يذكرون جنسيتهم، لا بد أن تكون هناك إشارة إلى رونالدو.
وفي مسقط رأسه ماديرا، فإن تأثير رونالدو أكثر لفتًا للانتباه. في هذه الجزيرة الواقعة في المحيط الأطلسي، كل شيء يرمز إليه. فبمجرد أن يهبط الزائر في مطار "كريستيانو رونالدو"، يمر أمام تمثال نصفي من البرونز للاعب. وعند وصوله إلى المدينة، يمكنه زيارة متحف مساحته 1400 متر مربع مخصص بالكامل للبطل، قبل أن يصادف تمثالًا يبلغ ارتفاعه 3.40 أمتار، منتصبًا على الواجهة البحرية.
عزيمة وغرور
غالبًا ما يتم الاستشهاد بقوة العمل والجدية التي تميز رونالدو، وهوسه باللياقة البدنية. لكن قصة حياته مليئة أيضًا بالمآثر. وُلد رونالدو في عائلة فقيرة وأب مدمن على الكحول وأم مدبرة منزل. تم إرساله إلى لشبونة بمفرده في سن الثانية عشرة للانضمام إلى مركز تدريب نادي سبورتينغ لشبونة. هناك، تعرض للسخرية بسبب لهجته وطريقة لباسه… لكنه تحدى كل الصعاب بعزيمة كبيرة.
حيال هذا الأمر، يقول عالم الأنثروبولوجيا نونو دومينغوس، الباحث في معهد العلوم الاجتماعية في لشبونة: "صعوده يأتي على خلفية تحديه لخطاب المجتمع، الذي كان من المستحيل على برتغالي غيره أن يتجاوزه".
لكن هذه العزيمة رافقها نوع من التكبّر. يقول أنطونيو أروجو، رئيس مؤسسة "فرانسيسكو مانويل دوس سانتوس"، وهي مؤسسة فكرية مكرسة لدراسة المجتمع البرتغالي: "اصطدم غروره في ثقافة تقدر الاحترام وضبط النفس. فعلى الرغم من شهرته الهائلة، إلا أنه لا يثير نفس تعاطف البرتغاليين مثلما الحال مع أوزيبيو، اللاعب العظيم في ستينيات القرن الماضي". وأضاف أروجو: "الجانب السلبي من رونالدو أنه لم يدرك أن الشخص الثري جدًا يجب أن يكون متواضعًا جدًا، لكسب قلوب الناس".
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن رونالدو، ربما يشعر بتقدير من الجالية البرتغالية في الخارج وخاصة في فرنسا، أكثر منه لدى مواطنيه في البرتغال. هذا ما يتضح من جملة أسرّها في وقت سابق للصحفي تييري مارشاند: "حلمي هو الدخول إلى ملعب "حديقة الأمراء" بباريس، أمام أنظار 50000 برتغالي". وأمام هذه الوضعية التي يعيشها النجم، وحده المستقبل كفيل بإخبارنا ما إذا كانت نكسات رونالدو الحالية، التي تشوّه صورة البطل، ستنهي مسيرته أم سيكون قادرًا على تجاوزها والنهوض من جديد، كما فعل دائمًا.
مدرب مانشستر يونايتد يضع شرطا للسماح بعودة رونالدو للتدريبات
بعد استبعاده من مواجهة تشيلسي.. رونالدو يوجه رسالة لزملائه
لم يعتذر.. رونالدو يرد على استبعاده من قائمة "الشياطين الحمر"