أعلنت الصحفية الأمريكية اليهودية
كاتي هالبر هذا الشهر أن صحيفة "ذا هيل"
أوقفت تعاقدها معها، بعدما نشرت تقريراً وفيديو تدافع فيهما عن عضو الكونغرس الأمريكية
من أصل
فلسطيني رشيدة طليب وتنتقد نظام
الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي تمارسه
إسرائيل
ضد الشعب الفلسطيني. تصرّف "ذا هيل" جاء قبل أيام من سحب مؤسسة ثومسون
رويترز جائزتها من الصحفية الفلسطينية شذى حماد، وبعد أسبوع من وقف صحيفة "نيويورك تايمز"
تعاقدها مع المصوّر حسام سالم من قطاع غزة، ولنفس الأسباب السابقة، أي إصرارهم على
الدفاع عن حق المقاومة للشعب الفلسطيني بمواجهة إسرائيل، وممارساتها وجرائمها في غزة والأراضي المحتلة بشكل عام. وقبل ذلك بشهور وفي بداية العام الجاري كانت محطة "دي
دبليو" الألمانية قد فصلت سبعة صحفيين عرب لانتقادهم الدولة العبرية
واحتلالها، عبر صفحاتهم الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي وليس في تقارير ومواقع
القناة الألمانية الرسمية.
قالت "كاتي هالبر" إن "ذا هيل" أبلغتها بعدم تناول الملفات
المتعلقة بإسرائيل على منصاتها والتلفزيون التابع لها رغم أن هذا غير صحيح كما أكدت
الصحفية الأمريكية، وإنما يتعلق فقط بالمواد المنتقدة للدولة العبرية لا المؤيدة لها.
بتفصيل أكثر، كانت هالبر قد دافعت عن طليب، كونها تقوم بواجباتها كنائبة
تجاه الشعب الأمريكي الذي انتخبها، كما تجاه أهلها في فلسطين، وهي فقط تقول الحقيقة
لناخبيها الأمريكيين وتدافع في السياق عن حق الشعب الفلسطيني في نيل الحرية
والاستقلال وتقرير المصير، كما ينص الدستور الأمريكي وكما تقول الولايات المتحدة
دائماً في خطاباتها، وتزعم أن ذلك يمثل
القاعدة لسياساتها في المنطقة والعالم.
منظمات حقوقية دولية مرموقة وموثوقة مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية (أمنستي) وحتى بتسيلم الإسرائيلية، كما الأمم المتحدة عبر مجلس حقوق الإنسان تقول إن ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هو فصل عنصري موصوف، مع أدلة وبراهين ملموسة وجدية عن استخدام أنظمة تمييزية مختلفة ضد الشعب الفلسطيني
وقف هالبر عن العمل كونها دافعت عن طليب يبدو مثيرا للاستهجان والاستغراب،
كو طليب نائبة تقوم بواجباتها ومهامها، ونفس الأمر يتعلق بقصة الفصل العنصري التي
تبدو مستهجنة أيضاً، خاصة أن منظمات حقوقية دولية مرموقة وموثوقة مثل هيومان رايتس
ووتش والعفو الدولية (أمنستي) وحتى بتسيلم الإسرائيلية، كما الأمم المتحدة عبر
مجلس حقوق الإنسان تقول إن ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هو فصل عنصري
موصوف، مع أدلة وبراهين ملموسة وجدية عن استخدام أنظمة تمييزية مختلفة ضد الشعب
الفلسطيني في أماكن تواجده المختلفة في الداخل والشتات، مقابل أنظمة وقوانين تفضيلية
لليهود كما نرى في قوانين العودة والتملك وحتى الحركة والتنقل بطرق منفصلة في الضفة
وشوارع ومدن الضفة الغربية.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن الصحيفة الأمريكية نفسها تعتمد على تقارير
المنظمات الحقوقية سالفة الذكر ضد الأنظمة الاستبدادية في إيران والصين كما تجاه
روسيا وممارساتها في حربها المجنونة ضد جارتها أوكرانيا، لكن كل هذا يصبح ممنوعاً ومحظوراً
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وممارساتها.
مع ذلك يبدو موقف "نيويورك تايمز" مستهجناً أكثر من نظيرتها "ذا هيل"؛ كون الأولى
تعتبر نفسها ديمقراطية وليبرالية منفتحة ومتفهمة للحقوق الفلسطينية (قال رئيس
الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو ذات مرة إنه يكرهها تماماً مثلما يكره هآرتس
اليسارية المعارضة). وكانت قد اتخذت موقفا إيجابيا منتقدا لإسرائيل بسبب جريمة
اغتيال
الإعلامية شيرين أبو عاقلة، بل وقامت هي نفسها بإجراء
تحقيق أثبت أن شيرين
قتلت برصاص إسرائيلي، وأنها تواجدت في مكان بعيد عن الاشتباك بين الاحتلال والمقاومين
الفلسطينيين، وارتدت بوضوح شارة الصحافة. وهنا يمكن الاستنتاج بسهولة أن استهدافها
كان متعمداً لتخويف وردع الصحفيين ومنعهم من نقل حقيقة ما جرى في فلسطين.
وهذا للأسف عين ما فعلته "نيويورك تايمز" بحق المصور حسام سالم في غزة، الذي
يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي منتقداً اسرائيل وممارساتها بما في
ذلك ضد الصحفيين والفلسطينيين ككل، كما ضد حصار غزة الذي يعتبر بحد ذاته جريمة ضد
الإنسانية لا يمكن تجاوزها أو السكوت عنها كما تقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية
دولية مرموقة ومصداقة.
بدا مستهجناً أيضاً اعتماد "نيويورك تايمز" لفصل حسام على تقرير لصحفي هولندي
نال الجنسية الإسرائيلية مؤخراً (منذ عامين فقط)، يعمل ضمن مركز إعلامي يميني متطرّف
يراقب بشكل أقرب إلى المخابراتي عمل ونشاط الصحفيين الفلسطينيين، علماً بأن حسام
أيضاً يقوم بواجبه كمواطن وصحفي ضد إسرائيل وممارستها غير الشرعية كما تقول الأمم
المتحدة، ودفاعاً عن حق الشعب الفلسطيني الأصيل بالمقاومة، وهو نفس ما تدعمه حالياً
الصحيفة الأمريكية في أوكرانيا، وكما حصل غربياً ودولياً مع ما فعلته المقاومة
الفرنسية ضد الاحتلال النازي منتصف القرن الماضي.
"نيويورك تايمز" وللأسف أوقفت عملها أيضاً مع صحفيين كثر، كما أدى قرارها إلى
وقف عمل حسام نفسه مع وسائل ومنابر إعلامية دولية أخرى.
قبل ذلك بشهور أي أوائل العام الجاري كانت قناة دي دبليو الألمانية قد فصلت
سبعة صحفيين عرب لانتقادهم إسرائيل وممارساتها، بينما قالت مديرتها مانويل كاسبر
كلاريدج إنها لا تسمح بذلك ولو على وسائل التواصل الاجتماعي بعيدا عن القناة وتقاريرها
ومنصاتها المختلفة، كونها لا تعترف بالاستعمار الإسرائيلي ولا حتى بنظام الفصل
العنصري الموصوف الذي تمارسه الدولة العبرية ضد الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة.
الرواية الفلسطينية تنتشر وتنال مصداقية يوماً بعد يوم ويحتاج الأمر إلى مثابرة وتصميم وعناد وعمل جماعي مؤسساتي منظم يخاطب الرأي العام الدولي بلغة يفهمها
ورغم صدور
قرار قضائي لصالح صحفيتين من المفصولين السبعة، إلا أن لا شيء تغير في تعاطي القناة الألمانية أو تغطيتها
المنحازة لصالح الدولة العبرية.
ومع ذلك يتمثل الجزء الملآن في كوب المعطيات السابقة في حقيقة أن جدار الانحياز لصالح إسرائيل وروايتها
يتشقق، بدليل الضجة أو السجال والجدال حول قرار الصحف الأمريكية، وسحب الجائزة من
شذى حماد وعدم سكوت الصحفيين المظلومين ورفعهم الصوت عالياً ضد قرار فصلهم.
وفي المقابل، لا شك أن الرواية الفلسطينية تنتشر وتنال مصداقية يوماً بعد يوم ويحتاج
الأمر إلى مثابرة وتصميم وعناد وعمل جماعي مؤسساتي منظم يخاطب الرأي العام الدولي بلغة
يفهمها، مع امتلاك كامل الحق والعدالة كون ممارسات وجرائم إسرائيل -وفق تقارير
المنظمات الحقوقية الدولية- تتحدث عن نفسها، مع اعتقال آلاف من بداية العام الجاري
فقط وقتل وإصابة مئات في عملية تقول إسرائيل إنها دفاعية لحماية الاحتلال
والمستوطنين المتطرفين وممارساتهم العدوانية؛ الذين نفذوا مائة اعتداء ضد المدنيين
الفلسطينيين وممتلكاتهم في الأيام العشرة الأخيرة، بينما ترفض في المقابل
وتسعى لإدانة وشيطنة أي عمل فلسطيني مقاوم ومشروع بحسب الشرائع والمواثيق الدولية التي
تعتبر كما تقول الأمم المتحدة الاحتلال وممارساته كلها غير شرعية ومناقضة لتلك
المواثيق والشرائع.