رغم إعلان ما يسمى بتحالف قوى الدولة في
العراق استعداده لفتح حوار وصفه
بالجدي مع التيار
الصدري، بعد أن عقدت الهيئة القيادية للتحالف اجتماعاً في مكتب
رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، انتهى إلى ضرورة الحوار مع الصدر، فإن قرار الصدر
في قبول ذلك الحوار ما زال محل شك، لسوابق دعوات وسوابق رفض. لكن هل تغيرت الظروف
بعد أن حلت عرى التحالف الثلاثي الذي كان يتكئ عليه الصدر؟ سؤال كبير لا يمكن
إغفال الدور
الإيراني للإجابة عليه.
شروط الصدر للانخراط في دعوة حوار حل الأزمة
منذ أيام وقبل أن يطرح تحالف قوى الدولة الدعوة للحوار مع الصدر، استبقت
ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت بدعوة أطراف الأزمة في
العراق في ظل ما وصفته بالانسداد السياسي الذي يعصف بالبلاد منذ أشهر، هذه الدعوة
التي ردّ عليها مقتدى الصدر بالموافقة، مع وضع شروط للحضور أهمها أن يكون الحوار
علنياً، وعدم مشاركة الوجوه القديمة وأحزابها، ما يعني أن الصدر وضع كل رجالات
إيران في العراق في الزاوية، وأن أي دعوات ومنها تلك التي دعا إليها تحالف قوى
الدولة، سيكون محل نظر، بل محل رفض، على هذا النحو، فمن يقود التحالف الجديد هو
المالكي، وهو واحد من
أهم رموز النفوذ الإيراني في فترة ما بعد الاحتلال، ما يعني
أن الصدر بهذه الشروط يوجهه سهامه لإيران مباشرة.
الصدر وضع كل رجالات إيران في العراق في الزاوية، وأن أي دعوات ومنها تلك التي دعا إليها تحالف قوى الدولة، سيكون محل نظر، بل محل رفض، على هذا النحو، فمن يقود التحالف الجديد هو المالكي، وهو واحد من أهم رموز النفوذ الإيراني
كما أن شرط العلنية التي يريدها الصدر في إدارة الحوار مع القوى السياسية،
يهدف إلى كشف أوراق فساد تلك الأحزاب وتعريتها أمام الرأي العام العراقي الغاضب
بالأساس، وصولاً إلى محاولة كسب التشرينيين والشارع الناقم على
إيران ونفوذها
المتنامي في العراق منذ 2003 ووكلائها الذين أفقروا البلاد والعباد، وهو رهان محل
نظر بعد اللافتات التي رفعت في الذكرى الثالثة لثورة تشرين منذ أيام، والتي رفضت
الجميع ومنهم الصدر.
وفي ظل الخلافات التي تطغى على لغة الحوار في العراق، فإن إنجاح أي حوار
يستوجب بالأساس العمل على إيجاد آليات له، وهو عامل مفقود بين شركاء العملية
السياسية.
فإحراج الصدر لإيران يأتي من استغنائها الجزئي عنه وتهميشه مقابل قوى
أخرى اعتمدت عليها في الانتخابات الأخيرة، وصدرتها للمشهد السياسي، وكان الغرض
بالأساس من إنشائها عسكريا، ما يعني أن خلاف الصدر صاحب مليشيا سرايا السلام؛ مع
الحشد وليس مع الساسة في العراق، فلطالما صرح الصدر بأن كل الحكومات السابقة بما
فيها حكومة نوري المالكي، ألد أعداءه، لم تكن لتمرر إلا بموافقته، ما يعني أن جسور
التوافق كانت ممدودة مع طهران في حينها، أما وقد نحت طهران منحى آخر فإن الرجل قرر
الدخول في معركة عض الأصابع، ولعله ناجح فيها حتى الآن حتى مع الإغراءات المقدمة
له من قبل تحالف قوى الدولة.
سليماني وقاآني وأزمة "البيت الشيعي" في العراق
غالباً ما تطرح المقارنة بين أداء إسماعيل قاآني وقاسم سليماني عند الحديث
عن الخلافات التي تعصف بالمكون الشيعي في العراق، وتحميل الأول مسئولية الأزمة
وفشله في إدارتها، ووصف قاآني بأنه ليس صاحب رؤية وتصور واضح عن الحالة العراقية،
بما تحتويه من تفاعلات وتيارات وتقلبات.. مع التسليم بقدرات قاسم سليماني وما كانت
تحمله له أغلب مكونات ما يسمى بالبيت الشيعي في العراق من تقدير؛ لعدة أسباب منها
الفترة الطويلة في إدارة المشهد في العراق، وزمالته لأغلب قيادات البيت الشيعي
الآن في حربهم ضد بلادهم في فترة الحرب العراقية- الإيرانية..
إنجاح أي حوار يستوجب بالأساس العمل على إيجاد آليات له، وهو عامل مفقود بين شركاء العملية السياسية. فإحراج الصدر لإيران يأتي من استغنائها الجزئي عنه وتهميشه مقابل قوى أخرى اعتمدت عليها في الانتخابات الأخيرة، وصدرتها للمشهد السياسي
نعم عزيزي القارئ لا تستغرب، فقد كان لكثير من قادة أحزاب المكون الشيعي
يحاربون ضد بلادهم مع إيران في الحرب التي استمرت ثماني سنوات في ثمانينات القرن
الماضي، فقد كان قاسم سليماني زميل نوري المالكي وهادي العامري وأبو مهدي المهندس
وقاسم الأعرجي وغيرهم من قادة الأحزاب والمليشيات التي تقود المشهد في العراق الآن
وتسيطر عليه بالوكالة، كما أن سليماني "مدير عام المشهد السياسي والعسكري في
العراق" كان لديه نائب مدير أو مدير تنفيذي هو أبو مهدي المهندس، صاحب الدور
الكبير والسمعة القوية في صفوف مليشيا الحشد، الذراع العسكري القوي لإيران في
العراق. ولعل الظرف الذي جعل من سليماني أيقونة، هي فترة الجهاد الكفائي ومحاربة
تنظيم الدولة في العراق..
لكن في المقابل يظل قاآني في مقارنة تختلف فيها الظروف التي وضع فيها
سليماني والتاريخ الذي دفع سليماني لصدارة المشهد عند أغلب شيعة العراق الموالين
بالكلية لطهران. فقاآني لا يجد من يساعده كما هو الحال مع أبو مهدي المهندس، ولا
الظروف مواتية في ظل أجندات الأحزاب والمليشيات المكونة لما يسمى بالبيت الشيعي،
ودخول العديد من المؤسسات الإيرانية العاملة في العراق على الخط ومزاحمتها للحرس
الثوري. كلها متغيرات انعكست بطريقة أو أخرى على دور قاآني أولاً، والحرس الثوري
ثانياً، في كيفية إدارة
الصراع الشيعي- الشيعي في العراق.
ولعل مشهد الرحلات المكوكية لقاآني لحل الأزمة منذ بدايتها وفشله فيها أظهر
الرجل على أنه أضعف من أن يقود المشهد كما سليماني، وإذا ما وضعنا في الاعتبار
تحول السياسة الإيرانية واختيار مراقبة المشهد العراقي من بعيد بعد تصاعد الغضب
الشعبي من التدخل المباشر لها في إيران، والاعتماد على وجود كوادر في المفاصل
الرئيسية للدولة يمكن أن تقود المشهد رغم ثبوت فشلها، وهذا جعل المراقبين يرون
في قاآني رجلا فاشلا، فإن الحقيقة أبعد من ذلك.
لا يمكن تحميل قاآني وحده فشل إيران في إدارة الصراع الشيعي- الشيعي في العراق، مع حالة الفشل التي يعيشها النظام الإيراني داخلياً وخارجياً، حتى مع تلك المناورات والمراوغات التي تقوم بها طهران مع الغرب وأمريكا في ملفها النووي مستغلة سياسات أمريكا المتراخية معها. فالمشهد الداخلي في إيران يوحي بتراجع قبضة النظام، مثل الأحداث الأخيرة
فشل النظام الإيراني انعكس على المشهد العراقي
لا يمكن تحميل قاآني وحده فشل إيران في إدارة الصراع الشيعي- الشيعي في
العراق، مع حالة الفشل التي يعيشها النظام الإيراني داخلياً وخارجياً، حتى مع تلك
المناورات والمراوغات التي تقوم بها طهران مع الغرب وأمريكا في ملفها النووي
مستغلة سياسات أمريكا المتراخية معها. فالمشهد الداخلي في إيران يوحي بتراجع قبضة
النظام، مثل الأحداث الأخيرة وانتشار المقاطع المصورة التي تظهر حرق صور الخميني
وخامنئي سواء في الشوارع أو من الكتب المدرسية والجامعية. وعندما تنتشر أحاديث عن
استخدام النظام
المليشيات العراقية في قمع التظاهرات في إيران بعد رفض العديد من
عناصر الشرطة والحرس الثوري مواجهة المتظاهرين، فيمكن فهم الحالة التي يعيشها
النظام.
فحكومة رئيسي بعد أن تجاوزت عامها الأول بشهور تستمر في عملها دون برنامج
وخطط واضحة المعالم، ولا تزال تنتهج الحل الأمني في كل ما يعن لها من مشكلات، حتى
ملف السياسة الخارجية يهيمن عليه الفكر الأمني. ففشل التقدم في الملف النووي بعد
المقترح الذي قدمه الاتحاد الأوروبي كان بسبب تصميم إيران على رفع العقوبات عن
الحرس الثوري وقادته، ما يعني أنها ترى في الحل العسكري والأمني وسيلة لجني مزيد
من المكاسب، بعد نجاحها، في غفلة من الزمن، بتأسيس مليشيات موالية لها في العواصم
العربية الأربع والتي تهيمن من خلالها أو على الأقل تعطل سير هذه الدول الأربع،
ومن ثم تريد مزيدا من الاختراق من خلال ذراع مرشدها الأعلى، وهو ما يمثل فشل وجمود
سياستها المتكلسة في محيط متحرك.
ولعل حراك الصدر في الأشهر الأخيرة، خير مثال على تكلس سياسات طهران
وجمودها، فقد نجح الصدر في تغيير قواعد اللعبة السياسية، وإن كان لا يزال يفتقد
اليد العليا، لا سيما بعد أن استطاع المالكي، بما له من خبرة طويلة في المكائد أن
يخترق صفوف الصدر ويجعله يقف وحيداً بعد مسرحية استقالة الحلبوسي، وقبلها مسرحية
اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري، لإحراج الصدر، وهي الخطوة التي رآها المراقبون
نجاحاً لإيران التاريخية، على تحركات الصدر الديناميكية.
مع ذلك، فإن الصدر حتى الآن ومن خلال أنصاره ومليشياته التي ناور بتجميدها
يستطيع أن يقلب الطاولة، وهو ما يمكن قراءته من خلال محافظة كل شركاء العملية
السياسية على شعرة "معاوية" مع القيادي الشيعي.