"الثوابت
في السياسة الخارجية السورية" هو عنوان رسالة ماجستير أعدها صديقنا السوري عز الدين القدور أيام المرحلة الجامعية في
جامعة محمد الخامس بالمغرب، كلية القانون تخصص
العلاقات الدولية، عام 2002، وكان المشرف
هو الدكتور
الفلسطيني إبراهيم أبراش.
وما
أن بدأت المناقشة حتى كانت الملاحظة الأولى على الرسالة هي "لا ثوابت في
السياسة الخارجية"، على اعتبار أن العمل السياسي ليس قالباً جامداً، بل يتمتع
بمرونة يستطيع السياسي تسخيره لتحقيق مآربه وأهدافه، وأن كل عمل سياسي خاضع
لمعطيات الزمان والمكان والمصالح والمفاسد. ومن باب التشبيه، فالسياسة هي أن تسير
وسط حقل ألغام دون أن تتضرر، أو أن تضمن أن تقدمك لن يفقدك قدميك، وهذا يدفعك قبل
أن تتقدم خطوة لأن تفكر كثيراً بما سيعود عليك بالنفع أو الضرر.
يدور
الآن الحديث عن عودة علاقة حركة
حماس مع
سوريا كما كانت قبل الربيع العربي، وهذه
المسألة خصص لها كثيرون حيزاً كبيراً من وقتهم لمناقشتها، فمنهم من التمس العذر
ومنهم من رمى حماس عن قوس واحدة وأعلن براءته منها، ولكل وجهة نظره.
شخصياً،
لا أظنها مسألة سهلة على قيادة حماس التي تقف دوما إلى جانب الشعوب، ولا تقايض
مبادئها بالدعم مهما كان ضخماً، بل هي مثل عملية ولادة قيصرية فيها ألم شديد.
بعض
الذين قذفوا حماس بالتهم الباطلة انطلقوا من فكرة أن حماس أكدت سابقاً أنها لن
تعيد علاقاتها مع النظام السوري، ونسوا أو تناسوا أن دولاً كثيرةً سحبت دبلوماسييها
وقطعت علاقاتها مع دمشق، لكنها بدأت تعيدها الآن وتعود الحياة الدبلوماسية بين
الطرفين كما كانت سابقاً.
سأتحدث
عن دوافع حماس لهذا الفعل:
1-
سوريا قدمت للمقاومة الفلسطينية ما لم تقدمه غيرها، في غالب الأوقات.
2- موجة
التطبيع التي تشهدها المنطقة مع الاحتلال، فكثير من الدول العربية والإسلامية طبّعت،
والباقي على الـ"waiting list".
3-
اشتداد التضييق على المقاومة الفلسطينية بكافة أصنافها دفع حماس للتفكير باتجاه
الحصول على دعم يقوي شوكتها ضد الاحتلال الصهيوني.
4- سوريا
بالنسبة لحماس بوابة سياسية لكثير من الدول، وربما روسيا ودول غيرها كانت البداية.
5-
تجاهل الحكومات العربية لمبادرات حماس بالوقوف سداً منيعاً قولاً وفعلاً ضد
الاحتلال الصهيوني.
إن
الذين هاجموا حماس على ما تنوي فعله، هم أنفسهم الذين يبررون لأنظمة القهر العربية
أن تتعاون مع العدو من باب الواقعية السياسية، ثم إن منظمة التحرير الفلسطينية
بفصائلها المتعددة لم تنسحب ولم تقطع علاقاتها مع دمشق، بل إن بعضها ساند النظام
السوري قلباً وقالباً.
أخيراً،
إن ما تنوي حماس فعله هو كمن أجبرته الظروف على أكل الجيفة، وكما ورد في القرآن
الكريم "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، وإن أراد المعترضون بقاء
القطيعة، أن يزيلوا من درب حماس مبررات اضطرارها للعودة إلى دمشق.