شيئان
لوح الحوثيون بالإقدام عليهما، بعد
فشل مساعي تثبيت الهدنة وتمديدها جراء الصعوبات
الهائلة التي تولدت عن المطالب الثقيلة للحوثيين، ومن هذه
التهديدات التي أطلقها الناطق
العسكري؛ دعوة الشركات
الملاحية والبحرية التي لها وجهات إلى دول التحالف والشركات النفطية العاملة في
اليمن لاتباع التحذيرات والتعليمات التي سيصدرها الحوثيون، فور انتهاء
الهدنة غداً
الأحد عند الساعة السادسة مساء.
هذه
التهديدات تمثل أعلى مستويات الابتزاز، وهي تعبر عن مأزق
الحوثيين أكثر من كونها
تعبر عن قوّتهم رغم أنهم جاهزون لتوجيه ضربات عبر الحدود، لكن ذلك لن يكون متاحاً
في كل وقت إذا قرر التحالف دعم معركة حسم عسكرية حقيقية كما لم يفعل من قبل.
إن أسوأ
شيء تقدمه الهدنة المفروضة بضغط أمريكي في اليمن؛ هو أنها تعمق وتوسع نفوذ وسطوة
النسخة الأكثر سوء من التنظيمات الإرهابية، المتمثلة في جماعة الحوثي الطائفية
المدعومة من إيران، التي تمضي قدماً في تكريس نموذجها الإرهابي العنيف في اليمن وتؤثر
بعمق في قيم المجتمع وحرياته ومناهجه الدراسية، ووعيه الوطني المؤسس على مبدأ
المواطنة المتساوية.
أسوأ شيء تقدمه الهدنة المفروضة بضغط أمريكي في اليمن؛ هو أنها تعمق وتوسع نفوذ وسطوة النسخة الأكثر سوء من التنظيمات الإرهابية، المتمثلة في جماعة الحوثي الطائفية المدعومة من إيران، التي تمضي قدماً في تكريس نموذجها الإرهابي العنيف في اليمن وتؤثر بعمق في قيم المجتمع
يتعرض
معظم اليمنيين المتواجدين تحت سلطة جماعة الحوثي لممارسات غاشمة تمس حقوقهم
الأساسية في الاعتقاد وفي نمط الحياة، فيما يجري تعريض الناشئة من تلاميذ المدارس
الابتدائية والإعدادية والثانوية لمواد مدرسية صادمة في محتواها الطائفي
الاستفزازي، وتأثيرها على القناعات الفكرية والسياسية التي بُنيت على الإيمان
بحقوق العيش المشترك والحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
لا
أحد في هذا العالم المسكون بعقدة مكافحة الإرهاب، يلتفت إلى هذه الممارسات التي تتواصل
وهدفها تكريس سلطة غاشمة إرهابية طائفية أحادية التفكير، في زمن العولمة والفضاء
المفتوح والتداول السريع للكلمة والصورة والأفكار والثقافات، وثمن هذا الإصرار على
تطييف مجتمع اليمن المتماسك من جانب الحوثيين وإيران، هذه الدماء التي تُسفكُ دون
رحمة على وقع حرب تستهدف الإنسان في مسكنه ومزرعته ومصنعه وفي مخبئه وتحاصر تجمعات
سكانية كبيرة، فيما يواصل الحوثيون تعقيد الجهود المبذولة لتمديد الهدنة، وحجتهم أنها
لا تقدم شيئاً لحل الملف الإنساني الذي يخصهم بطبيعة الحال.
احتشدت
الدبلوماسية الأمريكية في أعلى مستوياتها، ممثلة بوزير الخارجية أنتوني بلينكن
الذي خاطب معظم العواصم الإقليمية وفي مقدمتها الرياض وأبو ظبي، والأهم منهما مسقط
التي تمتلك تأثيراً قوياً على جماعة الحوثي، وطلب من الجميع العمل على تجديد
الهدنة.
واستنفرت
الأمم المتحدة كل جهودها وتحركت على أعلى المستويات، سعياً وراء تجديد الهدنة التي
يراد تمديدها لستة أشهر قادمة، وإظهار الأمر خطيراً واستثنائيا ليبدو التمديد إن
حصل إنجازاً فارقاً سيحسب على الفور للإدارة الأمريكية وللأمم المتحدة وللعواصم
الإقليمية المعنية، وفي مقدمتها الرياض وأبو ظبي وطهران ومسقط.
الحكومة الشرعية هي من يتعرض لضغوط كبيرة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة للقبول بالشروط التي يفرضها في العادة الحوثيون، وهذا يمثل مفارقة لافتة، لأن الضغوط تمارس على الحكومة التي لا تمتلك القرار العسكري أصلاً، وليس بوسعها التلويح بخيار آخر
وكالعادة
الحكومة الشرعية هي من يتعرض لضغوط كبيرة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة
للقبول بالشروط التي يفرضها في العادة الحوثيون، وهذا يمثل مفارقة لافتة، لأن
الضغوط تمارس على الحكومة التي لا تمتلك القرار العسكري أصلاً، وليس بوسعها التلويح
بخيار آخر في حال تصلب الحوثيون ورفضوا إبداء الليونة بشأن الهدنة.
كما
أن الحكومة للأسف لا تتكئ بشكل حقيقي الى قوة الجيش الوطني، بل تساهم في إضعافه
وتجريده من عوامل القوة وإمكانيات المواجهة الحاسمة مع الانقلابيين، وتحرمه بشكل
متعمد من العمق الاستراتيجي كما حدث مؤخراً في شبوة، ورهنت إرادتها إلى شتات غير
منضبط من الجماعات المسلحة التي تقوض باستمرار سلطة الحكومة وتفرض مشاريع سياسية
معادية تحت أنظار التحالف وبدعم من دولتيه.
الإدارة
الأمريكية التي تتباهى بما حققته الهدنة لليمنيين من هدوء وسلام خلال الأشهر الستة
الماضية، وهو ادعاء غير حقيقي، يبدو أنها معنية بمنح تنظيم الحوثي الإرهابي فرصةً
كبيرة لامتلاك زمام المبادرة، وهو أمر يتحقق عبر هذه الهدنة التي اشترط الحوثيون
لتجديدها إطلاق أيديهم بشكل كامل في ميناء الحديدة وتأمين وجهات جديدة للطيران من
وإلى مطار صنعاء، ومنحهم سقفا مفتوحاً للتحكم بإصدار وثائق السفر والهوية الشخصية
والدفتر العائلي؛ التي تعد من صميم الصلاحيات السيادية للدولة اليمنية.
حتى
ساعات متأخرة من فجر الأحد بدا أفق تجديد الهدنة مسدوداً بسبب تعنت الحوثيين الذين
وضعوا مطالب لا تستطيع السلطة الشرعية تقديمها، ومنها تأمين النفقات التشغيلية
الكاملة للانقلاب، بما في ذلك دفع مرتبات مقاتليها مما ترى أنه ثروة وطنية تتحصل
الشرعية على عائداتها، وهذا الأمر إن حصل فإن الحوثيين سيخصصون الموارد الهائلة الأخرى
التي يتحصلون عليها لمحاربة الشرعية نفسها واجتزاء الجغرافيا عبر معارك يعدون لها
العدة طيلة فترة الهدنة.
هذه المطالب تلقى تأييداً من جانب الولايات المتحدة والعواصم الغربية الأخرى، ويعبر عنها بكلمات دبلوماسية لزجة مثل "توسيع" و"تعمق" الهدنة، ولا تأسف بشأنها الرياض وأبو ظبي، اللتان ترغبان في الحصول على فترة هدوء طويلة الأجل ولو على حساب اليمنيين
من
المؤسف أن هذه المطالب تلقى تأييداً من جانب الولايات المتحدة والعواصم الغربية
الأخرى، ويعبر عنها بكلمات دبلوماسية لزجة مثل "توسيع" و"تعمق"
الهدنة، ولا تأسف بشأنها الرياض وأبو ظبي، اللتان ترغبان في الحصول على فترة هدوء
طويلة الأجل ولو على حساب اليمنيين، بدليل أنهما لم يظهرا قلقاً معلناً كالذي تظهره
الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، بشأن عدم تجديد الهدنة، ليقين
السعوديين
والإماراتيين بأن ما يريدانه سيتحقق عبر إملاءات تفرض على السلطة الشرعية مسلوبة الإرادة
والقرار.
هناك
ملايين من اليمنيين الذين شردتهم الحرب، ويعانون من أزمات مركبة في مناطق النزوح
الداخلية والخارجية، ويتعين على السلطة الشرعية التي تجاهلتهم وتخلت عنهم وتبنت
موقفاً سلبياً منهم، أن تخصص جزءا من عائدات مبيعات النفط والمساعدات الدولية، لمعالجة
أوضاعهم بدلاً من التخلي عنهم، ولهذا سيبدو خضوع هذه السلطة لمطالب الحوثيين بشأن
المرتبات تفريطاً يصل إلى الخيانة العظمى.
إن
السيناريو المرجح حال انتهت الهدنة ولم يتسن تجديدها، هو عودة الحرب التي سيحاول
الحوثيون أن تكون مزدوجة، بمعنى التصعيد العابر للحدود أملاً منهم في دفع التحالف
إلى القبول بشروط تجديد الهدنة، والدخول في معركة داخلية مع الشرعية ورجالها، من
المرجح أن تبقى استنزافية للطرفين، إذا لم تتوفر نية للتحالف لدعم معركة الحسم
المفترضة.
twitter.com/yaseentamimi68