انتفاضة الإيرانيين هذه المرة مختلفة تماماً عن
انتفاضات سابقة، تم سحقها في مهدها، فلأول مرة تتميز هذه الانتفاضة بأنها انتفاضة
حقوق شخصية، رفعت شعارها المرأة الإيرانية، وهي المرأة نفسها التي كانت شرارة
انتفاضة 1979 ضد الشاه يوم منع الحجاب، لتقوم حفيدات تلك المرأة بالانقلاب على ما
انتفضت عليه اليوم.
بطلة الحكاية اليوم مهسا أميني (22 عاماً)، الطالبة
الكردية التي أتت زائرة إلى طهران لتجد نفسها وجهاً لوجه أمام شرطة الأخلاق
الإيرانية، فتعتقلها بذريعة عدم تغطيتها لشعرها بالكامل، لتُضرب في مركز الاحتجاز،
ويعلن عن وفاتها بعد ثلاثة أيام، فيُطلق ذلك عاصفة احتجاجات وغضب إيراني كان
محتقناً لسنوات، ينتظر أميني لتفجره بوجه ملالي طهران.
كانت انتفاضة 2009، أو ما وُسمت بالثورة الخضراء، رداً
على ما وصفته المعارضة يومها بالتزوير والتلاعب في الانتخابات، لكن في جوهرها كان
مطالب اقتصادية لأن الشعب الإيراني الثائر يومها كان يتوقع حكاماً جدداً، يوفرون
له حياة اقتصادية أفضل من الحكام الحاليين، وأتت انتفاضتا 2017 و2019 لتؤكد أن
مطالب المحتجين لم تتعدَّ تحسين واقعهم الاقتصادي، في ظل ارتفاع عالٍ في أسعار
المحروقات. لكن انتفاضة اليوم ولأول مرة سببها وشرارتها ووقودها حتى الآن المرأة
الإيرانية، بالإضافة إلى طلبة الجامعات، والمطلب الأساسي الذي رفعته الحرية
الشخصية، بالإضافة إلى مطالب سياسية متمثلة بإسقاط ما وصفته بالديكتاتور، وهو ما
اتفقت عليها كل شرائح المجتمع الإيراني المنتفض.
انتفاضة اليوم ولأول مرة سببها وشرارتها ووقودها حتى الآن المرأة الإيرانية، بالإضافة إلى طلبة الجامعات، والمطلب الأساسي الذي رفعته الحرية الشخصية، بالإضافة إلى مطالب سياسية متمثلة بإسقاط ما وصفته بالديكتاتور، وهو ما اتفقت عليها كل شرائح المجتمع الإيراني المنتفض
وسيتعذر على الغرب الصمت على هذه الانتفاضة كما فعل في
الانتفاضات السابقة، ما دامت المرأة قد دخلت على الخط، وهي الضحية الأساسية للقمع،
فحركات المرأة وحريتها في الغرب نافذة في اللوبيات، وقد رأينا مراسلة "سي إن
إن" كريستيان أمانبور، الإيرانية الأصل، لأول مرة تصرّ على عدم ارتداء غطاء
الرأس، في لقائها مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بل وتُضحي بالمقابلة لإصرارها
على عدم ارتداء غطاء الرأس، وهي التي اعتادت في السنوات الماضية على عكسه حين
مقابلة القادة الإيرانيين.
حدد المتظاهرون منذ البداية شعارهم السياسي، حين هتفوا
أنهم لا يريدون جمهورية إسلامية ولا شاهنشاهية، مما قطع الطريق على حكام اليوم
باتهامها بالانحياز للغرب، كون نجل رضا شاه المقيم في أمريكا، قد يركب موجة
المظاهرات، لا سيما وقد خرج بمقاطع فيديو عدة يدعو إلى استمرارها.
يبدو أن قواعد اللعبة التي اعتاد عليها حكام طهران في
التعاطي مع
الاحتجاجات السابقة قد تغيّرت، ويظهر أن المحتجين الجدد تعلّموا الكثير
في مواجهة قوات الأمن الإيرانية، عزّز ذلك ما يتردد اليوم عن تعويض أمريكا
للاتصالات المقطوعة عن المحتجين، تماماً كما فعلت في أوكرانيا، وهو الأمر الذي يشي
بأن واشنطن اليوم ليست هي واشنطن 2009، و2017، و2019، ومن ثم فإن الحركة
الاحتجاجية ستتواصل.
وربما قرأت واشنطن إصراراً وتحدياً لدى المحتجين
مختلفاً عن انتفاضات ماضية، تجلّى ذلك بالعنف غير المسبوق الذي فجّره المحتجون،
سواء من حيث التعامل مع الشرطة وقوات الأمن، أو من خلال السيطرة على بلدات ومدن
إيرانية، وقطعها عن خارجها، أو من خلال الدعوة لقوات الجيش والأمن للانضمام إلى
المتظاهرين. وقد قيل إن بعضهم بالفعل أعلن انضمامه، كما أعلن التحاقه بالمحتجين،
كنجم الفريق الإيراني الرياضي علي كريمي الذي دعا الجميع إلى الالتحاق بالثورة
الجديدة، كل هذا أشار إلى أن مظاهرات اليوم ستكون مختلفة عن السابق.
شعار المحتجات بإزالة إلزامية الحجاب، وحرقه علناً، بل
ورقص المحتجات في الشوارع مبتهجات بفعلهن، سدّد ضربة موجعة إلى قلب الثورة
الإيرانية، فالحجاب يعكس هويتها، والتخلي عن الحجاب يعني التخلي عن هوية الثورة،
وأساسها الأيديولوجي والاجتماعي، الأمر الذي سيُصعب على النظام احتواءها، نظراً
لعمق الثورة، وأهدافها متناسبة مع عمق ما تناله من أيديولوجية الثورة.
اللافت أن المظاهرات تزامنت مع تدهور صحة مرشد الثورة
الإيرانية علي خامنئي، وقد استبق المحتجون المرشح لخلافته وهو
ابنه مجتبى خامنئي،
يوم هاجموه وهتفوا ضده، إلى جانب حرق صور أبيه علي خامنئي، هاتفين بشعارات الموت
للديكتاتور، كما أحرقوا صور قاسم سليماني.
وتيرة عنف الاحتجاجات وخط بيانها في تصاعد حقيقي، لا سيما بعد الهتافات التي هتفت بالويل حين يكون السلاح بأيدينا، مما عكس إصراراً على المضي إلى أبعد مدياتها
وكان الرئيس إبراهيم رئيسي قد استبق هذه المظاهرات في تموز/
يوليو الماضي حين دعا إلى عدم التهاون في رداء المرأة الإيرانية، مشيراً إلى أن
أعداء الإسلام وإيران يستهدفون الأسس والقيم الدينية للمجتمع، وشدد على أن الشرطة
الأخلاقية مدعوة لإلزام السيدات بالحجاب. وتزامن هذا مع إغلاق قوات الشرطة
الأخلاقية لثلاثة مقاهٍ في منطقة قم الإيرانية، بذريعة عدم ارتداء السيدات اللواتي
كن يرتدنها الحجاب.
أعمدة أيديولوجية الثورة الإيرانية قائمة على ثلاث
قوائم، وهي: الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، والحجاب. والتخلي عن أي واحدة منها
يعني انهيار البقية، وهو ما حذّر منه خامنئي شخصياً، حين قال: إنّ التساهل مع
الحجاب سيعجل بسقوط النظام، ونُقل عنه قوله: "إذا أردنا منع بلدنا من الغرق
في الفساد والفوضى فعلينا المحافظة على حجاب المرأة".
بلا شك فإن وتيرة عنف الاحتجاجات وخط بيانها في تصاعد
حقيقي، لا سيما بعد الهتافات التي هتفت بالويل حين يكون السلاح بأيدينا، مما عكس
إصراراً على المضي إلى أبعد مدياتها. ومع تراجع الآمال بالتوصل إلى اتفاق نووي مع
أمريكا، يُخفف وطأة الحصار الاقتصادي على الشعب الإيراني، ازداد انسداد الأمل
أمامه في تحسن واقعه الاقتصادي، يُضاف إليه غرق النظام في أحلاف إقليمية ودولية،
بعيداً عن اهتمامات الشعب الإيراني ومصالحه، والتي كان آخرها الحرب في أوكرانيا